الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مباحثات الكيلو 101.. الاجتماع المثير أول «معركة تفاوضية» بين ضبـــاط مصريين وإسرائيليين

«كرئيس للولايات المتحدة، فإنى أحترم هؤلاء الذين يحاربون ويضحون بأنفسهم.. ويجب أن أعترف أنكم حاربتم جيدًا»، كان هذا حديث الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، لوزير الخارجية المصرى إسماعيل فهمى،إبان حرب أكتوبر 1973، ربما كانت تلك النظرة الأمريكية للبراعة الحربية المصرية، أحد أهم أسباب طى صفحة الحرب والاتجاه للمسار التفاوضى،الذى كان بدايته محادثات الكيلو 101، بقيادة المشير الجمسى «ثعلب أكتوبر»، أو كما أطلقت عليه جولدا مائير «النحيف المخيف».



فى الثالثة والنصف فجرًا من يوم27 أكتوبر 1973، وصلت رسالة إلى القاهرة من وزير الخارجية الأمريكى كيسنجر، تتضمن قبول إسرائيل محادثات مباشرة مع مصر، ليعقد حينها الرئيس السادات اجتماعا بقصر الطاهرة، يعلن فيه تعيين اللواء محمد عبدالغنى الجمسى ممثلًا لمصر بتلك المحادثات، وبعد مشاورات أُخطر كيسنجر باقتراح مصر لموعد اللقاء، على أن يتم عند الكيلو 101 طريق القاهرة - السويس الصحراوى، تحت إشراف الأمم المتحدة؛ لمناقشة الاعتبارات العسكرية لتطبيق قرارى مجلس الأمن 338، 339، وإمرار إمدادات غير عسكرية إلى مدينة السويس وقوات الجيش الثالث فى شرق القناة، فجاء الرد سريعًا -ظهر نفس اليوم- بموافقة إسرائيل على المقترحات المصرية.

«الجمسى» ومفاوضة أعدائه

تاريخ عسكرى طويل لعقلية فذة فى تاريخ القوات  المسلحة المصرية، إنه  المشير محمد عبدالغنى الجمسى، الذى أعد دراسة عن أنسب  التوقيتات للعملية الهجومية لحرب أكتوبر، أثناء رئاسته لهيئة عمليات القوات المسلحة وكان برتبة لواء، وخلال تلك الفترة وقع عليه الاختيار ليكون ممثلًا لمصر فى مفاوضات الكيلو 101، وبحسب ما يرويه «الجمسى» فى مذكراته، قال: «فى صباح 28 أكتوبر أيقظنى أحد الضباط لمقابلة الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية –فورًا-، وعند مقابلته أبلغنى أن هناك مبادرة أمريكية وافقت عليها مصر وإسرائيل، بأن يتم اجتماع عسكرى بين ممثلى الجانبين المصرى والإسرائيلى،بمنطقة الكيلو 101 طريق القاهرة - السويس الصحراوى،لبحث المشاكل العسكرية التى ترتبت على وقف إطلاق النار.

ويضيف الجمسي: «اعترضت على تعيينى للقيام بهذه المهمة، لأنى لا أرغب فى تنفيذها فقد أمضيت حياتى العسكرية كلها فى حرب ضد إسرائيل، واعتذرت له راجيًا تعيين قائد آخر لهذه المهمة، فكان رد الفريق أول إسماعيل أن اختيارى للمهمة تقرر من الرئيس السادات، بحكم عملى رئيسًا لهيئة العمليات، وما يضفيه هذا من إلمام بأوضاع قواتنا، وكذا خطوط القتال وأوضاع قوات العدو، فأعطيته رأيى فى تلك المهمة، لكنه رفضها وطلب تنفيذ ما تقرر، وكان هذا أمرَا واجب التنفيذ».

