الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أول مصرية ضابطة بحرية على سفن الصيد لـ«روزاليوسف»: «ريم الردان» البحر ليس حكرا على الرجال

على ظهر إحدى سفن الصيد العملاقة بميناء الإسكندرية تجلس فتاة عشرينية فى قمرة قيادة السفينة، تراقب بدقة انتظام عمل الأجهزة الملاحية، تتابع السلامة والآمان للسفينة ولطاقم عملها، هى الكابتن «ريم إبراهيم الردان» إحدى أول فتاتين نجحتا فى الحصول على جواز السفر البحرى على مراكب الصيد، صورة لم تكن متخيلة قبل سنوات، ولكن إصرار النساء ومثابرتهن لا يتوقف ولا يستسلم على خوض مجالات ظلت لعقود ترفع شعار للذكور فقط. وإذا نجحت مروة السلحدار لتصبح أول قبطانة مصرية تعمل على سفن نقل البضائع والركاب، فـ «ريم» تقترب من حلمها لتصبح أول قبطانة مصرية تعمل على سفن الصيد.



مجلة روزاليوسف تحاور ريم الردان أول فتاة تحصل على جواز السفر البحرى وأول ضابطة مصرية تحصل على درجة «ضابط مناوبة ملاحية» على سفن الصيد، لنتعرف أكثر على دراستها وطبيعة عملها والتحديات التى واجهتها لتحقيق حلمها.

 فى البداية.. ما الشغف وراء التحاقك بالدراسة فى كلية «تكنولوجيا المصايد والاستزراع المائى» ؟

- بعد الانتهاء من دراستى بالثانوية العامة قسم العلمى علوم، كان حلمى الالتحاق بإحدى الكليات العسكرية أو الُشرَطية، ولكن لم أتمكن من ذلك، مثلما لم أستطع تحقيق أمنية والدى الطبيب فى الالتحاق بكلية الطب نظرا لمجموعى الضعيف الذى لم يتجاوز ال 80 %، ليخرج ترشيح عائلتى للالتحاق ب«الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى» فى ضوء الحديث عن نجاح القبطانة «مروة السلحدار» كأول فتاة تعمل فى مجال النقل البحرى التجارى، وتحمست لكلية «تكنولوجيا المصايد» التى تقترب فى انضباطها والتزامها بحلمى القديم فى الالتحاق بكلية عسكرية، بالإضافة لمتابعتى وقراءتى لأهمية الدراسة بهذه الكلية نظرًا للمستقبل المُبشر الذى ينتظر خريجها بسوق العمل فى ظل استثمار الدولة المصرية بقوة فى مجال الاستزراع والمصايد وبناء أسطول ضخم من سفن الصيد يحظى بتوقعات مستقبلية واقتصادية واعدة، فكلها عوامل حفزتنى أكثر للالتحاق بالكلية، ولكن واقع الدراسة لم يكن سهًلا خاصة مع أجواء التنمر!

«التنمر» ؟! 

- نعم. أعداد الفتيات اللاتى يلتحقن بكلية المصايد طفيفة للغاية وكذلك النقل البحرى فهى لاتزال حكرا على الذكور فى ضوء أعدادهم الكبيرة، فالدفعتان السابقتان كانتا تضمان 4 فتيات مقابل 14 طالبا، ودفعتى تكونت من 6 فتيات مقابل 14 طالبًا أيضًا، وواجهنا عبارات تنمر من جميع الكليات بالأكاديمية مثل « إيه ياسمكة؟.. إيه ياصنارة؟» آخركم هتقعدوا فى البيت ومش هتطلعوا على مراكب هتخربوا البحر مش كفاية على البر»؟!، وقدمنا شكاوى للعميد لوقف هذا التطاول من بعض الطلاب المتجاوزين وفجاجتهم فى التنمر. ولكن لو استسلمنا لهذا التنمر لن نحقق شيئًا!، كان لدينا حلم وبدأناه بالدراسة فى الكلية حتى تخرجنا وحصلنا أنا وزميلة الدفعة «ميادة رمضان» كأول فتاتين مصريتين على جواز السفر البحرى ونصبح ضباط مناوبة بحرية على سفن الصيد.

 قبل الوصول لجواز السفر البحرى.. هل تخبرينى أكثر عن شروط الالتحاق للكلية خاصة إنها منشأة حديثًا؟

- تشترط الكلية أن يخضع الطلاب المتقدمين لاختبارات صارمة مشابهة لاختبارات الالتحاق بكلية الشرطة أو الجيش، مثل كشف الهيئة والكشف الصحى واللياقة البدنية، والنجاح فى هذه الاختبارات شرط أساسى للالتحاق بكلية تكنولوجيا المصايد. والدراسة تستمر لمدة أربع سنوات بين الجانبين النظرى والعملى، وهى عبارة عن تدريبات مكثفة للدارسين بقيم المصايد على الأجهزة الملاحية بالسفن، والخروج على المراكب، والتعلم على مُحاكى «simulator» يساعدنا على الخوض فى تجارب مختلفة كحالات تصادم السفن، كيفية مواجهة الرياح والعواصف وظروف الطقس السيئة، كيفية حماية طاقم السفينة حال تعرضها للقرصنة مثلا أو نشوب حريق على متنها. وهذا «المحاكى» مفيد جدا لأنه يضع الطالب فى تجربة شبة حقيقية فريدة على البر ليكون مستعدًا عندما يكون على ظهر سفينة فى وسط البحر. كما أن الكلية لا تؤهل فقط إلى العمل على ظهر سفن الصيد بل تؤهل أيضًا للعمل فى إدارة المصايد، والثروة السمكية، ومراقبين مصايد، ومنظمين تقييم المخزون السمكى وهيئة البحث العلمى.

