الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
التسامح المفقود

التسامح المفقود

فى السادس عشر من الشهر الجارى تحتفل الأمم المتحدة باليوبيل الفضى لليوم العالمى للتسامح، والذى دعت إليه المنظمة الدولية عام 1996، وكان الهدف من ورائه - حسب الإعلان العالمى- ترسيخ قيم وثقافة التسامح والاحترام والتآخى، ونبذ كل مظاهر التعصب والكراهية والتمييز، واحترام ثقافات ومعتقدات وتقاليد الآخرين وتفهم وتقدير التنوع الثقافى والإنسانى.. والاعتراف بجميع حقوق الإنسان العالمية والحريات الأساسية للآخرين، كما أنشأت اليونسكو فى نفس التوقيت جائزة لتعزيز روح التسامح واللاعنف فى الأنشطة المهمة فى المجالات العلمية والفنية والثقافية، وتمنح للأشخاص أو المؤسسات أو المنظمات الذين قاموا بمبادرات عززت التفاهم والتسامح وتسوية المشكلات الدولية، ولكن بعد مرور ربع قرن على بدء الاحتفال بهذا اليوم والدعوة إليه هل كان له تأثير حقيقى على الدول والمجتمعات المختلفة؟ وهل نجح فى وقف جموح وانفلات التطرف والتعصب والكراهية؟ وهل ساهم فى نشر ثقافة التسامح وجعلها فضيلة لا يمكن الاستغناء عنها؟



الحقيقية أنه على مستوى الدول والسياسة العالمية فإن الصراعات الدولية زادت فى كل مناطق العالم وشهدنا خلال الخمسة وعشرين عاما الماضية العديد من الحروب والاعتداءات وعلى سبيل المثال وليس الحصر، حرب أمريكا الظالمة على العراق التى راح ضحيتها آلاف العراقيين، والاعتداء الأمريكى على أفغانستان، وما فعلته إسرائيل من عدوان غاشم على الفلسطينيين وعلى الأراضى المحتلة ولبنان، وكذلك الصراعات المسلحة فى أفريقيا، والمناوشات المتعددة فى آسيا، كما شهدت هذه السنوات تفجير برجى التجارة العالمية فى أمريكا، وزادت خلال نفس الفترة الخلافات الدينية والمذهبية والعرقية ووصلت إلى حد الاضطهاد والتهجير القسرى فى بعض الدول مثلما حدث فى مينمار ضد مسلمى الروهنجا، وما فعلته بوكو حرام فى مالى ضد المسيحيين، وأيضا ما تقوم به تنظيمات داعش والقاعدة من مذابح واعتداءات ضد كل المختلفين معهم، ما سبق غيض من فيض ونذر يسير مما عاشه العالم من صراعات وحروب، أما على مستوى المجتمعات داخل الدولة الواحدة، فإن العنصرية تنامت فى معظم دول العالم ولم تنج منها حتى أوروبا وأمريكا، ويكفى ما حدث العام الماضى مع المواطن الأمريكى أسود البشرة جورج فلويد والذى قضى نحبه على يد شرطى أمريكى أبيض، وهى الجريمة التى أصبحت حديث العالم حيث حظى الضحية بتعاطف عالمى كبير، اضطر إزاءه المسئولون الأمريكيون إلى محاكمة الجانى والحكم عليه بالسجن.

 وشهدت بعض الدول الأوروبية مظاهر عنصرية خاصة ضد المهاجرين، وزادت الظاهرة إلى حد أن ملاعب الكرة فى معظم الدوريات الكروية الأوروبية وقعت بها حالات تنمر وتعصب ضد اللاعبين ذوى البشرة السمراء، وللحقيقية أن الأندية تواجه هذه الاعتداءات بقوة وتمنع المشجعين المتعصبين من حضور المباريات كما تقوم الاتحادات الكروية بمعاقبة الأندية التى قام مشجعوها بهذه التصرفات الحمقاء، أيضا حكومات الدول الأوروبية تحاول اتخاذ إجراءات حاسمة لمنع العنصرية ضد المواطنين الملونين، ولكن ماذا عنا نحن وهل استفدنا من هذا اليوم العالمى؟ لقد قارب يوم الاحتفال السنوى به ونحن نشهد عددا من الجرائم العنيفة التى لم يعتدها المجتمع المصرى، مثل حادثة الإسماعيلية والتى قطع فيها الجانى رأس الضحية، وحادث الفيوم الذى احتجز فيه رجل زوجته وحماته وأطفاله مهددا بقتلهم حتى استطاعت الشرطة القبض عليه بعد أن قتل بالفعل زوجته وحماته، كما أن جرائم القتل داخل الأسرة الواحدة وبين الأقارب زادت بشكل ملحوظ، وهو ما يدعو إلى ضرورة دراسة أسباب زيادة العنف، صحيح أن المجتمعات عموما لا تخلو من حوادث القتل ولكن ما يلفت النظر هو القسوة فى ارتكاب الجريمة وبأساليب لم نعتدها فى مجتمعنا المصرى، ويزيد من الأمر ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعى من مناكفات دينية وسياسية وأدبية وفنية ورياضية وتعصب قبلى وتنمر وشتائم وسباب بين المختلفين، فهل تراجعت فضيلة التسامح لدينا؟ من الواضح أننا نحتاج إلى نشر ثقافة التسامح فى كل المجالات وبين جميع الطبقات، ومن المؤكد أن البداية يجب أن تكون فى المدارس والجامعات، ومن الضرورى أن تتضمن المناهج ومواد الدراسة ما يرسخ مفهوم التسامح لدى الأجيال الجديدة، أما الخطاب الدينى فلا بد أن يركز على قبول الآخر والتعددية الدينية وحرية الاعتقاد، أيضا الإعلام مطالب بتوعية المواطنين وجذبهم نحو هذه الفضيلة، وكذلك الفن خاصة الأفلام والمسلسلات التى يجب ألا تمجد البطل المنتقم من أعدائه وممن ظلموه، وتجعل منه مثلا أعلى، فالعديد من المسلسلات فى السنوات القليلة الماضية ركزت على أن الانتقام يكون بيد المظلوم وبعيدا عن القانون، وكان تأثير ذلك كبيرا لدرجة أنه تم تقليد بعض المشاهد التمثيلية العنيفة على أرض الواقع.

نحتاج أيضا إلى التسامح السياسى مع المختلفين طالما لم يرفعوا السلاح ولم يدعوا إلى العنف، وأن يكون الحوار المجتمعى فى جميع القضايا هو الأسلوب المتبع.. اليوبيل الفضى لليوم العالمى للتسامح فرصة لدراسة هل تراجعت هذه الفضيلة فى مجتمعنا وما أسباب ذلك؟