وبالفعل تشكل الوفد المصرى،برئاسة «الجمسى» وعضوية العميد فؤاد هويدى والمستشار عمر سرى «من وزارة الخارجية»، وكان ممثل إسرائيل «أهارون ياريف» مساعد رئيس الأركان الإسرائيلى.

وبعد التواصل مع قيادة قوات الطوارئ الدولية، عين الجنرال سلاسفيو قائد القوات، مندوبًا لحضور الاجتماعات العسكرية المصرية الإسرائيلية تحت رعاية الأمم المتحدة.

    الاجتماع الأول «تأخير وتسويف»

عقد الاجتماع الأول داخل المواقع الاسرائيلية بنحو 4 كيلو مترات، وبدأ فى الواحدة والنصف صباحا يوم 28 أكتوبر، بعدما تأخر عدة ساعات لمشاكل فى التبليغ بين الطرفين، عن طريق الولايات المتحدة، التى يختلف توقيتها عن توقيت المنطقة.

 الاجتماع الذى شهد اللقاء الأول بين ضباط مصريين وإسرائيليين كان «مثيرًا»، لكن الطريق إلى هناك كان أكثر إثارة للوفد المصرى،فيسرد «الجمسى» فى مذكراته: «الرحلة إلى مكان الاجتماع ورحلة العودة مثيرة؛ مررنا بالخطوط الأمامية التى تقف عندها قواتنا، وقد اعترضنا قواتنا أكثر من مرة وأشهروا السلاح فى وجوهنا، للتأكد من شخصياتنا، وسؤالنا عن أسباب مرورنا فى المنطقة التى يتواجد بها العدو، وفى رحلة العودة بعد نهاية الاجتماع فى الفجر كان الأمر أصعب، فكانت تعترضنا القوات فى كل منطقة، لذا كنت أصرح لكل حارس «بكلمة سر الليل»، وأحدد له رقم وحدته واسم قائدها حتى يزداد اطمئنانه».

وقد كشف «الجمسى« عما دار خلال أول لقاء بين ضباط مصريين وإسرائيليين «خارج المعركة الحربية»، قائلًا: «لم تكن خيمة المباحثات قد نصبت، لذا أقام الجانب الإسرائيلى مكان الاجتماع فى أرض صحراوية، عبارة عن غطاء من المشمع تم ربط أحد أطرافه فى دبابة والآخر فى مدرعة، وضعت بينهما منضدة خشبية حولها عدد من الكراسى،وأضئ مكان الاجتماع، وعند وصولنا اصطف الضباط الإسرائيليون برئاسة الجنرال باريف وقاموا بتأدية التحية العسكرية –وكان هذا توجيهًا منى للوفد المرافق لى بعدم البدء بأداء التحية لأن هذا يظهرنا كمنتصرين-، وجلس الوفدين على جانبى المائدة، وكان على رأسها ممثل قوات الطوارئ الدولية»

وخلال الاجتماع حاول ممثل إسرائيل التسويف بالحديث عن السلام، والعلاقة بين إسرائيل والعرب، وغيرها من الموضوعات البعيدة عن النقاط الأساسية المحددة للاجتماع، إلا أن «الجمسى« أكد على ضرورة الالتزام بأن يقتصر الحديث على الموضوعات العسكرية التى وضعت للاجتماع، المتمثلة في: تنفيذ قرارى مجلس الأمن رقم 338، 339.

مباحثات الكيلو 101

انتقلت المباحثات المصرية من الموقع السابق –بين دبابة ومدرعة- إلى الموقع المحدد بالكيلو 101 على طريق القاهرة- السويس الصحراوى،وكان مكان الاجتماع يتكون من ثلاث خيام متباعدة، حيث خصصت خيمة لكل طرف من الجانبين المصرى والإسرائيلى، وبينهما خيمة الطوارئ الدولية التى عقدت بها المباحثات. 

