الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. تحدى البقاء والصمود.. الرهبنة.. ليست للربح والخسارة!

مصر أولا.. تحدى البقاء والصمود.. الرهبنة.. ليست للربح والخسارة!

ضمن السؤال عن مستقبل الكنيسة المصرية فى العديد من المحاور، تأتى الرهبنة فى مقدمة الأولويات.. خاصة أنها تمثل حياة الزهد والنسك والصلاة والتسبيح والوحدة. كما مثلت تاريخيًا عبر سنوات عديدة وخبرات تراكمية حفظًا لفلسفة العقيدة المسيحية، فضلًا عن كونها المرجعية التى تخرج منها أساقفة الكنيسة وباباواتها.. فهى التى حفظت التعليم المسيحى والتراث الحضارى من الفنون والآداب والعمارة والمخطوطات.



 

ترى، هل هناك أهمية لوجود الرهبنة بشكلها الحالى؟ وما يترتب على ذلك من إعادة تقييم دورها الذى تطور عبر السنوات الماضية من الصوم والصلاة والتعبد والانعزال فى الصحراء، ثم الحفاظ على التراث العقيدى الدينى سواء من خلال التأليف والنشر أو بتكوين مدارس تعليمية رهبانية، ثم التطور الذى حدث من خلال استغلال الأراضى الصحراوية فى بعض المشروعات الزراعية والصناعية التى من شأنها دعم رسالة الدير والتزاماته. ومدى قدرة الرهبنة فى الاستمرار برسالتها الأزلية من خلال ضبط معايير الالتحاق بالرهبنة من جانب، واستبعاد الرهبان من الأعمال الإدارية اليومية، وقصرهم على الإشراف العام على تلك الأنشطة والمشروعات التى توظف غير الرهبان فى هذه الأعمال. وهو الأمر الذى يساعد على رجوع الرهبنة لقوتها ورسالتها الحقيقية فى الحفاظ على التراث المسيحى المصرى.

عن الرهبنة

المتتبع لتاريخ الرهبنة خلال القرن العشرين.. يستطيع أن يرصد بدايات دخول الشباب الجامعى للرهبنة، وعلى سبيل المثال: نظير جيد (الراهب أنطونيوس السريانى ثم البابا شنودة الثالث) وسعد عزيز (الراهب مكارى السريانى ثم الأنبا صموئيل) و(الراهب متى المسكين) ووهيب عطا الله (الراهب باخوم المحرقى ثم الأنبا اغريغوريوس). وجميعهم كما يظهر من كتاباتهم وتصريحاتهم حينذاك وفيما بعد.. جمعهم حلم تغيير الكنيسة للأفضل من الداخل، والبداية كانت من الرهبنة نقطة ارتكاز الكنيسة وقوتها. وقد مثلوا الرعيل الأول من الرهبان الحاصلين على مؤهلات عليا، فى وقت كانت الرهبنة يغلب عليها الأميون وغير المتعلمين. وبغض النظر عن الاتفاق عليهم أو الاختلاف معهم.. فكان لكل منهم مدرسته الفكرية وبصمته الشخصية التى مازال تأثيرها إلى الآن. وعبورًا بأحداث كثيرة ومواقف وأزمات معلنة وأخرى غير معروفة، أصدر المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية عام 2013 شروطاً محددة لطالب الرهبنة، والمنوط بها دعم ممارسة خصائص (نذور) الرهبنة الثلاث: الطاعة، والفقر، والبتولية.

 تحديات رهبانية..

أولًا: انفتاح الأديرة على العالم. وما ترتب على ذلك من ضياع الهدف الرئيسى للرهبنة فى العزلة والتعبد، وانغماس الرهبان فى التعامل مع الزائرين بما فيها حل مشاكلهم وتقديم النصح لهم فى قضايا حياتية بعيدة تماما عن عزلة الدير بسبب الرحلات الكنسية والعائلية المكثفة للأديرة. ووجود فكرة بناء القلالى (سكن الراهب) بعيدًا عن الدير وبتجهيزات متقدمة تتعارض مع نذور الرهبنة وخصائصها. بالإضافة إلى ترك الرهبان للدير وزيادة الزيارات للعائلات لأيام طويلة.

ثانيًا: عدم التدقيق فى اختيار من يتقدم للرهبنة. وهو ما يتطلب ليس فقط التدقيق فى طالبى الالتحاق بالرهبنة من خلال فترة اختبار كافية، ولكن أيضًا بإقرار نظام واضح لمتابعتهم مع مرور السنوات لرصد أى تغيير من شأنه أن يؤثر على استمرار اختيارهم فى سلك درب الرهبنة والتمسك بقواعدها دون تغيير.. خاصة على المستوى العقيدى والنفسى. وعدم الاستعانة بالمتخصصين من غير رجال الدين للتأكد من شفافية تقاريرهم وعدالتها. وعدم إلزام الراهب بامتلاك أى شيء سواء كانت سيارة أو سكنا لأنها من الطبيعى أن تكون مسجلة باسم الدير الذى ينتمى إليه. وهو ما يعنى عدم وجود نظام إدارى وقانونى شامل لكل ما سبق.

