عبر الإخوان وجماعات تابعة لها.. كيف صنع الإخوان وأصدقاؤهم من أطفال فى ألمانيا «إرهابيين»؟

شوقي عصام
«كيف يصنع الإرهاب فى أوروبا؟!.. ألمانيا مثالاً».. الصانع هنا جماعة الإخوان الإرهابية وتيارات الإسلام السياسى، المنبثقة منها أو تدور فى فلكها، والوقود هنا هم الأطفال والمراهقون من أبناء الجيل الثانى والثالث بالجاليات العربية والإسلامية، هؤلاء الذين يعيشون فى صراع البحث عن الوطن والهوية، فتلتقطهم الجمعيات التابعة لـ«الإخوان» ومن ورائها، لتقدم لهم الدين واللغة بدلاً من الوطن والهوية.
وذلك داخل جمعيات منتشرة لتلك الجماعات فى ألمانيا، أذ استغلت جماعات «الإسلام السياسى»، الحريات المقدمة بالدستور الألمانى، فيتم تحويل بعض هؤلاء الأطفال والمراهقين إلى عناصر متطرفة تتشوق للدماء ويطمحون فى النحر، فى ظل اعتقاد خاطئ بأن ذلك يكون نصرة للدين الإسلامى، مثلما قدمت لهم هذه الجمعيات تلك الأفكار، فأصبحوا هم والدين ضحايا، لمن يريدون السلطة والهيمنة باستغلال الإسلام.
ميونيخ.. قبلة الإخوان بأوروبا
الوجود الإخوانى فى أوروبا، تمتد جذوره بضربة بداية فى ألمانيا عبر «سعيد رمضان» زوج ابنة مؤسس التنظيم حسن البنا، عندما أنشأ المركز الإسلامى فى ميونيخ، الذى وصفه خبراء بأنه المقر الرسمى للتنظيم الدولى للجماعة والقبلة السياسية الأولى للإخوان فى أوروبا.
الخطير فى عمل تلك الجمعيات التى خرجت تحت مظلة «الإخوان» وتيارات الإسلام السياسى المنبثقة بشكل غير مباشر من داخل جاليات عربية وإسلامية فى ألمانيا، أنهم يستخدمون حاليًا، أحدث طرق الدعاية والتسويق فى جذب أطفال ومراهقين مسلمين وعرب حتى يتم منهم تكوين جيل متطرف بامتياز، ومن ضمن هذه الطرق استغلال كما هو مثبت، أشهر الماركات الرياضية العالمية، بوسترات أفلام عالمية، أغانى شهيرة، ألعاب إلكترونية، لتعبئة عقول أطفال ومراهقين عرب ومسلمين بأفكار القتل والنحر باسم «الإسلام» البرىء من تلك الجرائم.
تعبئة المخ» بأفكار قتل ونحر
تفاصيل عملية «تعبئة مخ» أطفال ومراهقين من أصول عربية أو من بلدان إسلامية فى ألمانيا، بأفكار قتل ونحر، عبر نشاط جماعة الإخوان وتنظيمات الإسلام السياسى هناك، وضحت فى نتائج لورشة عمل تمت على مستوى ولاية «نورد راين – ويستفاليا» فى ألمانيا، شارك فيها بعض علماء الاجتماع وممثلون لمؤسسات حكومية وسياسية حزبية، من بينهم الشاب حسين خضر، وهو سياسى ألمانى من أصول مصرية.
وكان انطلاق هذه الورشة، من سؤال يطرح نفسه فى السنوات الأخيرة بالمجتمع الألمانى وبلدان أوروبية، تتواجد فيها جاليات عربية وإسلامية بكثافة، وهو: «كيف استطاعت الجماعات المتطرفة الوصول إلى الأطفال الصغار الذين ولدوا وتربوا وعاشوا ودرسوا فى ألمانيا؟!»، حيث استطاعت هذه الجماعات «الإخوان» وتيارات وفرق تابعة لها أو تسير على نهجها، باستغلال الدين سياسيًا، التأثير على أطفال ألمان تندرج أصولهم من بلدان عربية وإسلامية، ليتحولوا إلى قنابل موقوتة، وتطرقت ورشة العمل أيضًا إلى سؤال آخر: «هل الإسلام والمسلمون إرهابيون كما يحاول اليمين المتطرف فى ألمانيا الترويج إلى ذلك أم لا ؟».
شعور بالغربة.. من أكون؟!
