الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
موتى بلا قبور

موتى بلا قبور

لا يعترف الدستور المصرى إلا بالديانات السماوية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية فى ممارسة الشعائر الدينية، ولكن هناك عقائد أخرى يعتنقها مواطنون مصريون مثل البهائية وشهود يهوه والأحمدية، كما يوجد لا دينيين، ولدينا بوذيون جاءوا من دول تؤمن بهذا المعتقد، فأين يدفن أتباع هذه المعتقدات موتاهم؟ المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حاولت الإجابة على هذا السؤال، وكشفت فى تقرير لها بعنوان 



«تجاهل الموتى.. أين ذهبت مقابر أحرار العقيدة والمؤمنون بديانات غير معترف بها»، وكشفت أن أصحاب هذه المعتقدات كانت لهم مقابر مخصصة لهم، وتتبعت فى تحقيق مثير مصير هذه الجبانات وهل مازالت موجودة ويتم الدفن بها أم أنها ضاعت واندثرت؟.

 التقرير الذى أعدته الباحثة جوهرة مدكور وأشرف عليه وحرره عمرو عبد الرحمن احتوى على معلومات مدهشة، وبذل الاثنان مجهودا كبيرا للوصول إلى هذه الجبانات، حيث تم الاسترشاد بخرائط قديمة من مصلحة المساحة بالقاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية وبور سعيد وهى المحافظات التى تواجدت بها هذه الجبانات، كما استعانت الباحثة بشهادات ووثائق عديدة، وزارت أماكن تواجدها وكشفت ما جرى لها، يوضح التقرير أن الستينيات فى القرن الماضى شهدت اضمحلال هذه الجبانات التى ضمت أطيافا متنوعة من أصحاب العقائد والديانات غير المعترف بها إلى جانب الملحدين واللادينيين، فأين يدفن الآن أتباع هذه العقائد موتاهم؟

حسب التقرير فإن الشيعة يدفنون موتاهم فى مقابر المسلمين رغم اعتراض السلفيين لأن علماء الأزهر ودار الإفتاء لا يتبنون تكفير الشيعة، وعلى العكس من ذلك الأحمدية التى يعتبرها أهل السنة والشيعة ديانة مستقلة عن الإسلام، ورغم ذلك فإن مصدر من الأحمديين فى مصر قال إنه لا يوجد مقابر خاصة بهم وأنهم يدفنون موتاهم فى مقابر المسلمين، وإن كانت هناك اعتراضات من السلفيين فإن عائلة المتوفى تقرر دفنه فى مقابرها أو فى أى مقبرة عامة من مقابر المسلمين، حيث يعتبر الأحمديون أنفسهم مسلمين، أما طائفة شهود يهوه، فإنها لا تحظى باعتراف رسمى من جانب الدولة كما أن معظم الكنائس لا تعتبرهم مسيحيين، وقال أحد أعضائها إنه لا توجد مقابر مخصصة لهم ويدفنون كأفراد فى مقابر الطوائف المسيحية الأخرى.

المثير أن الهندوس كانت لهم جبانة خاصة بهم حيث قامت السفارة الهندية عام 1964 بتأجير أرض فى البساتين لاستخدامها فى حرق الموتى الهندوس، ونشرت الوقائع المصرية قرارا لمحافظة القاهرة عام 1965 بنقل هذه الأرض مع أراضٍ أخرى كانت مخصصة للبهائيين واليهود إلى منطقة أخرى لاستغلال الموقع القديم فى العمران السكنى والصناعى، وحينما سألت الباحثة المسئول القنصلى بالسفارة الهندية بالقاهرة قال إن السفارة لا تعرف شيئا عن أرض البساتين التى تم تأجيرها لهم، وفى الغالب القرار لم ينفذ ولم يتم استخدامها، وأضاف أن الموتى الهندوس وأيضا المنتمين للبهرة يتم شحن جثامينهم إلى الهند، أما الهنود المسلمون فيتم دفنهم فى أرض تابعة لسفير هندى مسلم مدفون من سنة 1949 فى مدينة نصر.

لكن هل هناك مقابر خاصة باللا دينيين؟ يكشف التقرير أنها كانت موجودة ولا تزال هناك بقايا من شواهد القبور بعضها بالإيطالية فى مقابر الشاطبى بالإسكندرية، 

وحتى وقت قريب كانت هناك لافتة بالفرنسية مكتوب عليها مقبرة «أحرار الفكر»، بينما يعرفها بعض حراس الجبانات «بالمقابر المدنية» وتضم قبورًا للمنتمين لطوائف لم تحظ بالاعتراف الرسمى، ويرجع تاريخ هذه المقبرة إلى القرن التاسع عشر حيث تشكلت لجنة من مختلف الأطياف عام 1850 وطلبوا قطعة أرض لتكون مدفنا للملحدين، وبالفعل تم تخصيصها مع حظر أى شكل من أشكال المراسم أو الرموز الدينية، ومع نشوب الحرب العالمية الثانية تراجعت «المقابر المدنية»، وبعد يوليو 1952 وخروج الكثير من الأجانب من مصر أغلقت «الجبانة المدنية» أبوابها حتى السبعينيات، وبسبب عدم وجود أماكن لدفن الموتى بعد ازدحام المدينة، قرر محافظ الإسكندرية وقتها إعادة فتح الجبانة وإزالة الجزء الأكبر منها وتخصيصها للموتى المسيحيين من خلال جمعية التوفيق، أما فى القاهرة فقد كانت هناك «جبانة مدنية» فى مصر القديمة وذلك حسب مرسوم ملكى نشر بالوقائع المصرية عام 1930، ولكن عندما زار باحثو المبادرة هذا المكان وجدوه تابعا الآن لجبانات الكنيسة الكاثوليكية، وقال حارس المقابر إن جزءا من «الجبانات المدنية» كان لا يزال قائما حتى عام 1995 ثم تم ضمها إلى الكنيسة الكاثوليكية ولم يبق منها سوى شاهدين فقط، ولكن ماذا عن البهائيين؟، فى عام 1939 تم تخصيص قطع أرض لهم فى القاهرة وبورسعيد والإسماعيلية والسويس، وعندما زار باحثو المبادرة جبانة القاهرة وجدوا بها 420 قبرا ومساحة تتسع لـ80 قبرا آخر، وحسب مصدر بهائى فإن هذا هو المدفن الوحيد لهم فى مصر حاليا بعد أن أصبح دفن موتاهم فى جبانات بور سعيد والإسماعيلية والسويس غير متاح، ويتم نقل الجثامين إلى جبانة القاهرة من أى محافظة أخرى، وكشف التقرير أن كثيرًا من البهائيين يتم دفنهم حسب الديانة المكتوبة فى أوراقهم الرسمية إما فى مقابر المسلمين أو المسيحيين.

التقرير مهم ويلفت النظر إلى قضية شائكة تتعلق بحرية الاعتقاد الذى نص عليه الدستور، وهو أمر تدافع عنه الدولة الآن، وأشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أحد لقاءاته، الأمر الذى يشجع على الدعوة إلى الاعتراف بالتنوع الدينى والمساواة وعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين، ومن أجل هذا نضم صوتنا للمبادرة فى اقتراحها بالعودة إلى نظام تخصيص جبانات تضم فئات دينية متنوعة فى كل محافظة.