الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الإنجيل فى أيدى الهنود الحمر.. والأرض فى أيدى البيض!

مصر أولا.. الإنجيل فى أيدى الهنود الحمر.. والأرض فى أيدى البيض!

تفاعل البعضُ مؤخرًا على ما قاله الإمام الأكبر د. أحمد الطيب «شيخ الأزهر» فى احتفالية مرور 10 سنوات على تأسيس بيت العائلة المصرية عن «الدين الإبراهيمى الجديد» بشكل عاطفى بعيدًا عن الحقائق التاريخية والمعلومات الدقيقة. وهو ما جعل الأمرَ يظهر وكأنه مجرد دفاع عن المعتقدات الدينية بعيدًا عن الذوبان فى دين جديد مستحدث.



 

لا تنشأ فكرة من العدم، ولكنها دائمًا ما تكون نتاجًا تراكميًا وتفاعليًا لأفكار قديمة، لذا لكى نصل لفكرة الدين الإبراهيمى الجديد؛ علينا أن نعود قليلًا بذاكرتنا التاريخية لفهم ما يحدث الآن، وما يتم الترويج له باحترافية شديدة لكى تكون لدينا القدرة على التعامل الحكيم والرشيد مع ألعاب السياسة الدولية.

يعلم المهتمون بالسياسة الخارجية والدولية أن قضية التدخل الدولى والسيطرة الأمريكية على دول العالم.. تُعَد من أكثر القضايا الخلافية التى أثارت سجالًا واسعًا فى نصف القرن الأخير، ليس لكون هذا التدخل يتعلق بالدين أحيانًا؛ بل أيضًا لما تحمله الفكرة من تدخُّل مباشر فى الشأن الداخلى للدول. وهو ما يضع أىَّ دولة فى مأزق شديد الخطورة، وهو مفهوم الوطنية فى ظل آليات العولمة، وهو ما يطرح بإلحاح سؤالًا شديد الوضوح حول موقع المواطنة ومكانتها فى ظل العولمة، من حيث ثباتها أو تراجُعها أمامَ هذا التيار الذى يجرف؛ بل يمتص كل ما يندرج تحت بَند الخصوصية. وما يترتب على ما سبق، من تهديد خطير.. تمثله العولمة لمفهوم «المواطنة» فى ظل ذوبان الخصوصيات من جانب، والعمل على تغذية العولمة من خلال هذا الذوبان من جانب آخر، فتضعف الخصوصية وتقوَى العولمة، وهكذا تصبح الهوية الوطنية للدولة فى خطر فى ظل العولمة، وهو ما يتجلى بوضوح فى علاقة العولمة بمفهوم الحماية الدينية فى الحاضر.

ولذا نجد أن قضية الاهتمام بالجماعات الإثنية «الأقليات» لا تعود لكونها أقليات ضعيفة. وعلى سبيل المثال المحاولات التى تمت لمحاولة تصنيف المواطنين المسيحيين المصريين باعتبارهم أقلية تحتاج إلى حماية دولية وتدخُّل عالمى. هذا التركيز معهم ليس لكونهم ينتـمون للديانة المسـيحية بالطبع؛ بل لأن آلية عـمل هذا النظام هى تحقيق أهدافه بوجه عام من خلال فرض تصورات معينة على غرار وصف «الأقليات»، بغض النظر عن الدين أو السياسة بتوجهاتها المتعددة أو المتناقضة فى بعض الأحيان.

إن سياسة العولمة على وعى كامل بأهمية عنصر الدين بوصفه مُحركًا لشعوب بعض الدول، وعلى وجه الخصوص فى ظل صحوة الأصوليات الدينية والسياسية على مستوى العالم، فالدين الآن هو البُعد الغائب فى سير العلاقات الدولية، وهذا ما جعل الأقليات الدينية أو العرقية «الإثنية» على مستوى العالم محط أنظار هذه السياسة، بوصفها أحد أهم المحددات التى يمكن استخدامها وتطويعها، سواء بوعى هذه الأقليات أو من دون وعيها، من أجل تحقيق أهدافه ورعاية مصالحه، ويحدث ذلك عن طريق جعل هذه الأقليات عامل ضغط على حكوماتهم وعلى دولهم التى وُلدوا فيها، ويحملون جنسيتها، ويُفترض أنهم ينتمون إليها. من أبرز الأمثلة على ذلك، مشروع قانون الحريات الدينية الذى صدر فى الولايات المتحدة الأمريكية لتصنيف دول العالم.. يُعد فى حد ذاته مـن أهـم أدوات العولمة الأشـد خـطورة وفـتكًا بالاسـتقرار الداخـلى للدول التى تـنتمى إلـيها هذه الأقليات؛ لأن مثل هذا القانون يهدف فى المقام الأول إلى إضعاف سُلطة الكنائس الوطنية والمذاهب التاريخية لصالح المذاهب الغربية. ويرجع ذلك لإدراك أن العقبة الأساسية أمام الانتشار السريع لهذه المذاهب الغربية فى دولة مثل مصر هى هيمنة الكنيسة الأرثوذكسية على العقيدة المسيحية، مع مراعاة أن الرأى السائد الآن هو أن المجتمعات الإسلامية التى توجد بها كنائـس شرقية سـتقع أكثر فأكثر تحت ضغـط سياسى واقتصادى هائل على غرار مشاريع القوانين التى تتم مناقشتها فى الكونجرس الأمريكى بين الحين والآخر.

