الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رامى شعث.. الراقص بالقضية رحلة التحول الفاسدة  من البيزنس إلى السياسة

رامى شعث.. الراقص بالقضية رحلة التحول الفاسدة من البيزنس إلى السياسة

فى  منتصف التسعينيات، بدت أجواء دافئة بين السلطة الفلسطينية برئاسة الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إسحق رابين، ظن المراقبون أن السلام قد اقترب، قبل أن يتم اغتيال رابين واختراق للسلطة نفسها من أجل تسويف القضية وضياع ثوابتها.



 

كانت القاهرة آنذاك مركز تدريب واحتضان للمفاوضين الفلسطينيين، وفى أحد أجنحة فندق «شيراتون الجزيرة»  المطلة على نيل القاهرة كانت غرفة العمليات يقودها الدبلوماسى الدكتور أسامة الباز، المستشار الأسبق لرئيس الجمهورية، يقف كالمعلم ينقل خبرات الوفد المصرى فى التفاوض مع الجانب الإسرائيلى خلال مفاوضات السلام ومن بعدها اتفاقية كامب ديفيد.

وقتها وجد القيادى فى حركة فتح «نبيل شعث» الفرصة مواتية لكى يدفع بابنه «رامى» إلى الدائرة المقربة من الرئيس الفلسطينى الراحل تحت مسمى مستشار سياسى.

 ظهرت فيما بعد طبيعة الدور الذى لعبه نبيل شعث ولعبه رامى.. كان الأب أحد أجنحة الثروة والتى كشف البعض منها بعد رحيل عرفات وبعد رحيل نبيل نفسه.. بينما كان الابن علامة استفهام واضحة حول اختراق الدائرة اللصيقة بعرفات إلى أن رحل أبوعمار تاركا أسئلته بين جدران الحصار الأخير.

بعد العام 2006 وحدوث الانقسام الفلسطينى بين قطاع غزة ورام الله، وهو الانقسام الذى استفادت منه كوادر بعينها وعززته للبقاء فى أروقة السلطة والثروة، ظهرت عملية اختطاف إقليمية للقضية الفلسطينية، لكى تستخدم كإحدى أوراق أطراف إقليمية بعينها، ظهرت عمليات الانقسام داخل حركة فتح وبدت شخصيات محددة تلقى بنفسها فى أحضان أطراف غير عربية للمتاجرة بالنضال وتحقيق مغانم السلطة والثروة.

جاءت الأوامر الإقليمية باستهداف القاهرة بدلاً من استهداف المحتل الإسرائيلى، وكأن مصر هى التى تحتل فلسطين، هكذا جاءت اللعبة السياسية مدفوعة الأجر.

وفى نهايات العام 2008 حتى 20يناير 2009 سقطت كل أوراق التوت لتكشف عورات أشخاص بعينها خلال العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة بينما كان يجرى تحضير سيناريو الفوضى فى مصر.

وفى العام 2011 جاء توزيع الأدوار والغنائم وظهرت الأحقاد فى لحظة إقليمية فارقة.

فى الأرض المحتلة، تمت تصفية جناح الثورة لصالح جناح الثروة فى حركة فتح، وهو الأمر الذى أراح نبيل شعث من اتهامات بالفساد كانت تحوم حوله بعد ما ذكرته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت عام 1998 أن أموال المانحين تذهب فى بذخ رفقاء عرفات، وحينها كان نبيل شعث يشغل موقع وزير البنية التحتية.

فى مايو 2011 كان المخرفون دوليًا وإقليميًا قد ظنوا أن مصر سقطت فى براثن مشروع الإسلام السياسى وأنها لن تعود.. وقتها ذهب «نبيل شعث» إلى «إسماعيل هنية» فى منزله داخل قطاع غزة يتفاوض معه حول أمرين؛ الأول هو إخفاء الفساد الذى تورطت فيه جمعية (عطاء غزة) التى ترأسها زوجة نبيل شعث، بينما يقوم بإدارتها فعليًا ابنه رامى، وكان رامى يمتلك شركة تدعى «تكمارك»، هذه الشركة كانت المتعهد الوحيد لتوريد البضائع إلى قطاع غزة، كانت تحصل على البضائع (مدعومة) من أسواق مصر وتقوم بتوريدها داخل غزة.

أراد «شعث» الأب أن يوفر الحماية له ولابنه من الفساد وفى الوقت نفسه إعادة الصياغة السياسية لابنه فى الواقع السياسى الإقليمى الجديد.

