
هناء فتحى
عكس الاتجاه ..اغتيال رئيس هايتى: فاقد فى الترجمة الأمريكية
جملة الاغتيالات التى طالت فى الشهر الماضى وحده عددًا من رؤساء إفريقيا وأمريكا الوسطى، طاش وخاب بعضها، حيث نجا رئيسا مدغشقر ومالى، بينما نجحت بجدارة عملية تصفية رئيس هايتى وغربلته بـ 12 رصاصة فى الجسد بينما اخترقت واحدة إحدى عينيه وألقت محتواها على الأرض.
ولا تعود غرابة الاغتيالات لكونها حدثت فى شهر يوليو أكثر شهور العام سخونة، ولا لكون أجهزة مخابرات أمريكا وفرنسا هى المشتبه به والفاعل الأول المفضوح كالعادة حسب النتائج التى انتهت إليها التحقيقات فى البلدان الثلاثة، ولم تنكر أمريكا وفرنسا ما رشح عن التحقيقات من تورُّط عملائهما فى العمليات ولا لهمجية تلك الطريقة التى قُتِلَ بها رئيس جمهورية هايتى، أفقر جمهوريات «الأمريكات» الثلاث: الوسطى والجنوبية والشمالية والتى تنافس فى مستوى الفقر بها دولتَىْ مدغشقر ومالى بإفريقيا؛ الدولتين اللتين نجا رئيساهما بالصدفة أو بالقضاء والقدر أو بالحظ أو بفعل فاعل ربما لم تكن لديه أوامر صريحة بالقتل!
لكن غرابة الاغتيالات تكمن فى الأساس فى هذا القدر الكبير من التجاهل الإعلامى الدولى على الأخبار، حتى تلك المواقع العربية القليلة جدًا التى تناولت الوقائع تناولتها على استحياء وأغفلت معظمها، وأهملت أدلة تشير بوضوح إلى الجانى، بينما لم تهتم معظم الصحف الأمريكية الكبرى بالأخبار رُغم تورط الإدارة الأمريكية فيها عندما اقتحمت قوات ملثمة ومدججة بالسلاح يوم 7 يوليو منزل رئيس دولة هايتى «جوفينيل مويس» وأمطروه وزوجته بالرصاص اعتقد الجناة أن الاثنين ماتا، لكن الزوجة تعافت بعد 4 أيام من نقلها لأحد مستشفيات جنوب فلوريدا، وما كتبته الزوجة على حسابها الخاص بـ تويتر كان يجب أن يزلزل ضمير الرأى العام الدولى ومؤسّساته التى أسرعت لتدمير أفغانستان والعراق وليبيا من مجرد شائعة ولم تلتفت لاعترافات السيدة الأولى لـ «هايتى» مارتين مويس حين قالت إن الجناة بعضهم كانت له لكنة أمريكية شمالية وأنهم بعد أن قتلوا الرئيس بعثروا محتويات الغرفة؛ حيث كانوا يبحثون عن أشياء محددة ووجدوها وأخذوها معهم.. وكانت الزوجة قد شاهدت الوقائع رُغم إصابتها وظن القتلة أنها ميتة، لكن الأخطر هو ما قالته متسائلة مندهشة كون الحرس الخاص بالرئيس والذى يبلغ عدده 60 فردًا لم يُصَب منهم أحدٌ بأذى ولا حتى رصاصة طائشة ولم يُقدَّموا للتحقيق!
فى التحقيقات اعترفت أرملة رئيس هايتى بأن الرئيس كان ينوى إجراء استفتاء على الدستور لزيادة صلاحياته وتقليل صلاحيات رئيس الوزراء؛ حيث تتمركز صلاحيات كبيرة فى يد رئيس الوزراء والذى صار هو الرئيس المؤقت بالإنابة الآن ولولا وفاة رئيس الدولة السريعة قبل الاستفتاء والتعديلات لكان لرئيس الوزراء مصير آخر!
بعض الصحف والمواقع الأمريكية القليلة تناولت ما قالته الزوجة كاملا وبعضها تناولت ما قالته مبتسرًا، لكن Forbes يوم 13 يوليو وإثر القبض عليهم اعترفت بتورط بعض رجال ما يُعرف بـ (DEA) إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية بالمشاركة فى فرقة اغتيال رئيس هايتى، وعلى الفور بثت الـ CNN خبر القبض على فردين بذات الإدارة يحملان الجنسية الأميركية والهايتية وهما Joseph Vincent وJames Solages— ثم كان أن تم القبض لاحقًا الأسبوع الماضى على الطبيب الأمريكى الشمالى وهو الركن الأساسى والرأس المدبر لعملية الاغتيال وكان يعمل فى المستشفى الذى عولِجَت به أرملة الرئيس.
انفردت الدايلى بيست يوم 15 يوليو بعنوان كالقنبلة يقول إن أمريكا الشمالية هى من يقوم بتدريب وتمويل آلاف الكولومبيين ومنهم من قاموا بعملية اغتيال رئيس هايتى وبعضهم يعمل ضمن إدارة مكافحة المخدرات، وبعضهم الآخر يعمل فى شركات أمن خاصة حول العالم تنتشر فى بلاد عدة من اليمن والعراق وأفغانستان وحتى هندوراس وإفريقيا وشرق أوروبا، وأن الإدارة الأمريكية رصدت لتدريبهم مبلغ بليون دولار وجميعهم يعملون بعقود عمل شرعية ويتقاضى الأعضاء فى هذه الوكالة مرتبات ما بين 30000 و 50000 دولار شهريًا، على إثر تدفق الاعترافات اضطر البنتاجون للاعتراف بأن 21 فردًا أمريكيًا شماليًا اشترك فى عملية اغتيال رئيس هايتى.
فى الوقت ذاته من الشهر الماضى كانت قد جرت وقائع عمليتَىْ اغتيال فاشلتين لرئيسَىْ دولتَىْ مالى ومدغشقر تورطت فيهما فرنسا ونجا الرئيسان ومات الجانى وهو يعمل كحارس خاص بالرئيس، مات أثناء التحقيقات معه، إثر اعترافه بالعمل ضمن وكالة اغتيالات فرنسية.
يبقى السؤال الأهم: هل علينا أن نصدق السيد «بايدن» الذى أعلن عن رغبته سحب قواته من العراق وأفغانستان والانكفاء على مشكلات بلاده الداخلية؟ بينما لا تزال بلاده متورطة فى قتل الخارجين عن الطاعة من رؤساء دول العالم الثالث؟
وهل علينا أن نصدق السيد «ماكرون» الفرنسى فى اعتذاره عمّا ارتكبته بلاده من مجازر فى إفريقيا وأنه بصدد سحب قواته من مالى؟ هل وجب علينا أن نصدق ذلك؟