الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رسائل بودابست ملامح الشخصية المصرية فى الجمهورية الثانية

رسائل بودابست ملامح الشخصية المصرية فى الجمهورية الثانية

عرف واستقر على مدار ما يقرب من عَقدين.. أن يجلس طرَفٌ دولىٌ فى جانب وتجلس قارة إفريقيا كلها فى الجانب الآخر وينعقد اللقاء تحت صيغة تعطيه رونقًا سياسيًا واقتصاديًا. عادة الصيغة الدولية بنت تفاعلات السياسة العالمية.. منتج توازناتها.. مُحَصّلات القوى الشاملة للدول تفرض واقعَها وتخلق ملامح شخصيتها.



لا أظن أن الصين قبل ثلاثين عامًا كان من الممكن أن تطلق منتدى الصين إفريقيا، ولكن اليوم بحجم قدراتها أصبح لها صياغتها الدولية مع القارة وتأتى هذه الصياغة من واقع حضورها الاقتصادى ذى التأثير السياسى غير المباشر.. وهكذا.

واليوم فى عام 2021 رأينا (أوروبا الوسطى) تجلس طرفًا أمام (مصر) تستمع.. تدرس.. تفهم.. تناقش.. والأهم أنها تريد أن تستلهم «تجربة مصر» الدولة النموذج فى الصعود التنموى الاستثنائى.

يُختَبر الذهبُ بالنار، واختبرت معادن الأمم فى زمن كورونا.. قدرات التخطيط والإدارة السياسية للأزمة.. محددات العلاقة بين منظومة الحُكم والشارع.. القراءة المستقبلية وامتلاك القدرات الذاتية.. القدرة على المقاومة والانتصار على الأزمة.. وفى خضمّ كل ذلك كانت الأزمة كاشفة للنسَق القيمى والحضارى للچينات الحضارية التى لا تلمحها على (عَلم الدولة)؛ ولكن تدركها من سلوكها فى لحظة الضرورة.

جميعنا رأى فى بدايات الأزمة وتحديدًا فى الربع الأول من العام الفائت.. دولاً كانت تدّعى تصديرَ مفاهيم الحضارة والرُّقى والتمدُّن تقوم بأفعال العصابات.. بالسَّطو على شحنات أدوية وكمامات طبية تخص دولاً أخرى.

جميعنا شهد الذين ابتزّوا العالمَ تحت وقْع استضافتهم مخيمات لاجئين.. تركوا ضيوفهم فى مهب «كوفيد- 19».. جميعنا توقّف أمام انهيار العدالة الدولية فى توزيع اللقاح بين الدول بلا معايير.

إلا مصر.. استخرجت الأمّة العظيمة مخزونها الحضارى الممتد تحت جلدها منذ 7000 سنة.. وإذ بها يد الخير الممدودة للجميع.. تساعد هنا وهناك.. ترسل طائرات الأدوية والكمامات للشقيق والصديق.. وعندما صمت العالم على الظلم كان صوتُ مصر مسموعًا بالعدالة الدولية لنجدة شعوب الأرض وتحدّثت مصر بلسان إفريقيا ولسان العرب ولسان كل الشعوب التى تحلم بالحياة الكريمة فى زمن أسقط كل المفاهيم القديمة التى تاجر بها البعض تحت مسمّى قيم الإنسانية وحقوق الإنسان.. فجاء الصوت الحضارى المصرى.. عفوًا من هنا نبدأ.. الحق فى الحياة أولاً والحياة يجب أن تكون كريمة تليق بالإنسان.

لم يُعْطِ الرئيسُ «عبدالفتاح السيسى» دروسًا ولكن قدّم النموذج.. ولم يأتِ النموذجُ إلا من واقع صلابة دولة تستند على قدراتها ويسندها شعبٌ عظيمٌ احترمته قيادته فقدّم لها دعمًا غير محدود وانطلق معها نحو الحلم المستحق لنا نحن الأمّة المقاتلة على الدوام الصابرة بلا كلل أو مَلل بأن نرى بزوغ فجر (مصر العُظمَى).

