الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

أول‏ كنيسة‏ منزلية‏ فى مصر‏ وإفريقيا‏: مارمرقس.. أقدم الكنائس فى «مدينة الرب»

«أسَّسَ القديسُ مرقس كنيسة الإسكندرية ودفع حياته ثمنًا لإخلاصه لها؛ إذ جَرّه الوثنيون فى شوارع الإسكندرية».. هكذا عرفت د. «شهد البياع»، مدير تطوير المواقع الأثرية بمنطقة آثار وادى النطرون والمتخصصة فى تاريخ الكنائس بالمنشية، الأهمية التاريخية لإحدى أهم الكنائس بالإسكندرية.



وتضيف: «فى الفترة التى تلت عصر الرسل أخذت الكنيسة فى النمو وازداد عدد المسيحيين وأقبل الوثنيون على اعتناق المسيحية وأنشأ رجال كنيسة الإسكندرية المدرسة التبشيرية بالإسكندرية تولى رئاستها كلمنت السكندرى ثم أوريچين، واعتبر أشهَر شخصية مسيحية فى تاريخ كنيسة الإسكندرية لجرأته وتعمقه فى أصول المسيحية، فضلاً عن ورعه وتقواه».

تقلد أسقفية الإسكندرية عدد من الأساقفة البارزين، أهمهم «بطرس» الذى ولى الأسقفية عام 300 م وكان من أكفأ علماء الدين المسيحى فى مصر وأكثرهم شهرة، وعرفت‏ باسم‏ كنيسة‏ بوكاليا‏ ومكانها‏ هو‏ نفس‏ مكان‏ الكاتدرائية‏ المرقسية‏ الحالية‏، وهذا‏ المكان‏ يتوسط‏ الإسكندرية‏ القديمة.

‏كانت‏ الكنيسة‏ المرقسية‏ مَقرًا‏ لبطريرك‏ الكنيسة‏ منذ‏ جاء‏ القديس‏ مرقس‏ ورشم‏ إنيانوس‏ الإسكافى ثانى بطريرك‏ على مصر‏ من‏ بعد‏ مارمرقس‏، واستمرت‏ مقر‏ الكرسى‏ البابوى‏ لمدة‏ ألف‏ عام‏، ثم‏ انتقل‏ المقر‏ عدة‏ مرات‏ إلى أن‏ أصبح‏ الآن‏ فى أرض‏ الأنبا‏ رويس‏ بالعباسية‏، والمرجح‏ أن‏ المكان‏ الموجودة‏ فيه‏ هذه‏ الكنيسة‏ هو‏ نفسه‏ بيت‏ «إنيانوس‏ الإسكافى»‏، وهو‏ أول‏ من‏ آمن هو‏ وأسرته‏ على يد‏ القديس‏ مرقس‏ وتحوّل‏ بيته‏ إلى كنيسة‏- بحسب «البياع».

 الإسكندرية «مدينة الرب»

مع انتشار المسيحية أصبحت مدينة الإسكندرية من أهم المدن التى تزخر بالعمارة المسيحية ويطلق على طرازها مسمى الطراز الإمبراطورى، وذلك لأن معظم كنائسها صمم على الطراز البازيليكى؛ حيث تبنّى ذلك الحكام؛ حيث مدينة الحضارة والتاريخ؛ حيث اختار الإمبراطور قسطنطين «323- 337»م الطراز البازيليكى الطراز الملكى كطراز للكنيسة، بل فضّله على باقى الطرز الأخرى.

 تاريخ‏ كنيسة‏ مارمرقس

تعد‏ الكنيسة‏ المرقسية‏ بالإسكندرية‏ أول‏ كنيسة‏ منزلية‏ فى مصر‏ وإفريقيا‏، واستخدمت‏ للصلاة‏ لأول‏ مرة‏ نحو عام‏ 62‏م‏ مع‏ دخول‏ المسيحية‏ إلى مصر‏ عن‏ طريق‏ مارمرقس‏؛ حيث‏ كانت‏ الكنائس‏ فى بداية‏ المسيحية‏ كنائس‏ منزلية‏، مثل‏ علية‏ أم مارمرقس‏ فى أورشليم‏، وهو‏ منزل‏ مريم‏ والدة‏ مارمرقس؛ حيث‏ تم‏ فيه‏ تأسيس‏ سر‏ الإفخارستيا‏ وفيه‏ حل‏ الروح‏ القدس‏ على التلاميذ‏.

