الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
التجنيس ضد الرياضة أمْ لصالحها؟

التجنيس ضد الرياضة أمْ لصالحها؟

مصريان كانا حديث الساعة فى وسائل التواصل الاجتماعى بسبب مشاركتهما فى أوليمبياد طوكيو، الأول فارس إبراهيم حسونة وحظى بتفاعل كبير بعد فوزه بذهبية رفع الأثقال ولكن باسم قطر وليس مصر، والثانى شادى النحاس الذى مثل كندا فى لعبة الجودو والمدهش أنه واجه إيفان ريفارنكو المولدوفى والذى لعب باسم الإمارات، واقعتا شادى وإيفان كانتا مثيرتين للفكاهة بسبب اسم كل منهما واسم الدولتين اللتين مثلاهما فى البطولة، أما حالة فارس فكانت مؤلمة عند معظم المصريين بسبب فوزه بميدالية كنا نتمنى أن نحققها، ويزيد من الحسرة أن والد فارس أحد أبطال رفع الأثقال المعروفين والذى مثل مصر فى ثلاث دورات أوليمبية.



 حالة شادى وفارس لا تختلفان إلا فى بعض التفاصيل، الأول هاجر مع أسرته وهو طفل، ولأن والده وعمه كانا يلعبان الجودو فى مصر قبل الهجرة فقد مارس نفس اللعبة فى كندا، وهناك اهتموا به واكتشفوا موهبته ورعوه منذ طفولته، ولعب فى مسابقات عديدة، وأيضًا فارس سافر وهو صغير مع والده إلى قطر الذى ذهب إليها للتدريب واستقر بها، ولعب فارس هناك فى بطولات الناشئين وتم الاعتناء به حتى أصبح بطلًا أوليمبيًا، ولا أدرى هل لو استمر الاثنان فى مصر كانا سيجدان الدعم والإمكانيات الكبيرة التى تؤهلهما للبطولات أم لا؟

 وإذا كانت واقعتا فارس وشادى تعتبران عاديتين فى عالم الرياضة، فإن هناك لاعبين مصريين آخرين فى رياضات أخرى لعبوا باسم دول أخرى، وأبرزهم عدد من لاعبى الكرة الذين التحقوا بالمنتخب القطرى بعد أن لعبوا فى مصر فى بداياتهم، وهو ما يجعلنا نطالب بمناقشة جدية للأسباب التى تدفع لاعبينا إلى التجنس بجنسية دول أخرى واللعب بأسمائها، خاصة الحالات التى لا يوجد بها هجرات منذ الطفولة، قد يقول البعض أن الأمر ليس خاصًا بمصر وحدها وهى ظاهرة موجودة فى العالم كله، وعلى سبيل المثال شهدت دورة طوكيو عدة حالات كان أطرفها فى مسابقات الهوكى، حيث تواجه شقيقان يلعبان لدولتين مختلفتين، ليون هايوارد حارس نيوزلندا وشقيقه جيريمى الذى يمثل أستراليا، وفازت أستراليا فى المباراة بأربعة مقابل اثنين، والشقيقان من أب أسترالى وأم نيوزيلندية، وأمر طبيعى أن يلعب الشقيقان للدولتين، لكن اللافت فى التجنيس والذى يجب الانتباه إليه حالات اللعب مقابل المال وهو ما تفعله بعض الدول، حيث يتم منح الجنسية واللعب باسمها مقابل الحصول على أموال، بل إن دولة قطر تعطى من يلعب لها من غير مواطنيها جواز سفر مهمة ينتهى بانتهاء المهمة الرياضية، ولذلك نجد كثيرًا من اللاعبين المجنسين لا يتحدثون لغة البلد التى يمثلونها، وقد رأيت لاعبين يمثلان قطر فى الكرة الطائرة الشاطئية فى دورة طوكيو خلال مقابلة تليفزيونية لا يتحدثان العربية رغم أن اسميهما على الشاشة عربيان، كما أن معتز برشم لاعب القفز العالى الذى يلعب لقطر منذ سنوات وحقق لها مؤخرًا ميدالية ذهبية فى الأولمبياد سودانى الأصل.

 الأمر لا يتعلق بقطر وحدها فهناك دول أخرى تتبع نفس المنهج، وتجذب رياضيين للعب باسمها تحت إغراء المال والإمكانيات، وتستغل تقصير بعض الدول فى رعاية رياضييها، وهو أمر يختلف عن التجنيس بسبب الميلاد أو الإقامة أو انتماء أحد الوالدين للدولة التى يمثلها الرياضى، وأكبر مثال عليه ما شاهدناه فى بطولة كأس الأمم الأوروبية منذ أسابيع، حيث يكاد لا يخلو فريق من المشاركين فيها من لاعب من أصول غير أوروبية، وهو ما نراه منذ سنوات فى البطولات الدولية المختلفة، حتى أن المنتخب الفرنسى الفائز بكأس العالم عام 2018، وأيضًا الفريق المشارك فى بطولة كأس الأمم الأوروبية التى انتهت منذ أسابيع قليلة كان معظم لاعبيه من ذوى البشرة السمراء ومن أصول أفريقية، ولكن كل هؤلاء اللاعبين لهم خيط يجمعهم بفرنسا إما بالميلاد أو هجرة الوالدين ومن ثم التنشئة بها منذ الطفولة، وهو ما ينطبق على كل الدول الأوروبية التى تضم لاعبين لهم أصول فى دول أخرى.

 لكن عالمية الظاهرة لا يجب أن تجعلنا نتجاهلها فلكل دولة ظروفها وأوضاعها وقدراتها، وعلينا أن نفتح هذا الملف، ونطرح السؤال هل التجنيس خطر علينا وعلى الرياضة عمومًا؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال دون الإحاطة بجميع جوانب هذه الظاهرة، فهى يمكن أن تفرغ بعض اللعبات وبعض الدول الفقيرة من رياضييها البارزين، وقد كان بعضهم يستطيع أن يحصل لنا ولبلدهم الأصلى على ميداليات أوليمبية ودولية ذهبت بفعل التجنيس إلى دول أخرى، وبالطبع لا يمكن أن نلوم دولة لأنها تبحث عن مجد رياضى أو تحاول تطوير منظومتها الرياضة من خلال اجتذاب رياضيين بارزين للعب باسمها طالما أن القوانين الرياضية تسمح بذلك، لذا علينا أن نبحث عن الأسباب فى بلدنا فقد يواجه اللاعب قصورًا ماليًا من اتحاد اللعبة لا يمكنه من تطوير أدواته والارتقاء بمستواه، أو تعنتًا من بعض المسئولين يدفعه إلى ترك بلده، أو أن العائد المادى لا يمكنه من العيش بكرامة خاصة بعد اعتزاله، وأما فى العالم فإن كل حالة لها وضع مختلف فقد يكون اللاعب مضطرًا إلى ذلك أو أن بلاده بسبب أوضاعها المالية أو السياسية لن تمكنه من تطوير نفسه والوصول إلى منصات التتويج، وفى هذه الحالة فإن الرياضة هى المستفيدة، ولكن هناك حالات أخرى تترك بلدها من أجل المال وهنا تخسر الرياضة، لذا فإن الأمر يحتاج إلى وضع ضوابط حتى لا يتحول الرياضيون فى بعض الحالات إلى مرتزقة يلعبون لمن يدفع أكثر وليس بدافع الانتماء، وهو ما يجب على كل الجهات الرياضية العالمية مواجهته حتى لا تفقد الرياضة جزءًا من أخلاقها السامية.