الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نساء فى حياة الأنبياء "2" .. النبى إبراهيم مفكرًا: السيدة هاجر المصرية أمّ العرب!

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



فى القرآن الكريم جاء ثناءُ الله تعالى على النبىّ إبراهيم عليه السلام من خلال الحديث عن علاقته بالكعبة وبيت الله الحرام: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِى قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ. وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة 124-125.

وعلاقة النبى إبراهيم بالكعبة من السمات المميزة له؛ لارتباط ذلك بالحج وبالصلاة، ولأنه أبو المسلمين: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) الحج 78، فهو أول من استعمل الاسْم وسَمّى نفسَه وأتباعَه به، وجعله تعالى إمامًا للناس، وألزمهم باتباع ملته، وباتخاذ مقامه مُصَلى.

وحقق النبىُّ إبراهيمُ النموذجَ الأمثل فى العلاقة بين الله والعبد، وجعله تعالى قدوة للناس يتبعونه فى عبادة الله: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ)، الممتحنة 4، يخاطب تعالى المؤمنين بأن لهم أسوة حسنة فى النبى إبراهيم والذين معه لأنهم تبرَّؤا من قومهم بسبب كفرهم.

زوجة النبى إبراهيم

ومن زوجات النبى إبراهيم عليه السلام السيدة هاجر أمُّ النبى إسماعيل عليه السلام، وقليلة هى الروايات التى تتحدث عنها، ورُغم اختلاف الروايات؛ فإن بعض الأبحاث تقول إن السيدة هاجر كانت أميرة مصرية، وأنها كانت شقيقة الملك المصرى «سنوسرت»، وعندما أتى الهكسوس ليحتلوا مصر استولوا على بلاط الملك ومَن فيه فقتلوا الرجال واستبقوا النساء.

وجىء بالسيدة هاجر إلى بلاط ملك مصر وكانت ذات شرف، وحاول الملك أن ينال منها فشعر برجفة فابتعد عنها وعلم أن هناك قوة ما تحميها، يرتبط هذا بتصرف الملك نفسه الذى حاول أن ينال من السيدة سارة زوجة النبى إبراهيم، وشلت يده 3 مرّات، وأدرك أن هناك صلة تربط بين السيدتين سارة وهاجر، فقرر الملك أن يترك السيدة سارة ويبعث معها هاجر التى تشبهها فى العفة والشرف.

عاشت السيدة هاجر مع السيدة سارة وتعلمت منها أمور الدين والتوحيد مما تعلمته من النبى إبراهيم عليه السلام، والسيدة سارة كانت لا تنجب، فقدمت لزوجها السيدة هاجر كزوجة ليأتى منها بولد، وفى الروايات كان عُمْرُ السيدة سارة وقتها ست وسبعين عامًا، وكان عمْر النبى إبراهيم ست وثمانين عامًا.

ووَلدت السيدة هاجر، النبىَّ إسماعيل عليه السلام وهو أبو العرب، ومن هنا جاءت تسميتها بأمِّ العرب: (وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا)، مريم 54، مدحه تعالى وجعل من نسله النبىَّ محمدًا عليه الصلاة والسلام.

 هجرة السيدة هاجر

وتحركت الغيرة واشتدت فى قلب السيدة سارة من السيدة هاجر، حتى يقال إنها أقسمت أن تقطع أحد أعضاء السيدة هاجر، ولما هدأت قالت للنبى إبراهيم: «ماذا أفعل فى قسمى هذا، فقال لها: اثقبى لها أذنيها تكونى قد أبررتى بقسَمك»، فثقبت أذنيها وألبستها حَلقًا، ويقال إن السيدة هاجر أول من ثقبت أذنيها من بنات حواء.

وتأتى اللحظة الفاصلة فى حياة السيدة هاجر ويُخبرها النبىُّ إبراهيم أن أمامَهم رحلة طويلة إلى بلاد بعيدة، وبدأت الرحلة ويسير النبى إبراهيم بزوجته وابنه حتى دخل إلى صحراء الجزيرة العربية؛ حيث لا زرع ولا شجر ولا ماء، وترك زوجته ووَلده هناك مع جراب فيه بعض الطعام والماء، ورأت السيدة هاجر أن الأمر قد استقر بها ووليدها إلى هذا المقام، ولأنها كانت لحظة قاسية على نفسه هو أيضًا فهذا هو الطفل الذى تمناه من الله أتى إليه على كبر وهذه زوجته التى أنجبه منها، وينطلق النبى إبراهيم بعيدًا فتسأله السيدة هاجر: «الله أمرك بهذا؟، قال نعم، قالت إذن لا يضيعنا».

لقد أحسنت ظنها بالله، والساعات تمر وجعلت السيدة هاجر ترضع ولدها وتشرب من الماء، حتى نفد ما معها فعطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه وهو يتلوى من شدة العطش، فابتعدت عنه وظنت أنه ميت فكرهت أن تراه وهو يموت.