اليوم علينا أن ندقق فى ملامح الشخصية الدولية لمصر، التى أثبتت براعة التخطيط الاستراتيچى للرئيس «عبدالفتاح السيسى».. ويمكن أن نرصدها فى النقاط التالية: 

أولاً- مصر دولة صاحبة قرار إقليمى ودولى مستقل:

لا يمكن لأى قارئ للسياسة الدولية أو الإقليمية أن يضع مصرَ فى فلك دائرة دولية بعينها ولا يجد أى منصف لقراءة السلوك الدولى لمصر إلا والاعتراف بأنها دولة تملك قرارَها فى تحركاتها الدولية وسياستها الخارجية.

ثانيًا- نقطة الالتقاء بين مصر وأى طرَف إقليمى أو دولى:

دون تصريح ولكن بالعمل.. وضعت مصر قواعد وشروطًا لمَن يريد أن يلتقى بها وأن يعمل معها؛ وهى أنها دولة تعمل من أجل السلام والاستقرار والتنمية.. ما تقوله فى العَلن هو ما تقوله فى الغُرَف المُغلقة.. ما تصرّح به يترجمه سلوكها.. ويسبق فعلها الحديث.. بل كثيرًا ما تعمل وتفعل ولا تتحدّث لأنه أصبح طقسًا اعتياديًا بالنسبة لها.. وبالتالى لا تستغرب الذين ضحّوا بالكثير من كرامتهم الإقليمية من أجل التودد لمصر بعد أن أدركوا أن عداءَها لا يقدر عليهم دفع ثمَنه.. ولم تلتفت لهم مصر لأنهم لا يمتلكون مقومات الحديث والعمل المشترك مع مصر، وهى كما ذكرناها (السلام والاستقرار والتنمية). 

ثالثًا- دولة حق مستند إلى قوة وتمتلك قدراتها الذاتية:

إن التحديث الضخم الذى جرَى لقدرات مصر العسكرية لم يكن تحديثًا عشوائيًا؛ ولكنه يتأكد يومًا بعد يوم أنه كان تحديثًا مَدروسًا تم قياسُه بميزان من ذهب وإدراك شامل لحجم التحديات التى تواجهها مصر الدولة والشعب والسيادة، وبالتالى انطلق خطابُ مصر الدولى والإقليمى بلسان الحق المستند إلى قوة تحميه.. قوة ردع وليس قوة تهديد.. من هنا عندما مارست مصرُ حقَّها فى تحديد الخطوط الحمراء التى لن يُسمَح بالمساس بها لأنها تمس أمنَها القومى شمالاً وشرقًا وغربًا وجنوبًا وحتى آخر نقطة من حصة مياهها انتبه العالمُ لأنه يَعرف أن مصرَ تستطيع.

لم تكن القدرة العسكرية مجرد قوة ردع؛ ولكنها كانت ولا تزال السَّنَد لحركة التنمية والتحديث فى مصر كلها؛ لأن القوات المسلحة هى درعُ وسيفُ الدولة الوطنية، ومن هنا جاء أيضًا النموذجُ المصرى الذى أصبح له امتدادٌ إقليمىٌ وعالمىٌ عنوانه استعادة الدولة الوطنية قَبل أى شىء.

تتابع العمل نحو هدف استراتيچى وهو امتلاك القدرات الذاتية فى الغذاء والدواء والصناعة والطاقة والقدرة على إنجاز المشروعات العملاقة بحركة تنمية لم تعرفها مصر الحديثة وحشد عناصر القوَى الشاملة للدولة المصرية من أجل حجز الموقع اللائق بها بين الأمم فى عالم تتغير قواعد لعبته.

خذ هذه العناصر واترك مَفاصل تفكيرك تتفاعل معها.. ثم استقبل رسائل بودابست التى حملتها تصريحات الرئيس «عبدالفتاح السيسى» خلال مشاركته فى تجمُّع (فيشجراد مع مصر) ستجد أن كل حَرف سواء فى ملف التنمية أو حقوق الإنسان أو مياه النيل وكذلك اللاجئين؛ إنما يُعبر عن شخصية دولية جديدة لمصر لها سَنَدٌ حضارىٌ وواقعٌ متفردٌ من امتلاك القدرة.. شخصية دولية تؤكد أن الجمهورية الثانية، كما أحب أن أسمّيها، أو الجمهورية الجديدة كما درج تسميتها ليست مجرد مصطلح سياسى؛ ولكنه عصر جديد دخلته مصر بقوة ومَن لم يستوعبه بعد؛ يعيش فى عصر قديم..

وللحديث بقية.