الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تونس تتحرر من الإخوان: عندما ينقلب السحر على الساحر دستور «النهضة» الورقة الرابحة لنجاح «ثورة التصحيح»

مع خروج آلاف من الشعب التونسى فى شوارع البلاد مطالبين برحيل حركة النهضة الإخوانية واستقالة حكومة هشام المشيشى بعد وقوع البلاد فى عدة أزمات طاحنة، سياسيًا واقتصاديًا وصحيًا؛ خصوصًا بعد تفشى فيروس كورونا أرجاء البلاد التونسية، مما عمل على زيادة الاحتقان بين الشعب والحكومة وحزب النهضة المهيمن على البرلمان منذ قيام الثورة التونسية فى 2011.



وبعد إعلان الرئيس قيس سعيّد اتخاذ عدة إجراءات تنفيذًا لإرادة الشعب، ومستندًا على مواد الدستور التونسى، سادت الاحتفالات الشارع التونسى وانطلق الشعب مرحبًا بقرارات الرئيس الناصفة والملبية لطلباته.

لكن حاولت حركة «النهضة» الاعتراض على هذه القرارات بدعوة أنها «انقلاب» على السُّلطة، موضحة أن الرئيس التونسى استغل الفصل 80 من الدستور والذى يعطى له الأحقية فى اتخاذ التدابير اللازمة فى حالة مواجهة البلاد أيًا من المخاطر المهددة لأمنه واستقراره، إلا أن هذه الحجة لم تدُم طويلًا، فالرئيس التونسى أعلن فى خطابه للشعب، أنه لم يخرق الدستور ولن يوقف العمل به.. بل جميع الإجراءات المتخذة هى من صميم تخصصات الرئيس الذى نص عليها الدستور والذى عمل على وضعه فى الأساس حركة «النهضة»، التى وافقت بل ودعمت العديد من التوترات السياسية فقط للحفاظ على سُلطتها فى البلاد، حتى جاء اليوم الذى يتم فيه تنفيذ القانون والدستور لخروج هذه الحركة الإخوانية من المشهد السياسى.

 الضربة الحاسمة

«لرئيس الجمهورية فى حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادى لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التى تحتمها تلك الحالة الاستثنائية».. هكذا نصت المادة 80 من الدستور التونسى، والذى استند إليها الرئيس قيس سعيّد؛ ليوجه من خلالها ضربة قاصمة لحزب النهضة وزعيمه راشد الغنوشى، الذى بدوره رئيس البرلمان التونسى؛ حيث قرر «سعيّد» تجميد كل سُلطات مجلس النواب ورفع الحصانة عن كل أعضاء البرلمان وإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشى من منصبه.

وجاء فى المادة 80 أيضًا: «يجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادى لدواليب الدولة فى أقرب الآجال، ويعتبر مجلس نواب الشعب فى حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفى هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة. وبعد مُضى 30 يومًا على سريان هذه التدابير، وفى كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البت فى استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه».

ويشير ذات الفصل فى فقرته الأخيرة إلى أن «المحكمة تُصرِّحُ بقرارها علانية فى أجل أقصاه 15 يومًا، ويُنهى العمل بتلك التّدابير بزوال أسبابها. ويوجّه رئيس الجمهورية بيانًا فى ذلك إلى الشعب».

ويوضح النص أن المحكمة الدستورية تعتبر هى الجهة المنوط بها تفسير مقتضيات حالة الاستثناء التى أعلن رئيس الجمهورية قيامها. كما أن الإجراءات الخاصة بطلب البت فى استمرار الحالة أو إلغائها يجب أن يمارسها - بحسب النص- رئيس البرلمان أو 30 من أعضائه، وليس رئيس الجمهورية، ولكن هذا النص لن يكون محل تطبيق من الأصل لعدم قيام المحكمة الدستورية.

وبموجب هذه المادة، تعتبر قرارات رئيس الدولة فاعلة ودستورية، بل ودعمت هذه التدابير الموقف الدولى من قرارات «سعيّد» التى أكدت على فهم القوى الدولية للموقف الراهن فى الداخل التونسى، بل ودعمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة هذه القرارات.

 «النهضة».. والمادة 80 

بعد قيام ثورة تونس عام 2011 عملت حركة الإخوان المسلمين فى تونس على تقديم نفسها كحراك سياسى فعال داخل الدولة، فكان حزب النهضة هو أول الأحزاب السياسية المنظمة فى الحراك السياسى، وفى أكتوبر عام 2011 انتخابات لاختيار المجلس التأسيسى المؤلف من 217 عضوًا، لوضع أسُس عملية إعداد دستور جديد للبلاد، وقد فاز حزب «النهضة» بـ90 مقعدًا فى المجلس التأسيسى، كما عمل الحزب الإخوانى إلى إنشاء تكتل من حزبين آخرين وهما المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتّل؛ ليحظى بذلك على أغلبية المقاعد، تحديدًا 139 مقعدًا فى المجلس التأسيسى.

وكان من مهام المجلس التأسيسى هو وضع دستور للبلاد يتوافق مع الوضع السياسى الجديد، ومع فوز الحزب الإخوانى بأغلبية المقاعد فى البرلمان التونسى منذ قيام الثورة التونسية، صادق البرلمان فى 26 يناير 2014 على دستور تونس الجديد.