من النتائج المباشرة لما سبق، مواجهة التناقض الملحوظ بين اهتمام النظام الدولى بموضوع حقوق الإنسان، وما تبعه من تطور إيجابى لخَلق ثقافة دولية مدركة لواجبات الدول تجاه مواطنيها من جهة، وخضوع مفهوم «حقوق الإنسان» للاعتبارات السياسية والدولية لمصلحة الدول الكبرى من جهة أخرى، وهو ما يظهر فى اختيار النظام الدولى بأعضائه وحلفائه ومواليه لطريقة تعامله مع من تريد التشهير به من دول العالم الذى لا يتسق مع توجهات هذا النظام الدولى.

إن فهم ما يحدث الآن يتطلب فهم النظام الدولى، وما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية فى العصر الحديث بمحاولات سيطرتها على العالم دينيًا من خلال العولمة    وآلياتها المتعددة.. فمن الواضـح أن العولمة فى مفـهومها الأمريكى.. تعـنى بصورة أو بأخـرى، سيـادة الثـقافة الأمريكية وهيمنتها على شتى صور الحياة والسلوك الإنسانى فى جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى سيادة المسيحية السياسية الأمريكية بمفهومها الغربى بوصفها إحدى أدوات السيطرة من خلال توظيف الدين، ولكن ليست كل أدوات أمريكا فى دعم العولمة وأمركتها تافهة هامشية؛ بل إن هذه الأدوات إنما تقع عند نقطة على أحـد طرفى خـط مـستمر، طـرفـه الآخر غـنى بأدوات شديدة الأهمية والحسـاسية والتأثير.. فالنوع شديد التفجير من أدوات العولمة هو ذلك النوع الذى يشتمل على الدين وعلى أدوات أخرى لتداعياته التى تسمح بحق التدخل فى أمور سيادية هى من صميم الاختصاص الداخلى للدولة، بوصف ذلك نوعًا من التعظيم للمسئولية الدولية فى وقف انتهاكات حقوق الإنسان بما فى ذلك حقوق الأقليات ضمن دواعى التدخـل الدولى للأغراض الإنسـانية، وإلا تعرضـت تلك الـدول لعقوبات وحصـارات تخـتلف قسوتها من قانون إلى قانون مثل قانون الحرية الدينية الأمريكى Free From Religious Persecution.  

فى النهاية، ما يطلبه النظام الدولى فى كل الحالات أن تمتنع حكومات الدول عن وضع القيود على أنشطة أفراد يبشرون بأفكار يزعمون أنها أديان أو معتقدات جديدة لكونها تتسق مع أهداف النظام العالمى حسب منظومة المصالح الدولية، وهو ما يجعل الأمر أبعد بكثير من نظرية المؤامرة علينا وعلى معتقداتنا وعلى دولنا.. فهى منظومة تعمل وفق تحقيق مصالح الدول الكبرى التى تحدد خريطة مصالحها للسنوات المقبلة، وما يتبع ذلك من إجراءات وقرارات يجب اتخاذها للوصول لتلك المصالح وتحقيق أكبر استفادة ممكنة.

كان من الطبيعى أن يكون كل ما سبق تاريخيًا وسياسيًا بشكل تدريجى هو التمهيد للحديث عن الدين الإبراهيمى الجديد الذى سيكون بمثابة العصا السحرية للسلام فى العالم، وإعادة استقراره من خلال نشر مفاهيم التسامح والحرية والمساواة والحوار والتعايش وقبول الاختلاف. ومواجهة التأثير السلبى للأديان حسب زعمهم فى نشر الكراهية والتمييز وإراقة الدماء والحروب ليس فقط بين أتباع الأديان المتعددة؛ بل أيضًا بين أبناء الدين الواحد الذين لا يتفقون على رؤية واحدة. وهو ما سأتناوله بالتحليل فى مقالى القادم عن الدين الافتراضى الجديد، وحقيقة ما إذا كان دينًا أمْ غير ذلك من الأصل.

نقطة ومن أول السطر..

قول مأثور: عندما هاجر البيض إلى أمريكا: كان الإنجيل فى أيديهم، والأرض فى أيدى الهنود الحمر. واليوم الإنجيل فى أيدى الهنود الحمر، والأرض فى أيدى البيض!