تقول الأوراق المتناثرة إن حجم الفساد فى جمعية عطاء غزة كان يبلغ فى العام الواحد ما يقرب من مليون دولار، واستمرت فى العمل لمدة عشر سنوات، ولا أحد يعلم حتى كتابة هذه السطور ما هو مصير هذه الأموال!

كانت الضجة تستحق صخبًا أكبر وجاءت الفرصة مواتية ليتخلص نبيل شعث من محمد دحلان فقاد تيار اتهام دحلان بأنه كان يقف خلف اغتيال ياسر عرفات كى يتم بتره من حركة فتح.

آنذاك كان «رامى» قد أعاد صياغة نفسه من رجل أعمال إلى ناشط سياسى، تحت مزاعم مناهضة (التطبيع مع إسرائيل)، وكانت زوجته الفرنسية «سيلين لوبران» هى الأخرى تحوط حولها دوائر الشك؛ خصوصًا خلال عمل الأخيرة بالمركز الثقافى الفرنسى.

أطل رامى شعث بوجهه الجديد مقدمًا نفسه كجزء من الحراك الثورى فى مصر، وأنه يناضل من مصر ضد الاحتلال فى فلسطين !

بعد وصول الإخوان لحكم مصر وحدوث هذه السقطة الزمنية من عمر الأمة المصرية بأسبوعين وتحديدًا فى الخامس عشر من يوليو عام 2012 ذهبت عائلة شعث إلى منتجع (كالكان) فى تركيا، بلغت فاتورة إقامة المناضلين فى أيام معدودات 87 ألف دولار أمريكى.. لا أحد أيضًا يعرف من أين جاءت هذه الأموال وكيف أنفقت بحسب تقارير فلسطينية؟!

استعادت مصر هيبتها وعنفوانها وحضرت الدولة من جديد بعد ثورة الشعب المصرى الكبرى فى الثلاثين من يونيو عام 2013 وكان أول الداعمين لها أهلنا فى فلسطين لأن فى عز مصر عز فلسطين، وهو  الموقف الذى أعلنه حينها الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن بل كان أول السياسيين العرب الذين أباحوا بالقول حول حجم المؤامرة التى كانت تتعرض لها مصر.

بينما كان «شعث» الأب يعانى من ارتباك سياسى ملحوظ، فقد مضى إلى طريق اللا عودة هو ونجله.. ظن أن الهوية السياسية التى يحملها ستكون حصانة لنجله الذى مضى فى طريقه إلى أن سقط فى قبضة الأمن المصرى عام 2019 باتهامات واضحة فى القضية رقم 930 لسنة 2019 بتهمة ارتكاب جرائم الاشتراك مع جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون بهدف تعطيل أحكام القانون والدستور ومنع المؤسَّسات من ممارسة أعمالها.

فضلاً عن نشر أخبار كاذبة لتحقيق الغرض نفسه.. القضية عُرفت إعلاميًا بقضية (خلية أمل).

ولمن لا يتذكر هذه القضية، نعاود تذكيره عندما وجَّه الأمن المصرى ضربة قاصمة لجماعة الإخوان الإرهابية بضبط 19 شركة تدير أموالها لحساب أنشطة الجماعة الإرهابية فى الداخل والخارج.

على مدار ما يقرب من 100 يوم تم توظيف «رامى» ابن شعث على كونه سجين رأى أو حقوقيًا ومناضلاً مع أن واقع الأمر أنه ظن للحظة أن مصر بلد مستباح قد يسعى لضربها دون مساءلة وتحت مزاعم النضال ضد الاحتلال قد تمر جريمته.. عاد «رامى» إلى باريس حاله كحال أى راقصة استربتيز  فى محلات بيجال، يخلع أفكاره مثلما تخلع الراقصة ملابسها.. الفارق الوحيد أنها أكثر وضوحًا.

سعى الراقص بالقضية إلى توجيه اتهامات إلى مصر وواقعها انتقامًا من اليد الوحيدة التى تعمر وطنه الذى يتاجر به (فلسطين).. تتناوب عليه دوائر إعلامية محددة الأهداف أملاً فى النيل من حقيقة أن لا أحد فوق القانون فى مصر وأن عقارب الساعة لن تعود أبدًا إلى الوراء.. وكان من الطبيعى أن نجد كيانات الجاليات المصرية فى المهجر؛ خصوصًا أوروبا تنتفض فى وجه ناكر الجميل تاجر النضال «رامى شعث».