 حصلت أنتِ وزميلتك كأول فتاتين مصريتين على جواز السفر البحرى لسفن الصيد..كيف نجحت فى ذلك؟

- بعد دراسة أربع سنوات حصلت على بكالوريوس علوم ثروة سمكية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 2018، لتبدأ مرحلة جديدة من التدريب فى البحر لمدة ستة شهور للحصول على جواز السفر البحرى الذى يمنحنا رتبة ضابط مناوبة ملاحية على سفن الصيد عام 2020، وبالفعل كنا أول فتاتين لأن الدفعتين السابقتين بالكلية لم تتقدم أى فتاة فيهما للحصول على جواز السفر البحرى واكتفين بالبكالوريوس فقط ولعدم معرفتهن أيضًا أن بإمكان الفتيات خوض هذا المجال العملى الذى ظل حكرا على الرجال لسنوات طويلة. 

ولكن لم نيأس أنا وزميلتى «ميادة» لاستكمال المشوار بعد التخرج لنهايته واتباع كل الخطوات التى تُمكِنَا من استخراج جواز السفر؛ بدءًا من الالتزام بشهور التدريب الشاقة فى الموانئ والنزول إلى مزادات بيع الأسماك، بالإضافة إلى الحصول على دورات الحتميات واجتياز الاختبارات التأهيلية للحصول على شهادة معتمدة من هيئة السلامة البحرية. وبعد قضاء فترة التدريب تقدمنا لامتحانات رتبة ضُباط المناوبة الملاحية وبالفعل نجحنا وحصلنا على جواز السفر البحرى فى ديسمبر 2020.

وأيضًا أصبحتما أول فتاتين تعملان بالشركة الوطنية للثروة السمكية والأحياء المائية التابعة للقوات المسلحة المصرية.. كيف حدث ذلك؟

- فى الحقيقة هنا يجب أن أذكر وأشعر بالامتنان والفضل لرئيس الأكاديمية البحرية «الدكتور إسماعيل عبدالغفار» وعميد الكلية «الدكتور حاتم حنفى» اللذين آمنا بحلمنا وشغفنا ورغبتنا فى استكمال مشوارنا المهنى منذ البداية وخوضنا رحلة التدريبات ثم حصولنا على جواز السفر البحرى؛ حيث تواصل أساتذتنا مع رئيس الشركة الوطنية للثروة السمكية وأخبرهم أنه يثق فى اجتهادنا وحماسنا للعمل، وبالحرف قال له «ارميهم فى نص البحر وامشى»، وكانت كلماته أكبر دافع لنا وزادت من ثقتنا فى أنفسنا وبالفعل بعد عدة شهور من المتابعة والمثابرة، وبصراحة لم يكن الأمر سهلا فى تعيين فتاتين لأول مرة بالشركة فى هذه المواقع كضباط مناوبة بحرية، ولكن بفضل التوفيق والإصرار جاء قرار التعيين فى أكتوبر 2021. 

 صفِ لى مهام عملك كضابط مناوبة ملاحية تعملين الآن على ظهر إحدى السفن بالإسكندرية؟

- أى سفينة صيد أكبر من 24 مترًا تطلب تواجد ضابط مناوبة ملاحية، وهىنوعية السفن الكبرى للصيد التى يوجد بها مصانع للأسماك على ظهرها مثل مراكب صيد «التونة» الكبرى، ومهام عمل ضابط المناوبة هو مسئول عن الأجهزة الملاحية على السفينة، ومتابعة قواعد الأمان safety سواء للطاقم والسفينة، أيضًا يتابع ويتولى القيادة خلال فترات راحة القبطان، ونعتبر ضابط المناوبة الملاحية هو بمثابة الذراع اليمنى للقبطان أو المساعد له. 

ونعمل الآن منذ أكتوبر الماضى على رفع كفاءة إحدى سفن الصيد بالإسكندرية، لتأهيلها لموسم صيد التونة خلال الفترة المقبلة، لم نبحر بعد بالسفينة إلا عند الانتهاء من جاهزيتها ثم ننطلق للإبحار. وأمضى ساعات عملى من التاسعة صباحا حتى العاشرة مساء خاصة فى هذه الفترة من التجهيزات.