وبعد العديد من الاجتماعات التى باءت بالفشل بين الوفدين المصرى والإسرائيلي؛ بسبب التعنت الإسرائيلى، جاء كيسنجر إلى القاهرة فى زيارته الأولى، حيث أجرى المفاوضات مع الرئيس السادات يوم 7 نوفمبر 1973، وتم الاتفاق على مشروع «اتفاقية النقاط الست» يوم 9 نوفمبر، وهى الاتفاقية التى وافقت عليها إسرائيل أيضا، -وكأن التفاوض أصبح بين الولايات المتحدة ومصر.

وفى يوم 11 نوفمبر استؤنفت مباحثات الكيلو 101، وتم التوقيع على «اتفاقية النقاط الست»، بمعرفة «الجمسى» ممثلًا لمصر، وياريف ممثلًا لإسرائيل، بحضور ممثل الأمم المتحدة، وقد نصت الاتفاقية على الآتي:

-يتعين على مصر وإسرائيل أن تلتزما بوقف إطلاق النار.

-تبدأ المحاداثات فورًا بين البلدين بهدف تسوية مسألة العودة إلى خطوط 22 أكتوبر ضمن خطة لإتفاق «فك الاشتباك» وفصل القوات تحت إشراف الأمم المتحدة.

-يتعين أن تحصل مدينة السويس على إمدادات يومية من الطعام والماء والأدوية ونقل الجرحى منها.

-لا تفرض أى عوائق تمنع نقل إمدادات غير عسكرية إلى الضفة الشرقية للقناة. -تحل مراكز تفتيش تابعة للأمم المتحدة محل المراكز الإسرائيلية على طريق القاهرة- السويس، وفى نهاية الطريق من جانب السويس يمكن للضباط الإسرائيليين أن يشتركوا مع مسئولى الأمم المتحدة فى التحرى عن طبيعة الإمدادات غير العسكرية.

-حالة أن تتم إقامة نقاط التفتيش التابعة للأمم المتحدة على طريق القاهرة-السويس يبدأ تبادل أسرى الحرب بمن فيهم الجرحى.

وفى اليوم التالى لتوقيع الاتفاقية، بدأت سلسلة من الاجتماعات لبحث إجراءات تنفيذ الاتفاق، ووضع الجداول الزمنية لتنظيم وصول الإمدادات إلى مدينة السويس وإخلاء جرحاها، وبالفعل تم تنفيذ كافة النقاط التى تضمنتها الاتفاقية، وبقى فقط البند الثانى،الذى كان يمثل خلافًا دائمًا بين الجانبين؛ لأنه يتعلق بالمكتسبات التى حققها كلا الطرفين على الأرض.

وفى 15 نوفمبر، بدأ الاجتماع العاشر فى الكيلو 101، لبحث إجراءات تنفيذ النقطة رقم «2» من اتفاقية النقاط الست، إلا أن الوفد الإسرائيلى طرح عدة أفكار غير قابلة للتنفيذ، رفضها الجانب المصرى وطالبوهم بتحديد موقفهم بشكل واضح.

وجاء الاجتماع السابع عشر والأخير يوم 28 نوفمبر، وكان الجميع بانتظار أن يجيب الوفد الإسرائيلى على ما طرحه «الجمسى» فى الاجتماع السابق، إلا أن «ياريف» بدأ بالحديث عن الموقف المتوتر بالجبهة، ثم كرر حديثه عن وجهة نظر إسرائيل بأن فك الاشتباك يجب أن يشمل الطرفين وألا يكون الانسحاب من جانبهم فقط؛ فظهر جليًا من «مراوغة» ياريف فى المفاوضات، أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى كسب الوقت من خلال عرقلة الوصول إلى قرار محدد بشأن «فك الاشتباك»، وبالتالى أعلنت مصر قرارًا بوقف مباحثات الكيلو 101؛ نظرًا لمراوغة إسرائيل المستمرة فى تنفيذ البند الثانى من اتفاقية النقاط الست، لندخل بعدها فصلًا جديدًا من مفاوضات «فك الاشتباك».