‏أعيد‏ بناؤها‏ ودعيت‏ باسم‏ مارمرقس‏ وحفظ‏ فيها‏ رأس‏ القديس‏ مرقس‏ بعد‏ حادثة‏ محاولة‏ سرقته‏ سنة‏ 644‏م‏ والتى‏ لم‏ تنجح‏، ولذلك‏ كلف‏ عمرو‏ بن‏ العاص‏ البابا‏ بنيامين‏ 38 ببناء‏ الكنيسة‏ لحفظ‏ رأس‏ مارمرقس.‏

وفى عام‏ 828‏م‏ تمت سرقة‏ جسد‏ مارمرقس‏ بواسطة‏ بحارة‏ إيطاليين‏، ونقل‏ من‏ الإسكندرية‏ لمدينة‏ البندقية‏ (‏فينسيا‏) بإيطاليا‏.. وبقى‏ رأس‏ مارمرقس‏ بالإسكندرية‏.‏

‏دفن‏ بالكنيسة‏ 47من‏ بطاركة‏ كرسى‏ الإسكندرية‏ ابتداءً‏ من‏ مارمرقس‏ رقم‏ 1 حتى‏ البابا‏ شنودة‏ الأول‏ رقم‏ 55، وأيضًا‏ بها‏ تمت‏ سيامة‏ عدد‏ من‏ البطاركة‏.‏

 تاريخ من الهدم والبناء

‏ فى العصر‏ الأيوبى، هدم‏ صلاح‏ الدين‏ الأيوبى‏ الكنيسة‏ المرقسية‏ بحجة‏ أن‏ موقعها‏ يعتبر‏ حصنًا‏ عظيمًا‏ يمكن‏ أن‏ يستفيد‏ به‏ الصليبيون‏ لو‏ هاجموا‏ الإسكندرية‏، وقد‏ حاول‏ النصارى‏ دفع‏ ألفَى دينار‏ فدية‏ عن‏ الكنيسة‏ ولكنه‏ رفض‏ وهدمت‏ الكنيسة‏ بالفعل‏.

وأيضًا‏ تم‏ هدم‏ الكنيسة‏ المرقسية‏ مرة‏ أخرى‏ عن‏ طريق‏ الحملة‏ الفرنسية‏ عام‏ 1798‏م‏ خوفًا‏ من‏ استيلاء‏ الإنجليز‏ عليها‏ والتحصن‏ بها‏.‏ فحمل‏ كهنتها‏ جميع‏ أوانيها‏ ومخطوطاتها‏ وآثارها‏ ونفائسها‏؛ حيث‏ حفظت‏ بكنيسة‏ رشيد،‏ وكان‏ مما‏ حملوه‏ معهم‏ أيقونة‏ الشهيد‏ مارمرقس‏ وأيقونة‏ للملاك‏ ميخائيل‏ ورفات‏ الشهيد‏ مارجرجس‏ السكندرى‏ وما‏ زالوا‏ هناك‏ حتى هذا‏ اليوم‏، وبعض‏ هذه‏ النفائس‏ نقل‏ إلى المتحف‏ القبطى فيما‏ بعد‏، وموضع‏ هذه‏ الكنيسة‏ يستنتجه‏ «بتلر»‏ من‏ موضع‏ المسلتين‏ اللتين‏ نقلت‏ إحداهما‏ إلى لندن‏ سنة‏ 1877‏م‏ والأخرى‏ إلى الولايات‏ المتحدة‏ سنة‏ 1879‏م‏ وهى‏ الآن‏ فى سنترال‏ بارك‏ فى نيويورك،‏ ويمكن‏ أن‏ نعرف‏ مكان‏ وضعها‏ حاليًا‏ بأنه‏ فى الجانب‏ الأيمن‏ فى آخر‏ شارع‏ النبى‏ دانيال‏ بين‏ البحر‏ وشارع‏ السلطان‏ حسين‏ وشارع‏ صفية‏ زغلول‏.‏

لكن فى عام‏ 1805‏م‏ أصدر‏ محمد‏ على باشا‏ فرمانًا‏ بإعادة‏ بناء‏ الكنيسة‏، وتمت‏ بالفعل‏ إعادة‏ بناء‏ الكنيسة‏ وتدشينها‏ بيد‏ البابا‏ بطرس‏ الجاولى‏ 109، فى عام‏ 1819‏م‏. وكان‏ المعلم‏ صالح‏ عطاالله‏ قد‏ أخذ‏ فرمانًا‏ بعمارتها‏ من‏ محمد‏ على الكبير‏ ودشنها‏ البابا‏ بطرس‏ الجاولى‏ ومعه‏ القديس‏ الأنبا‏ صرابامون‏ أبوطرحة‏ أسقف‏ المنوفية‏ والبحيرة‏، ولكن‏ أيضًا‏ هدمت‏ الكنيسة‏، وفى عام‏ 1869‏م‏ قام‏ أراخنة‏ الإسكندرية‏ واهتموا‏ مع‏ نيافة‏ الأنبا‏ مرقس‏ مطران‏ البحيرة‏ فى عهد‏ البابا‏ ديمتريوس‏ 111 ببناء‏ الكاتدرائية‏ المرقسية‏ بالإسكندرية‏ بدلا‏ً من‏ مبناها‏ الصغير‏ السابق‏ وتمت‏ إعادة‏ بنائها‏ عام‏ 1870‏م‏.‏

