الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
المومس الفاضلة والمدرس المهان

المومس الفاضلة والمدرس المهان

انتفض البعض ومنهم نائب بمجلس النواب، ضد مسرحية المومس الفاضلة، بمجرد أن قرأوا  تصريحًا للفنانة إلهام شاهين أعربت فيه عن رغبتها فى تقديم المسرحية، ولكن لم نسمع لهم صوتًا فى قضية اعتداء أحد أولياء الأمور على مدرس داخل المدرسة وربطه بالحزام طالبًا من ابنه التلميذ ضرب استاذه بالحذاء فى الفصل؛ وذلك ردًا على توبيخ المدرس للابن بسبب سبّه لزميل له بألفاظ نابية وطلبه استدعاء ولى أمره، المدرس الذي ظهر فى فيديو- منشور على مواقع التواصل الاجتماعى- مقهورًا وهو يحكى الواقعة لم يشعل فى نفوس المهاجمين للمسرحية الغضب على الأخلاق وانحدارها رُغْمَ أنهم قالوا إنهم يدافعون عن الفضيلة، ولم يزعجهم ضرب التلميذ للمدرس بالحذاء، ولم يجدوا فى الواقعة مساسًا بالتربية والسلوك القويم، ولم تثر فيهم الخوف على المجتمع، كلمة المومس أزعجتهم ورأوا أنها غير لائقة، ويجب ألاّ تتردد على أسماع الناس حتى لا تؤذيهم، وتخوّفوا من أن يعتادوا على سماعها ويعتبروها كلمة عادية وليس لفظًا خارجًا حسب تصوراتهم وأفكارهم، فراح البعض يقترح أسماء أخرى للمسرحية مثل «الفاضلة» أو «الخاطئة الفاضلة» رُغم أن كلمة مومس عادية وعربية فصيحة، لكن هؤلاء أنفسهم لم يغضبوا لإهانة مدرس ولم يتخوّفوا من انتشار الواقعة بين الطلاب فى المدرسة والمدارس الأخرى، ولا من تداعياتها على المجتمع، صحيح أن المحكمة أصدرت حكمًا بحبس الجانى سنتين وتغريمه 20 ألف جنيه وهو ما يحمد للمحكمة التي أسرعت بنظر القضية والفصل فيها، ولعل الحكم يكون رادعًا لمن تسول له نفسه تقليد هذا الأب وللتلاميذ من اتخاذ زميلهم المعتدى قدوة لهم، ولكن هل يكفى الحكم لغلق القضية الخطيرة والتي تحتاج إلى نقاش مجتمعى بسبب تعدد حالات التعدى على المدرسين، ولذا كنت أتصور أن أعضاء مجلس النواب؛ خصوصًا العضو المعترض على المسرحية ومن وقف إلى صفهم طالما تهمهم أخلاق المجتمع سيهبون دفاعًا عن المدرس وضرورة الحفاظ على كرامته التي أهدرت باعتباره رمزًا للتعليم والتربية، وهو ما قصرت فيه أيضًا وزارة التعليم ونقابة المعلمين، وأن يناقشوا كيفية حماية المدرسين من اعتداء أولياء الأمور البلطجية والذين يعتقدون أن أبناءهم يحملون دمًا مَلكيًا لا يمكن المساس بهم أو تقويم سلوكهم مَهما أخطأوا أو تجاوزوا، واعتقدت أن حُماة الأخلاق سيذهبون إلى المدرس ويدعمونه منتصرين للعلم على البلطجة، وكنت أتخيل أن من اعترضوا على المسرحية سيعترضون أيضًا على سلوك يتنافى مع كل قيم التربية والتعليم، ولكنهم صمتوا وكأن ما حدث مع المدرس المسكين شىء عادى وتصرف طبيعى.



 

الغريب أن المهاجمين للمسرحية لم يقرأوها ولم يعرفوا مضمونها الأخلاقى إلا بعد الضجة التي أثيرت حولها، وهى بالمناسبة تتحدث عن العنصرية فى أمريكا؛ حيث استوحى كاتبها چون بول سارتر أحداثها من واقعة حقيقة تُعرَف إعلاميًا بـ«فتية سكوتسبورو»، حول فتاة ليل تدعى «ليزى» ساقتها الأقدار لتكون الشاهدة الوحيدة على واقعة تعدّى رجل أبيض على فتاة ليل داخل القطار، ولكن توجه الاتهامات إلى راكب أسود البشرة والذي يهرب فى محاولة لإثبات براءته.

 

وتتعرّض «ليزى» لضغط شديد من قبَل والد الرجل الأبيض، الذي يعمل سيناتور فى مجلس النواب الأمريكى، فى محاولة لجعلها تشهد زورًا وكذبًا ضد الرجل الأسود فى المحكمة، وأمام رفضها يهددها بالقبض عليها بتهمة ممارسة البغاء مما يضطرها فى النهاية للرضوخ للضغوط، وبعد أن عرف المعارضون للمسرحية هدفها الأخلاقى وجّهوا انتقاداتهم للعنوان وتساءلوا كيف يمكن الجمع بين المومس والفاضلة، وأنه قد يجعل الشباب عندنا يعتقدون أن المومس يمكن أن تكون بطلة مجتمعية، نسى هؤلاء أن المسرحية قدّمت فى مصر بالاسم نفسه منذ 63 عامًا من بطولة الفنانة الكبيرة سميحة أيوب واستمر عرضها ثلاثة أشهُر، وحظيت بترحيب كبير من مشاهدى المسرح، ولم تنهر أخلاق المجتمع بَعدها، وتجاهلوا أيضًا أن وقت عرضها كان المدرس يحظى باحترام تلاميذه ويجلونه ويوقرونه، أمّا الآن ومن غير المسرحية فإنه يتم ضربه بالحذاء، ولا عزاء للأخلاق وللخائفين على المجتمع من كلمة مومس.