السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مفوضية مناهضة التمييز مرة أخرى

مفوضية مناهضة التمييز مرة أخرى

 فى الأسبوع الماضى كتبتُ متمنيًا ظهورَ مفوضية مناهضة التمييز للنور قريبًا؛ خصوصًا أنها استحقاق دستورى تم النص عليها فى المادة 53 من الدستور «التمييز والحَضّ على الكراهية جريمة ويعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز وينظم القانون إنشاءَ مفوضية مستقلة لهذا الغرض»، وخلال الأيام القليلة الماضية جرت عدة وقائع أثبتت حاجتنا المُلحة إلى هذه المفوضية، التى يمكن أن تساعدنا على مواجهة التمييز الذى يتنامَى بصور مختلفة فى مجتمعنا؛ خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعى.. 



ويظهر ذلك من خلال التعليقات على بعض الوقائع المختلفة، وفى بعض الحوادث التى أن صحت تفاصيلها حسب ما نشرتها وسائل الإعلام تصل إلى حد الجريمة، وعلى سبيل المثال ما تعرضت له صيدلانية فى إحدى قرى محافظة الشرقية من اعتداء بدنى عليها بسبب أنها غير محجبة، وحسب كلامها فإن المعتديات عليها من موظفات الوحدة المحلية وجّهن لها كلامًا مثل «ما الفرق بينك وبين المسيحيات.. وربنا مش هيقبل منك صلاة لأنك مش محجبة»، وقالت أيضًا «إنه بسبب اهتمامها بالحيوانات وإطعامها للقطط والكلاب فى القرية أطلقوا عليها بتاعة الكلاب»، ولكن الموظفات حصّن أنفسهن بتحرير محضر مضاد يتهمن فيه الصيدلانية الشابة بالتعدى عليهن حتى يتمكنَّ من المساومة على التنازل عن المَحاضر والصلح، وتساعد البيئة والمناخ السائد فى القرى والريف على مثل هذه المساومات؛ خصوصًا إذا تعلق الأمْرُ بالحجاب أو بالتدين الشكلى الذى يتم الانحياز إليه ضد الحقيقية؛ حيث تأثير السلفيين والمتطرفين كبيرٌ، والذين منحوا أتباعَهم ومَن والاهم والمتأثرين بكلامهم المُخالف لصحيح الدين حقوقًا لا يقرها الإسلامُ فى الاعتداء على المواطنين وتنصيب أنفسهم قضاة للحُكم على البشر وتكفير من يخالفهم أو معاقبته على طريقتهم، وهنا يأتى دور المفوضية فى مساندة أمثال الصيدلانية المعتدى عليها والوقوف بجانبهم ومساندتهم؛ خصوصًا  أن الأمْرَ لا يتعلق بالاعتداء البدنى فقط ولكن بتمييز دينى وحَضّ على الكراهية؛ حيث يمكن للقانون أن يعطى المفوضية الحق فى التدخل فى مثل هذه القضايا ومتابعة التحقيقات فى النيابة ثم فى المَحكمة، كما يمكن منحها حق تقديم البلاغات ضد من يرتكبون جرائم التمييز.. هذه الحادثة تُذكرنا بالواقعة المشهورة باسم «فتاة الفستان» التى تعرضت للتنمُّر والتمييز بسبب ارتدائها فستانًا خلال أدائها امتحان بجامعة طنطا منذ شهور؛ حيث وبّختها مراقبات وموظفات بالجامعة لأنها ترتدى فستانًا بغير «بنطلون» وتهكن عليها لأنها كانت محجبة من قبل، وانتهى الأمر بالتصالح وتوقيع الطالبة اعتذارًا بعد أن عجزت عن إثبات ما تعرضت له، ولو كانت المفوضية موجودة لوجدت الفتاة سَندًا يدعمها ويدافع عن حقها فى ارتداء ما تريد دون توجيه لوم لها أو تمييز ضدها.

 جريمة أخرى من جرائم التمييز جرت وقائعُها على الفيس بوك؛ حيث امتلأ موقع التواصل الاجتماعى بتعليقات تحمل الشماتة بسبب حريق مسرح مهرجان الجونة، الذى نشب قبل الافتتاح بيوم واحد، وحملت التعليقات عبارات تشير إلى أن الفن حرام وأصحاب المهرجان نصارَى، وهو ما يمثل جريمة تمييز متكاملة الأركان، وفى السياق نفسه حمل الفيس بوك تعليقات غير قليلة تطلب عدم الترحم على الأنبا لوكاس أسقف عام المحلة بعد تنيّحه منذ أيام؛ لأنه كافر ولا تجوز عليه الرحمة من وجهة نظرهم المريضة، وهو ما تكرر كثيرًا عند وفاة فنانين وكتّاب ومفكرين؛ خصوصًا المختلف منهم مع المتطرفين. 

 ما سبق مجرد أمثلة بسيطة، وهناك حوادث أخرى مثل السخرية من لون بَشرة لاعب الزمالك شيكا بالا، ولاعب المنتخب السابق على غزال، وأعتقد أن قانون إنشاء المفوضية يجب أن يعطيها الحق فى التحقق من الوقائع حتى لو حدثت على مواقع التواصل الاجتماعى وإبلاغ النيابة بها ومتابعتها فى المَحاكم، مع وضع نص يُجَرّم التمييز ويحدد عقوبة قاسية عليه، كما يجب أن يكون أحد أهداف هذه المفوضية دراسة أسباب التمييز فى بلدنا على أساس الجنس أو اللون أو الدين أو الوضع الاجتماعى وكيفية مواجهته ومناهضته للخلاص من هذا الداء الخطير.