ووفق دراسة للباحثة الأمريكية مونيكا ماركس، الصادرة عن معهد « بروكنجز» تحت عنوان: «أى أسلوب اعتمدته النهضة أثناء عملية صياغة الدستور التونسى: الإقناع، الإكراه، أو تقديم التنازلات؟» أوضحت خلالها أن أحزاب المعارضة التونسية قد أعلنت رفضها لبعض مواد الدستور الجديد، موضحة رفض الأحزاب لهيمنة «النهضة» على تفصيل مواد بعينها، كما أوضحت الباحثة الأمريكية أن الأحزاب استندت فى رفضها لهذه المواد إلى أن ممثلى النهضة يفتقرون إلى الخبرة اللازمة لصياغة دستور جيّد وأنهم كانوا يعملون على إدراج برنامج عمل إسلامى عدائى فى طيات الدستور. من جهة أخرى، ساور المراقبين الخارجيين قلق أقل بشأن دور حركة النهضة فى صياغة الدستور، فكان استقرار البلاد سياسيًا هو الهدف الأساسى للمجتمع الدولى.

فكانت مواد هذا الدستور هى الداعم الأساسى وراء قرارات الرئيس قيس سعيّد لاتخاذ خطوات «تصحيح المسار» والنأى ببلاده من جماعة الإخوان وحزبها بعد تفشى الأزمات الطاحة فى البلاد.

 أزمة المحكمة الدستورية

بعد إعلان الرئيس التونسى عن حقبة من الإجراءات الاستثنائية منها تعطيل البرلمان وإقالة حكومة هشام المشيشى، وقع خلاف بشأن تفسير المادة 80 من الدستور، لكن الجهة التى كان من المفترض أن يكون لها القول الفصل فى مثل هذه الخلافات تظل غائبة وهى المحكمة الدستورية العليا التى فشلت القوى الحاكمة على مدار 6 سنوات فى تشكيل أعضائها والتى تعتبر هى الجهة المخولة بالبت فى القضية والحكم فيما إذا كان تفسير الرئيس للدستور صحيحًا أمْ معلولا، ما يعكس أن شقاق اليوم ليس وليد اللحظة.

ولطالما كانت قضية تشكيل المحكمة الدستورية مثال خلاف ومصدر توتر بين الرئيس التونسى والبرلمان فى البلاد، فمنذ عام 2014 لم ينجح البرلمان فى تشكيل الهيئة العليا (فى عام 2014 منح البرلمان مهلة لمدة عام لتعيين أعضاء المحكمة وهو ما لم يحدث حتى الوقت الراهن). 

وتتكون المحكمة وفقًا للدستور من 12 عضوًا، يعين الرئيس 4 قضاة منهم، ويختار المجلس الأعلى للقضاء 4 آخرين، ويختار البرلمان الـ 4 المتبقين. وكان على البرلمان التونسى أن يجرى انتخابات داخلية لاختيار قضاته المقترحين من القوى السياسية الممثلة، بحيث يفوز 4 مرشحين حائزين على ثلثى الأصوات، لكن وعلى مدار 5 جلسات تصويت امتدت حتى 2019، لم ينجح البرلمان سوى فى ترشيح القاضية روضة الورسيغنى، ولم يحصل أى مرشح آخر على ثلثى الأصوات.

وعن تأخر تأسيس المحكمة الدستورية يقول المحلل وخبير القانون التونسى، الصغير الزكراوى، إن المتسبب الرئيسى هو الائتلاف الحاكم الذى كان يملك أغلبية مريحة فى البرلمان لاختيار 4 قضاة قبل أن ينتهى أجل العام المخصص لذلك، إذ إن الائتلاف آنذاك بقيادة حركة النهضة ومعه حزب نداء تونس فى موضع قوة نسبيًا. 

وأوضح «الزكراوى» فى حديث صحفى، أنه كان بالإمكان حل الكثير من الخلافات بين السُّلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية ورئاسة الجمهورية لو كانت تلك المحكمة موجودة سواء فى عهد الرئيس الحالى، أو خلال فترة ولاية الرئيس الراحل، القائد الباجى السبسى، سواء من حيث صلاحيات كل جهة، أو للنظر فى مدى دستورية القوانين والمراسيم الصادرة عن السُّلطة التشريعية، وغير ذلك من الأمور الشائكة والمعقدة فى نصوص وثنايا الدستور والقوانين.

ويرى المحلل القانونى، أن «كل الأطراف السياسية» على مدى السنوات الماضية كانوا سعداء بالمماطلة والجدل العميق لأن ذلك كان يتماشى مع مصالحهم، مما كان يعمق أزمات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وأضاف «الزكراوى»: إن القوى السياسية الحاكمة المتمثلة فى حزب «النهضة» والتى كانت تنظر بعين الريبة إلى تشكيل المحكمة الدستورية قد دفعت ثمن انتهازيتها الآن. موضحًا: «الآن لقد انقلب السحر على الساحر».

من جهة أخرى يوضح المحلل والخبير السياسى التونسى، الجمعى القاسمى، أن حزب النهضة وحزب نداء تونس كانا وراء منع تشكيل المحكمة الدستورية، موضحًا أنه الآن يوجد ما يسمى بـ«الجمعية الوقتية لمراقبة القوانين الدستورية» وهى هيئة مؤقته نشأت فى 2014، وكان من المفترض أن تنحل فور تشكيل المحكمة الدستورية، لكنها لا تمتلك نفس الصلاحيات. 

وأضاف القاسمى: «بحسب الدستور فإن رئيس البلاد هو الضامن والحامى له وبالتالى هو الأقدر فى ظل عدم وجود هيئة قضائية عليا تفسر المواد وتفعلها».