
هناء فتحى
عكس الاتجاه.. فى أمريكا الثورة مستمرة
غير مفهومة أسبابها تلك الجُرسة الإعلامية التى يشتغل عليها الإعلام البريطانى الآن فاضحًا ومنددًا بما أسماه سقطة وفساد المنظومة القضائية الأمريكية إثر براءة مواطن أمريكى أسود قد سُجِن ظلمًا لمدة 39 عامًا مُتهَمًا باغتصاب فتاة أمريكية جامعية بيضاء تحت نفق قريب من حرم جامعتها بنيويورك، ثم بعد ما يقرب من أربعين عامًا فى زنزانة وبعد انقضاء مدة سجنه الأسبوع الماضى؛ هنأوه وأخبروه أنه برىء من التهمة، وأن الجانى غير معلوم وأن المرأة التى اتهمته تعتذر له فقد اختلط عليها الأمر، وقد صارت هذه المرأة الآن كاتبة قصة شهيرة تجنى من حكاية اغتصابها المزعوم ملايين الدولارات، وقد صار كتابها الأكثر مبيعًا فى الولايات وتحول إلى فيلم سينما وصل لجائزة الأوسكار.
القضية بالفعل يهتم بملابساتها وبنشرها الإعلام البريطانى، أما الأمريكى فيتناولها على استحياء، غير أن الإعلام الأمريكى وجد جُرْسة جاهزة لبريطانيا التى انفصلت عنها دستوريا «باربادوس» ولم تعد مستعمرة فى حوزة التاج البريطانى وصارت جمهورية محررة، وكانت واحدة من جزر الكاريبى التى استعمرتها بريطانيا فى القرن السابع عشر ونكَلت وقتّلت وأذلت مواطنيها السود الذين استجلبتهم من أفريقيا فى القرن السابع عشر.. تلك الحرب الإعلامية بين الإمبراطوريتيْن تبدو هزلية للغاية، «فالاثنتان ميتخيّروش عن بعض»، نفس تاريخ الإجرام تجاه الأفارقة والآسيويين وكل المستضعفين فى الأرض.
للحكاية الغريبة وجوه عدة:
1- إنها المرة الأولى التى نسمع فيها عن مُغتَصَبة تستيقظ فجأة بعد 39 عامًا من الواقعة لتقول للمتهم: «معلهش ده مش انتَ ده حد تانى».. سوف يسأل البعض: على ماذا استند القضاء فى إدانته ساعتها عام 1982 وعلى ماذا استند القضاء فى براءته الآن فى نهاية عام 2021؟
الإجابة: استند القضاء فى المرة الأولى على أدلة أتى بها وأقرها خبراء معامل الجريمة وأتت بها تحريات الشرطة، فقد وجدوا ساعتها شعر الجانى على جسد الفتاة هو نفسه شعر الشاب الأسود المتهم وحكم عليه القاضى بـ16عامًا سجنًا، وبعد انقضاء المدة وجدوا له تهمة أخرى تطيل سجنه 23 عامًا أخرى وهى قضية «الإتجار فى الجنس»، أما الأغرب فهو أن أدلة براءته استندت على أن شعره ليس مطابقًا لشعر الجانى، الجانى المختفى غير المعلوم.
2- لا تنس أبدًا أن ما حدث الآن سهولة فتح القضية من جديد والتحقيق العادل فيها، ثم تبرئة المواطن الأمريكى الأسود «برودوتر» الذى اتهمته الطالبة الجامعية البيضاء وقتها والكاتبة الشهيرة الآن «أليس سيبولد» ما كان ليحدث لولا ثورة «حياة السود مهمة» التى اندلعت عام 2020 فى أمريكا والتى لم تنطفئ للآن وأطاحت بالكثير من القوانين العنصرية وجاءت بمئات المحامين والقضاة السود واستبدال عناصر كثيرة فى الشرطة بآخرين من ذوى البشرة السوداء، وكان من بينهم محامون سود تولوا فتح التحقيق فى قضية برودوتر حتى بعد الحكم عليه وانقضاء مدة سجنه كاملة.
3- دومًا ستجد أن الفن والأدب «يُخدِم» على المواطن هناك، إذ تم سحب كتاب The Lovely Bones من الأسواق، الكتاب الذى يحكى قصة الاغتصاب المزعومة والذى باع فى الأسبوع الأول من صدوره أكثر من مليون نسخة للمؤلفة والمُغتَصَبة «أليس سيبولد»، كانت المؤلفة قد أعلنت عن مشروع تحويل قصتها إلى فيلم سينمائى عنوانه Lucky واختاروا له بطلة لتلعب دور المؤلفة إسمها Victoria Pedretti إلا أن المشروع قد توقف تمامًا بعد براءة المتهم وتوجيه أصابع الاتهام إلى الكاتبة والقضاء معًا، فكان أن انسحب المنتج والمخرج وطاقم العمل وتلاشى المشروع وبقيت الواقعة شاهدة على فساد الوجه الغائب والمُغَيّب لتمثال الحرية.