 متى تُصبحين قُبطانًا للسفينة؟

- «بعد قضاء 18 شهرًا بالعمل بالبحر، ويمكن الانتهاء من هذه المدة على خمس سنوات مثلا، لإنك لاتقضين عامًِا ونصف متواصل مثلا فى البحر، ولكن يحسب الوقت بإجمالى عدد الشهور التى ابحرت فيها مع سفينتك. ومرحلة الترقى لدرجة قبطان تتطلب بجانب الوقت البحرى دراسات واطلاعًا مستمرًا». 

 وما هو مجال سفر سفن الصيد هل أوروبا أم آسيا؟

- السفر يتوقف على عاملين كفاءة وقدرة السفينة للابحار سواء فى مياه محدودة أو فى أعالى البحار، وأيضا أين تذهب السفينة ولماذا وأى نوع أسماك نحتاج لاصطياده؟ وما هى القيمة الاقتصادية التى يحققها هذا النوع من الأسماك؟! وقطاع الصيد والثروة السمكية من القطاعات الواعدة خاصة مع دعم ومشروعات القيادة السياسية لها، وتحهيز 100 مركب صيد للشركة الوطنية قادرة على السفر لأعالى البحار سواء أوروبا أو افريقيا أو غيرها من القارات لجلب مايفيد السوق المصرية.

وعادة سفن الصيد لا تزيد مدة رحلتها فى البحر عن شهر عكس سفن البضائع التجارية. 

تعملين كفتاة وحيدة وسط طاقم رجالى.. كيف استقبلوا  وجودك بالسفينة هل متعاونون أم متنمرون؟

- التنمر يأتى من خارج أرجاء السفينة من الصيادين المحيطين بنا فى البحر، ينظرون باندهاش من وجود ضابطة فتاة على ظهر المركب، ثم يصيحون «بتعملى إيه عندك؟! كمان الستات فى البحر؟! مكانكم فى البيت»! ولكن أتلقى دعما وتعاونا كبيرا من زملائى الضباط والعمال على ظهر السفينة، ما يميز العمل بالبحر هو روح التعاون بين فريق العمل بدونها لا ننجح، نحن سنقضى أيامًا بل شهورًا فى عرض البحر، وبدون المشاعر الإيجابية بين الجميع وأن نكون أشبه بأسرة على المركب لن تسير الأمور بشكل جيد.

أما القيادات سواء رئيس قطاع المصايد أو نائب رئيس القطاع وكذلك القبطان فهم يحتضنوننى كابنة لهم، ولا يبخلون بشيء من علمهم ومعرفتهم ونقل الخبرات، بل يشجعوننى دائمًا ويطلبون منى التركيز فى العمل وعدم الاهتمام بعبارات التنمر، أشعر دائما أن القيادات تقف فى ظهرى وفخورون بنجاحنا وحماسنا فى العمل، حتى إنه مسموح لنا أنا وزميلتى «ميادة» بغياب يوم فى الأسبوع بسبب محاضراتنا بالأكاديمية نظرا لتسجيلنا فى مرحلة الماجستير.

 هل تعتقدين أن مهام عملك المختلفة وقضائك شهورا خارج المنزل ستؤثر عليك حال رغبتك فى تكوين حياة أسرية؟

- صحيح مهنتى طبيعتها مختلفة وليست وظيفة مكتبية محددة الساعات، لكن التنظيم وترتيب المهام هو كلمة السر لنجاح الحياة المهنية والعائلية. وهذه المساومة بين عمل المرأة أو رعاية أسرتها تم تكريسها منذ سنوات بفعل العادات والتقاليد والصور النمطية التى تظهر عليها النساء فى الدراما والأفلام، جعلت المرأة دائمًا وكأنها فى اختبار واختيار دائم مابين استكمال نجاحها العملى أو بين بقائها فى المنزل!

لدى اقتناع تام أنه «لامساومة بين شغلى وتكوين أسرة»، أتطلع لشريك حياة متفهم وداعم لطبيعة عملى ليس معرقلا لأحلامى وطموحى، ليس رجًلا يرغبنى كربة منزل فقط! 

 أخيرًا من واقع تجربتك فى الانطلاق للعمل بمهنة جديدة ماذا تقولين لفتيات لديهن الحماس والحلم ولكن يعتقدن أنه صعب تحقيقه لكونهن فتيات؟

- «متخليش حاجة توقفك وكونى قد التحدى، هتقدرى تكملى طول مانتى عايزة تكملى». الأحلام لن تتحول لواقع بسهولة ولكن الصعوبات والتحديات مجرد محطات نتجاوزها بالإصرار، لأن الإحباط لن يحقق شيئا فى النهاية سوى الفشل، ولكن بمقدار دفاعنا عن طموحاتنا بقدر مانشعر بالفخر والإنجاز فى نهاية الطريق، ولن نشعر بصعوبته ولا مشقته طالما نجحنا فى الوصول لهدفنا سواء الدراسة فى كلية ما أو العمل بمهنة مختلفة. اليوم بعد كل التعليقات السلبية والتنمر الذى تعرضت له سواء فى دراستى أو فى عملى، لا أتذكر كل ذلك مع ما أراه من مشاعر الفخر والدعم والتشجيع من عائلتى وأساتذتى بالأكاديمية، مع اقترابى من تحقيق حلمى لأكون أول قبطانة مصرية على سفن الصيد.