وتحركت ورشة العمل، خلال اجتماعاتها، من البحث حول طريقة التعامل الخاصة للكيانات التابعة للجاليات العربية أو الإسلامية فى ألمانيا، لاسيما أن هناك عدة كيانات منها ذات تأثير قوى وتلعب دورًا دينيًا وسياسيًا داخل هذه الجاليات التى يعيش أبناؤها الذين ولدوا فى ألمانيا وهم من يعرفون بـ«الجيل الثانى والثالث» داخل صراع يتعلق بالهوية، يدور حول سؤال: «هل هو ألمانى أم غير ذلك؟»، حيث يعامل بشكل كبير فى ألمانيا من جانب معظم المحيطين به مجتمعيًا ودراسيًا على أنه أجنبى، فى حين أنه يتم التعامل معه عندما يذهب فى زيارة إلى بلده الأم، على أنه «ألمانى»، فيشعر بالغربة هنا وهناك. >توزيع صكوك «الهوية» بالدين ويتوازى ذلك، مع محاولة معظم أبناء الجاليات العربية أو الإسلامية، فى الحفاظ على اللغة الأم والدين عند أبنائهم، كثوابت للتمسك بما تبقى بداخلهم من البلد الأم، تعلقًا بالهوية، فتكون المتاهة الجديدة بالبحث عن وطن بديل بين الدين واللغة الأم، وذلك فى الوقت الذى تقدم فيه هذه الكيانات والجمعيات التى تسيطر عليها بشكل كبير فى المهجر الأوروبى لاسيما الألمانى، جماعات الإسلام السياسى داخل تلك الجاليات، مقدمين أنفسهم على أنهم «البديل» الذين يملكون صكوك «الهوية» عبر الدين واللغة الأم. >زجاجات فارغة اجتماعات ورشة العمل، ناقشت تلك التساؤلات، وتم فى البداية توصيف هؤلاء الأطفال والمراهقين ذوى الأصول من دول عربية أو إسلامية، بأنهم هدف لتلك الجماعات، للسيطرة على عقولهم وعمل ما يسمى «تعبئة مخ» وليس «غسل مخ»، لأن تلك الجماعات تستهدف أطفالًَا ومراهقين صغارًا تعتبر عقولهم كـ«زجاجات فارغة» يسهل ملؤها بوضع أفكار جديدة تذهب بهم لطرق التشدد والعنف والكراهية. >مسلمو ألمانيا منذ هتلر حتى 2021 وبحسب إحصائيات فى ألمانيا، كان عدد المسلمين فى حقبة الزعيم النازى أدولف هتلر قبل نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، حوالى 6 آلاف شخص، وفى عام 1972 وصل عددهم إلى نصف مليون مسلم، وفى عام 2016 بات فى ألمانيا 4.5 مليون مسلم، وفى 2020 أصبح عدد المسلمين المسجلين رسميًا فى ألمانيا 5.5 مليون مسلم وسط توقعات بأن عددهم فى 2021 يزيد على 6 ملايين. >خارج الصندوق وكما جاء فى نتائج ورشة العمل، تستطيع هذه الجماعات الإرهابية، الوصول إلى هؤلاء الأطفال والمراهقين بمداعبة اهتماماتهم من خلال طرق من خارج الصندوق، عبر ما يجذب من هم فى أعمارهم، فيكون ذلك عبر ألعاب إلكترونية يجلسون عليها ليلاً ونهارًا، أو أغنية شهيرة تتحدث عن الموت، أو أشهر ماركتين لملابس وأحذية رياضية فى العالم، أو فيلم سينما عالمى. >الشماتة فى إرهاب فرنسا بفيلم شهير واستخدمت هذه العناصر الإرهابية، أساليب دعائية مدروسة من جانبهم لجذب هؤلاء الصغار، فيضعون مثلاً على بوستر فيلم سينمائى عالمى، حقق إيرادات ومشاهدات عالية بين عمر المراهقين، صورًا لعناصر متطرفة متورطة فى عمليات إرهابية، وعلى البوستر عبارة: «بالإرهاب.. نجعل فرنسا عبرة للأمم»، فى تعبير يدل على الشماتة فى سقوط عشرات الأبرياء، فى هجمات باريس الشهيرة، نوفمبر 2015، وهى سلسلة هجمات إرهابية منسقة شملت عمليات إطلاق نار جماعى وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن، تحديدًا بالدائرة العاشرة والحادية عشرة فى مسرح باتاكلان وشوارع بيشا، أليبار، دى شارون بباريس، وسقط فيها 137 ضحية من الأبرياء العزل. >استغلال أشهر ماركتى ملابس وأحذية فى العالم تمتد أساليب الدعاية من جانب تلك الجماعات لجذب الأطفال ووضع أسس التطرف داخل قلوبهم وعقولهم، من خلال استغلال أشهر ماركتى ملابس وأحذية رياضية فى العالم، فتم تحويل اسم ماركة ملابس رياضية شهيرة بنفس تصميم الشركة إلى تنظيم «القاعدة» الإرهابى باللغة