السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. علاقات ملتبسة.. ريبة وشك وتخوين.. العلمانيون والكنيسة!

مصر أولا.. علاقات ملتبسة.. ريبة وشك وتخوين.. العلمانيون والكنيسة!

لا يمكن استكمال الحديث عن الإصلاح والتجديد والتحديث والتطوير للكنيسة دون مناقشة دور «العلمانى» فيها ومعها. وذلك مع مراعاة أن مصطلح «العلمانى» فى هذا السياق لا يتطابق تمامًا مع تعريف مصطلح «العلمانى» سياسيًا وفلسفيًا. فإن كل من هو من غير رجال الدين فى الكنيسة المصرية يطلق عليه «علمانى». والعلمانيون داخل الكنيسة المصرية هم الأكثر حديثًا ومطالبة بالإصلاح داخل الكنيسة..



 

تحديد المفاهيم..

تأتى كلمة علمانى فى مقدمة الكلمات سيئة السمعة فى مفردات قاموس الحياة السياسية المصرية، فالعلمانى- بفتح العين - هو الإنسان المرتبط بالعالم، والحقيقة هى أن العلمانى – بفتح العين – تعنى Layman أى الشخص غير الإكليركى أى دارس العلوم الدينية المسيحية، أو بمعنى آخر الشخص الذى يرتبط بالدين، من منطلق أنه من أتباعه، وليس من رجال الدين.

كما أن العلمانى- بكسر العين- تعنى Secular أى المؤمن بفصل الدين عن شتى مناحى الحياة، وبالتالى، فإن اختزال تعريفه عند البعض فى أنه مرتبط بالعالم غير دقيق إلى حد ما، وهو ما يجعلنى أؤكد بشدة أن كلمة علمانى سواء بفتح العين أو كسرها ليست كلمة سيئة السمعة، أو ضد الدين. كما أؤكد أيضًا أن العلمانى الحقيقى هنا يصنف على أنه يتبع العلمانية- بفتح العين- أى Laymen فى أسلوب تفكيره وطريقة عمله.

 تاريخ..

يبرز دور العلمانيين داخل الكنيسة على مستويين، الأول من خلال المجلس الملى الذى كتبت عنه مقالًا بعنوان «اسم طائفى منتهى الصلاحية.. المجلس الملى.. ميراثا سلبيًا من السلطنة العثمانية!» فى 4 ديسمبر 2021 على صفحات مجلة روزاليوسف. وطالبت بتغيير اسمه، والمستوى الثانى من خلال الشخصيات العامة سواء من المفكرين والمثقفين والكتاب أو الأكاديميين.

ظلت المشكلة الرئيسية بين المجلس الملى وبين الكنيسة المصرية تكمن فى تلك الخبرة التراكمية السلبية التى صاحبت نشأة المجلس الملى سنة 1874 وعمله منذ البداية حيث وصل لنقطة مواجهة وصدام بينه وبين قيادة الكنيسة فى العديد من الأحيان.. وهى المواجهة التى انتهت إلى محاولة سيطرة كل طرف على الثانى دون الوصول إلى شكل متكامل للتعاون والشراكة، خاصة أنه لا يمكن للعلمانى المسيحى المصرى أن يقوم بدور الإكليروس أى رجال الدين، كما لا يمكن للإكليروس أن يقوموا بدور العلمانى.

وترتب على ذلك، أن النظرة السلبية المتراكمة هى التى ظلت سائدة وحكمت العلاقة بينهما لأكثر من قرن من الزمان، وهى النظرة التى انتقلت بشكل مباشر بعد ذلك إلى دور العلمانى كفرد أو مجموعة صغيرة منظمة، نتيجة زيادة الوعى بدوره فى الكنيسة، وهو الدور الذى يعتبر نوعًا من الاستكمال لدور المجلس الملى من الأصل.

بدأت البوادر الأولى للتحديث فى الكنيسة منذ عصر البابا كيرلس الرابع الملقب بأبى الإصلاح الكنسى. ثم جاءت حركة «مدارس الأحد» التى أسسها حبيب جرجس «وهو علمانى.. ليس من رجال الدين» لتمثل واحدة من أهم التجارب الإصلاحية والتحديثية فى وقتها داخل الكنيسة المصرية، بداية من دورها فى الإحياء الدينى، ومرورًا بدورها الاجتماعى، وصولًا إلى دورها السياسى الذى برز من خلال أبنائها من جماعة الأمة القبطية أو من جيل الجامعيين الذى صار فيما بعد يتصدر مشهد الرموز العليا فى الكنيسة، وعلى سبيل المثال كل من: البابا شنودة الثالث، والأنبا اغريغوريوس، والأنبا صموئيل، والقمص متى المسكين، أو ممن صاروا من رموز العمل العام، وعلى سبيل المثال كل من: د.مراد وهبه، ود.غالى شكرى، ود.فايق فريد، ود. ميلاد حنا، والمستشار د.وليم سليمان قلادة ود.سليمان نسيم.