ظلت‏ هذه‏ الكنيسة‏ التى بنيت‏ سنة‏ 1870‏م‏ قائمة‏ حتى تهدمت‏ أجزاء‏ منها‏ وانتشرت‏ بها‏ الشروخ‏ وأصبحت‏ قبابها‏ آيلة‏ للسقوط‏ فاتخذ‏ قرار‏ بهدمها‏ فى 19 يناير‏ 1950‏م‏ وتجددت‏ فى عهد‏ البابا‏ يوساب‏ الثانى 115 بصورتها‏ الفخمة‏ مستخدمًا‏ الخرسانة‏ المسلحة‏ واحتفل‏ فى 25 سبتمبر‏ 1950 بوضع‏ حجر‏ الأساس‏ للكنيسة‏ الجديدة‏ فى عيد‏ مارمرقس‏ فى 30 بابة‏ عام‏ 1669 للشهداء‏ الموافق‏ 9 نوفمبر‏ عام‏ 1952‏م‏، قام‏ البابا‏ يوساب‏ الثانى‏ بتدشين‏ الكنيسة‏ وافتتاحها‏ فى حفل‏ تاريخى‏ كبير‏.‏

 رفات‏ القديسين‏ بمقصورة‏ مارمرقس

يوجد‏ بالكنيسة‏ المرقسية‏ جزءٌ‏ من‏ حجر‏ الجلجثة‏ الذى أقيم‏ عليه‏ صليب‏ السيد‏ المسيح‏ بأورشليم‏، وجزء‏ من‏ خشبة‏ صليب‏ المسيح‏ واردة‏ من‏ الفاتيكان‏، وجزء‏ من‏ حجر‏ قبر‏ العذراء‏، ورفات‏ الشهيد‏ مارمرقس‏ كاروز‏ الديار‏ المصرية‏، البطريرك‏ رقم‏ 2،بالإضافة إلى أكثر 12 رفات لشهداء الكنيسة من القديسين.

 جسد‏ مارمرقس

ظل‏ جسد‏ الشهيد‏ مارمرقس‏ ورأسه‏ معًا‏ فى صندوق‏ واحد‏ حتى سنة ‏641‏م‏ حتى دخول‏ العرب‏ مصر‏، وكان‏ المقوقس‏ هو‏ البطريرك‏ الملكى والحاكم‏ المدنى فى الوقت نفسه‏، فلما‏ خربت‏ واندلعت‏ النيران‏ فى عدة‏ كنائس‏ وأديرة‏ منها‏ كنيسة‏ مارمرقس‏، فقد‏ حاول‏ أحد‏ البحارة‏ أثناء‏ الحريق‏ سرقة‏ رأس‏ القديس‏، فخبأه‏ سرًا‏ فى سفينة‏.

‏ولمّا‏ عزم‏ عمرو‏ بن‏ العاص‏ على مغادرة‏ الميناء‏ بجيشه‏ لم‏ تستطع‏ تلك‏ السفينة‏ أن‏ تتحرك‏ رغم‏ الجهود‏ الكبيرة‏ التى تمت‏ لتحريك‏ السفينة‏، وعندئذ‏ اعترف‏ البحار‏ بجريمته‏ وقام‏ وأحضر‏ الرأس‏ المقدس‏، وفى الحال‏ تحركت‏ المركب‏ فلما‏ رأى عمرو‏ بن‏ العاص‏ هذه‏ الآية‏ العظيمة‏ اندهش‏ جدًا‏ وأرسل‏ فى طلب‏ بابا‏ الإسكندرية‏ الشرعى ليتسلمه‏ منه‏، وكان‏ وقت‏ ذاك‏ هو‏ الأنبا‏ بنيامين‏ الـ‏38، فوجده‏ مختفيًا‏ فى الصعيد‏ بسبب‏ مطاردة‏ الملكيين‏ له‏، فكتب‏ له‏ يستدعيه‏ ويطمئنه‏.

وعندما‏ حضر‏ استقبله‏ وأكرمه‏ إكرامًا‏ عظيمًا‏، وسلمه‏ الرأس‏ المقدس‏ كما‏ أعطاه‏ عشرة‏ آلاف‏ دينار‏ لبناء‏ كنيسة‏ عظيمة‏ تليق‏ بصاحب‏ هذا‏ الرأس‏، كما‏ أمر‏ بتسليمه‏ كنائسه‏ المغتصبة‏ وكان‏ ذلك‏ فى 30 بابة‏ سنة‏ 644‏م‏.‏