الإنجليزية، وماركة أخرى شهيرة تم تحريف إعلانها الدعائى مع علامتها التجارية، لتكون «إلى الجهاد». >yodo وعبر بوستر الأغنية المعروفة yodo، والتى على غلافها مسدس ملطخ بالدماء، تم تحويل كلمات الأغنية لتكون: «هتموت مرة واحدة.. لماذا لا تكون شهيدًا؟» .. وجعلوا منها وسيلة يسهل بها الترويج للقتل والعنف باسم «الإسلام». >كتالوج وقامت ورشة العمل، بعمل كتالوج بمثابة خارطة طريق، للتمكن من ملاحظة أى تغيير على سلوك الطفل أو المراهق ضمن استغلال تلك الجماعات والذهاب بهم إلى طريق التشدد والعنف، ووقفت أيضًا الورشة على الأسباب الاجتماعية وطرق الاستقطاب، وتوصلت إلى أن النماذج المستهدفة التى تعمل جماعة الإخوان وما على شاكلتها من تنظيمات الإسلام السياسى بأوروبا عمومًا وألمانيا خصوصًا على تجنيدهم من بين الأطفال والمراهقين، هم ذوو أصول عربية أو من بلدان إسلامية، تجمعهم صفات عدة، ولكن أكثر صفة متوافرة هى «الفشل الاجتماعى»، سواء فى البيت، المدرسة، المجتمع المحيط، أو حتى فى الحياة العاطفية. >الـ«فور إم» وسمت ورشة العمل الصفات الجامعة المتوفرة فى المستهدفين بمصطلح مختصر وهو الـ«فور إم»، أى أن الطفل أو المراهق المستهدف، يكون «مسلم»، «مذكر» فى الغالب، من أصل «مهاجر»، يعانى من الفشل الأجتماعى الناتج عن التخبط فى الهوية، وهى صفات انطلقت منها ورشة العمل لإيجاد أرضية فى رصدها، حيث بدأ العمل من جانب الورشة، انطلاقًا من أرقام رسمية تتعلق بعدد المسلمين فى ألمانيا وأنواعهم من حيث المدارس والفرق الدينية، والوقوف على المراحل الطبيعية التى يمر بها الطفل أو المراهق فى مشوار التطرف حتى يصل إلى أن يكون «إرهابى» يسىء فى النهاية للإسلام. >كرة الثلج وفى هذا السياق، تستغل تلك الجماعات المتشددة هناك، ما يكفله الدستور الألمانى من حرية فى ممارسة العقيدة وإبداء الرأى، ويتم ذلك من خلال تأسيس جمعيات تنشر فكرها المتشدد، عندما تقدم لأبناء الجيلين الثانى والثالث من المهاجرين العرب والمسلمين، ما يبحثون عنه من هوية ضائعة، بتوفير الدين للأطفال والمراهقين عبر جلسات لأئمة يحمل معظمهم الفكر المتشدد داخل هذه الجمعيات، وبالتبعية تقدم أيضًا اللغة وما وراءها من لهجة الوطن الأم، ومع الوقت تتحول الفكرة عبر هذه الجمعيات إلى كرة ثلج تكبر، لتحقيق الهدف السياسى الأكبر المختبئ تحت عباءة الدين، بتأسيس دولة دينية أو دولة الخلافة من وجهة نظر تلك الجماعات، وعندما تكون القاعدة المطلوبة متوافرة من حيث العدد عبر هؤلاء الأطفال والمراهقين الذين سيتحولون إلى شباب مؤثر فى المجتمعات التى يعيشون فيها، يكون تطبيق ذلك الهدف متاحًا بالقوة.
نبوءة ذاتية التحقق
وتدريجيًا يتم تعبئة عقل الطفل أو المراهق المستهدف، بأفكار تنظيمية لامعة من خلال أساليب دعائية وترويجية ليست معتادة، حتى يصل إلى ما يسمى بـ«نبوءة ذاتية التحقق» التى تسيطر على أفكاره وافعاله حتى يصبح هذا المراهق الذى بات ضحية، فى عزله عن المجتمع، وتدريجيًا يكون رافضًا لهذه البيئة المحيطة، ويكنّ لها الكراهية والسخط، ليبدأ مسار الانتقام منه.
وتحدثت ورشة العمل فى مدونتها، عن أن «نبوءة ذاتية التحقق» فى حالة الطفل أو المراهق الفاقد للهوية، تسير فى مسلسل من جانب تلك الجماعات عبر 4 مراحل، تبدأ من إقناع المستهدف بفكرة أن المجتمع الألمانى على سبيل المثال يكرهك ويستحقرك، وعندما يقتنع المراهق بهذه الفكرة تتأثر سلوكياته تلقائيًا ويتعامل مع المجتمع على أنه عدو، وعندما يشعر من حولك بذلك، يغير فكرته عنك كشخص يتعاملون معك بريبة وتوجس، مما يؤثر على سلوكيات الطفل أو المراهق، ومع تكرار هذه الحالة بين أبناء «الجيل الثانى والثالث» من المهاجرين، يكون هناك رفض مجتمعى لهم، فيقومون بتكوين مجتمعات موازية فى هذا الصدد.