يتواجد العلمانيون داخل الكنيسة فى الطبقة الوسطى الأكثر تعليمًا والأكثر ثقافة، والذين يهتمون بالشأن الوطنى بوجه عام والشأن المسيحى المصرى بوجه خاص، ويمكن أن نرصد بعض الملامح الأساسية حول علاقة العلمانيين بالمؤسسة الكنسية من جهة، وعلاقة المؤسسة الكنسية بالعلمانيين من جهة أخرى.. متضمنًا الملاحظات التى يطرحها كل طرف فى رؤيته تجاه الطرف الثانى.

 الجوانب الإيجابية فى علاقة العلمانيين بالكنيسة:

- الرغبة فى تطوير الكنيسة بما يواكب العصر دون التخلى عن الثوابت الإيمانية.

- القيام بدور للحد من تقوقع المواطنين المسيحيين المصريين وسلبيتهم.

- تمثيل آمال وطموحات القاعدة العريضة من المواطنين المسيحيين المصريين والتعبير عن مشكلاتهم وطموحاتهم.

 أما الجوانب السلبية، فهى:

- عدم امتلاكهم مشروعًا متكاملًا وموحدًا أو واضح المعالم، فالعلمانيون المسيحيون المصريون  لا يعملون وفق منهج جماعى موحد، بل يعملون كجزر فردية منعزلة. وتجربة فريق العلمانيين سنة 2006 نموذج دال على ذلك، ثم اتحاد شباب ماسبيرو عقب أحداث 25 يناير 2011، وانقسامهم بعد ذلك لمجموعات وائتلافات، ومنهم من اقتصر على موقع إلكترونى أو صفحة على الفيسبوك.

- إضفاء الشرعية حول ماهيتهم من خلال الاستقلال عن المؤسسة الكنسية، فأصبحوا صوتًا دون فعل حقيقى يمثل صدى القاعدة العريضة من المواطنين المسيحيين المصريين. وهو ما جعلهم جماعة هامشية ليس لها تأثير قوى فى الوسط الكنسى. بل يظهرون- أيضًا- فى كثير من الأحوال وكأنهم ضد الكنيسة ومن المعارضين لها.

- عدم استقلالية الحركات العلمانية داخل الكنيسة، لأن شرعيتها وقانونيتها ومقومات بقائها تستمد قوتها من الكنيسة نفسها.

 

يمكن تحديد الجوانب الإيجابية فى علاقة الكنيسة بالعلمانيين:

- التشجيع على العمل الوطنى العام دائمًا، ولكن خارج إطار المؤسسة الكنسية.

- تفويض بعض المسؤوليات بما لا يمس هيبة الكنيسة من جانب، ولا يمس سلطتها فى اتخاذ القرار من جانب آخر. فالمؤسسة الكنسية تمنحهم مكانة كبيرة من خلال المجلس الملى مثلًا، ولكن فى الوقت نفسه.. يتوقف نجاح هذا المجلس بشكل أساسى على مدى طبيعة العلاقة بينه وبين الرئاسة الكنسية، أو من حيث استمراره أو تجميده على غرار المجلس الملى الحالى الذى انتهت دورته الأخيرة فى عام 2011.

 أما الجوانب السلبية، فهى:

- نظرة المؤسسة الكنسية إلى العلمانيين على اعتبار أنهم من التكنوقراط «الخبراء والمتخصصون» فى العمل العام فقط، أما العمل الدينى وما يتعلق به فليـس من شأنهم، بل ويجـهلون به. وذلك لكى لا يصبحوا جماعة ضاغطة تؤثر على النظام الدينى التاريخى القائم.

- أهمية خضوعهم للسلطة الكنسية، لأنهم لا يناظرونها حتى فى النظام الإدارى، وهو ما ترتب عليه عدم تجاوز الحدود غير المرسومة التى تفرضها المؤسسة الدينية، وبالتالى لن يكون للعلمانيين بأى شكل من الأشكال الكلمة العليا فى الكنيسة، فالمؤسسة الكنسية تنظر إليهم بعين الريبة والشك.

نقطة ومن أول السطر..

بدلًا من الشراكة والتواصل، تحول الأمر بين الجميع سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات من العلمانيين إلى الإهانة والتجريح والتشهير والاغتيال المعنوى والتكفير. وهو الأمر الذى رسخ فى ذهنية المواطن المسيحى المصرى.. صورة الكره والعداء لكل من يطالب بإصلاح الكنيسة أو يقوم بانتقاد موقف لها سواء فى شخص البابا أو أحد الأساقفة، ووصل الأمر فى تناول الأزمات والتوترات، وكأن الجميع دون استثناء ضد الحوار وضد النقد وضد النقاش.. اعتمادًا على ميراث الشك والريبة لتصدير العلمانيين لأخطاء بعض رجال الكنيسة، والعكس.