وظلت تهرول نحو الصفا أقرب جبل إليها فقامت عليه، ثم استقبلت الوادى تنظر هل ترى أحدًا فلا تجد فتهبط من جبل الصفا، وتهرول مرّة أخرى وتصل إلى الطرف الآخر عند جبل المروة وتستقبل قمته وتنظر هل من أحد هل من معين فلا تجد أحدًا، وتفعل ذلك مرّة تلو الأخرى حتى بلغت سبعًا وبلغ جهدها الذروة.

ثم أراد الله تعالى أن تخرج عين للماء حولها، فجعلت السيدة هاجر تغرف من مائها فشربت وأرضعت وليدها، وصدق ظنها بأنها لن تضيع هى وابنها ما دام الله تعالى معهما.

 دعاء النبى إبراهيم

فى الوقت نفسه كان النبىُّ إبراهيمُ يدعو: (رّبّنَآ إِنّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرّيّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرّمِ رَبّنَا لِيُقِيمُواْ الصّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النّاسِ تَهْوِيَ إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مّنَ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَشْكُرُونَ)، ابراهيم 37، وما هى إلا أيام قلائل حتى هلت بعض القوافل بالقرب من الماء فنزلوا فى أسفل مكة، ووجدوا السيدة هاجر عند الماء فاستأذنوها فى النزول عندها، فوافقت، فنزلوا وكان للسيدة هاجر بينهم مكانة كبيرة، وشب النبىُّ إسماعيل وتعلم اللغة العربية من قبائل جرهم التى جاءت لتسكن المكان.

والسيدة هاجر كان لها من اسمها نصيب؛ فقد هاجرت من مصر إلى فلسطين، ثم هاجرت من فلسطين إلى مكة، ولقد كرم الله تعالى السيدة هاجر بأن أبقى ذكراها خالدة، وأمرنا أن نفعل مثلها، فنهرول عند الصفا والمروة 7 مرّات أثناء أداء مناسك الحج. 

ماتت السيدة هاجر عن تسعين عامًا ودفنها النبىُّ إسماعيل عليه السلام بجانب بيت الله الحرام، وقد وفاها الله من فضله وآنسها فى وحشتها وآمنها فى وحدتها ورزقها وطفلها من حيث لا تحتسب.

 العقل والتفكير

وفى القرآن أن النبىَّ إبراهيمَ عليه السلام أول من استخدم عقله ليبحث عن الخالق، وبعد أن أصبح نبيًا استخدم عقله ليفكر فى كيفية إحياء الموتى.

وتكررت فى القرآن الكريم الآيات التى تدعونا لإعمال العقل والتفكير، وجاءت 49 كلمة مشتقة من الأصل «عقل»، 19 كلمة مشتقة من الأصل «فكر»، والسماح للعقل بالتفكير هو من الحكمة التى وهبها تعالى للإنسان: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ)، الأنبياء 51، فالراشد من يستخدم عقله لا من يحمله فقط. 

وبدأت رحلته لليقين من أنه لا يمكن لهذا الكون أن يخلق نفسه ولا بُد له من خالق، وبعد تفكير أيقن أن الخالق ليس من الكواكب ولا القمر ولا الشمس؛ لأنهم يغيبون والخالق لا يغيب عن خلقه، وهو موجود وإن كنا لا نراه، ولذلك آمن بالله لا شريك له دون أن يراه.

فانتصر الفكر والعقل على كل الموروث بعد أن توصل إلى أن عبادة الأصنام غير معقولة: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)، الأنعام 83.

ولم يتوقف عن تساؤلاته العقلانية حتى بعد أن أصبح نبيًا: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِـى الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى..)، البقرة 260.

لقد أراد أن يقطع الشك باليقين فى أمر لا يتحقق معه الإيمان إلا بالتسليم به غيبًا، وهو رؤية قدرته تعالى على بعث الموتى للحياة، وقد أجابه تعالى؛ لأن سؤاله لم يكن لتبرير عدم إيمانه بالغيب، فهو مؤمن، لكنه يسعى لليقين. 

وأمره تعالى بالنداء فى الناس للحج: (وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، الحج 27، وسماه تعالى بالمسلم: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، البقرة 131، وسمى تعالى كل من يتبع دينه مسلمًا: (..مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ..)، الحج 78، ودعا النبى إبراهيم عليه السلام فى آخر عمره: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ)، ابراهيم 39. 

والنبى إبراهيم بعد أن مَرَّ بالكثير من الابتلاءات، وباستخدامه للعقل صار يعدل أمّة كاملة: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، النحل 120، وأصبحت طريقة عبادته ملة: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، النحل 123.

ولذلك كانت السيدة هاجر مثالًا للفتاة والزوجة والأمّ المؤمنة، وكان النبى إبراهيم عليه السلام رمزًا للعقلانية لكل الناس، وليس من العقل أن يحرم المسلمون أنفسهم من التفكير، وليس من الحكمة ألا يكون المسلمون روادًا للفكر والعقلانية بين الناس.