ثالثًا: امتلاك الأديرة للعديد من المشروعات التجارية، التى يشرف عليها رهبان الدير ويعمل بها عمال من الخارج. وهى تهدف إلى الإسهام فى الإنفاق على متطلبات الأديرة، وبعضها يقوم بتصدير إنتاجه للخارج وبيعه فى الأسواق. وتتحدد هذه المشروعات فى الزراعة والمزارع الحيوانية والداجنة، وإقامة مصانع اللحوم والأعلاف، وورش النجارة والحدادة، ومصانع إنتاج عسل النحل والجبن والألبان، والمطابع والمكتبات، والمستشفيات، ومشاغل الملابس والمصنوعات الجلدية، والزجاج والحفر على الخشب والأيقونات والموزاييك، وتقوم ببيع منتجاتها عبر منافذ للبيع داخل الأديرة والكنائس والآن فى العديد من السوبرماركت. هذا الشكل أدى إلى تحويل الأديرة إلى مراكز إنتاج اقتصادية.. تبعد بكل تأكيد عن الهدف الروحى للدير، كما أن الأمر يتحول مع مرور الوقت إلى المنافسة لنجاح كل مشروع وتحقيق ربح أعلى.

رابعًا: مع التطور الذى شهدته الكنيسة المصرية وبالتبعية أديرتها.. خاصة بعد تجربة زيادة التقسيمات الجغرافية وإسناد الإشراف على عدد من الكنائس للأساقفة العموميين، استدعت.. استقدام بعض الرهبان من الأديرة للخدمة فى تلك الكنائس لدرجة تقليص دور العلمانيين والكهنة المتزوجين لحساب الرهبان من جهة، وتغيير حالة الراهب المنعزل عن العالم إلى متفاعل يومى مع كافة المشاكل الحياتية والأسرية من جهة أخرى.

 طموحات رهبانية..

الرهبنة.. هى الظهير الكهنوتى للكنيسة، فمنها يخرج الأساقفة والبابوات، وهو ما يعنى أنها مصدر الإدارة العليا الفعلية للكنيسة.. منها يخرج الصف الأول من قادة الكنيسة. ولذا يجب أن تبدأ نهضة الكنيسة من إصلاح أحوال الرهبنة سواء من النواحى التعليمية سواء للعلوم الدينية أو غيرها، وأيضًا بتوظيف التكنولوجيا والعلم الحديث لمواكبة العصر فى إنتاج فكر دينى متجدد يستطيع الوصول للمواطنين المسيحيين المصريين لمواجهة تحديات العصر. ومن الممكن فرض شروط جديدة لطالبى الرهبنة لتحقيق تحصيل علمى أعلى فى تخصصات تخدم الرهبنة والتعليم المسيحى.

إعادة النظر فى فكرة أن يكون الراهب كاهنًا، والحد من استقدام الرهبان للخدمة بالكنائس فى المدن حتى نحافظ على هيبة الرهبنة ومكانتها من جانب، والحفاظ على الراهب نفسه من انغماسه فى مشاكل الحياة من جانب آخر.. وما ينتج عن ذلك من كوارث فى بعض الأحيان.

السعى إلى تقنين وضع الأديرة واستحداث الجديد منها من خلال قانون واضح على غرار قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس الذى أصدرته الدولة المصرية حفاظا على قدسية الدير، والمطالبة بتسجيل الزى الكهنوتى والرهبانى على غرار زى رجال الأزهر الشريف ورجال الجيش والشرطة، وتجريم قيام البعض ممن هم خارج شرعية الكنيسة ببناء أديرة قطاع خاص دون سند كنسى وقانونى بالمخالفة للقرارات الكنسية وخارج سلطتها الإدارية والدينية وعلى غير رغبتها أو معرفتها، وما يترتب على ذلك من مشكلات ضخمة بين الكنيسة والدولة. فضلًا عن قيام هذه الكيانات غير الرسمية بجمع التبرعات تحت اسم الدير الغير معترف به، أو انتحال صفة راهب وانتحال ارتدائه زى الرهبان.

تقنين زيارات الأديرة، ووقف تحول الدير إلى مركز للرحلات الجماعية لاستعادة هدوء الدير وصفائه خاصة لرهبانه.. فليس من المعقول أن ننقل له العالم الذى تركه. ومنع الرهبان من شغف الظهور الإعلامى خاصة على السوشيال ميديا التى تسلط عليهم الضوء الشعبى رغم تركهم للعالم واختيارهم حياة العزلة وليس الشهرة.

إعادة هيكلة مشروعات الأديرة الاقتصادية، والتعامل معها بمنطق القطاع الخاص.. بمعنى إسناد إدارتها لمحترفين من غير رجال الدين.. كنوع من توفير فرص العمل. ومع حق احتفاظ الدير بتعيين مشرف للمتابعة وليس للإدارة باعتبار الدير هو المالك للمشروع. وهو ما يعنى الفصل بين ملكياتها لتلك المشروعات الإنتاجية والاقتصادية وبين إداراتها.. تجنبًا لتحول الرهبان للمنافسة على تحقيق أرباح.

 نقطة ومن أول السطر..

قوة الرهبنة ومكانتها.. هى بداية الطريق لنهضة أحوال الكنيسة وتقدمها.. وإعادة النظر فى دور الرهبنة أصبح فرضا للوصول لتجديد حقيقى للفكر الدينى المسيحى المصرى.