الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عن قرب هدى شعراوى.. مناضلة حتى الموت!

لا تخلو محافظة مصرية من شارع أو مَدرسة أو جمعية خيرية تحمل اسمها، ولا يُذكر تاريخ العمل النسائى فى مصر دون ذكر قصة كفاحها، هى الرائدة دومًا فى كل ما يخص السيدة المصرية، فلا يمكن أن تتحدث عن تعليم الفتيات أو تمثيل المرأة بالبرلمان أو حتى الزواج المبكر؛ دون أن تلتفت إلى دورها المؤثر ومواقفها التاريخية، لذلك ظلت رمزًا لكفاح المرأة طوال قرن من الزمن.



 

«هدى شعراوى»،ابنة الباشا التى ثارت على كل شىء من أجل إثبات نفسها، لتصبح رائدة النشاط النسوى فى نهاية القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، وصاحبة الانطلاقة الأولى لتحرير المرأة فى العالم العربى، والمنادية بتغيير حياة المرأة ومساواتها مع الرجل وإدخالها فى الحياة السياسية، ناهيك عن مواقفها الوطنية البطولية ضد الاحتلال الإنجليزى وتقسيم فلسطين.

ورُغم أنها ابنة «محمد سلطان باشا»، رئيس مجلس النواب المصرى الأول فى عهد الخديو «توفيق»؛ فإنها انخلعت سريعًا من طبقتها الارستقراطية، واندمجت مع أطياف الشعب، بهدف واحد؛ هو تحرير المرأة المصرية من جميع القيود التى ظلت تحاصرها لقرون طويلة؛ لتثور ضد العادات البالية والموروثات المتخلفة، وتنادى بحقوق بنات جنسها فى التعلم والعمل والحياة الكريمة.

تلقت «هدى شعراوى» التعليم الأساسى بالفرنسية فى منزل أهلها، من قِبَل نخبة من المُدرسين، فأصبحت فى سن التاسعة فقط تتقن أكثر من لغتين وتعزف البيانو وتحفظ القرآن؛ وجميعها إنجازات غير مسبوقة بالنسبة لأنثى فى زمنها، وتزوجت مبكرًا فى سن الثالثة عشرة من ابن عمّتها «على الشعراوى»، وأنجبت «بثينة ومحمد»، ووسط كل هذا تعرّضت لصدمات عديدة، شعرَت خلالها بمرارة التمييز بين الرجل والمرأة، لتصاب بالاكتئاب لفترة استدعت سفرها لأوروبا للاستشفاء، وهناك كانت البداية؛ عندما تعرفت على قيادات فرنسية نسوية لتحرير المرأة؛ الأمر الذى شجعها على أن تسلك ذات الطريق، وتمد يدها لبنات بلدها بهدف إنقاذهن من بحر التمييز والتخلف.

ومع عودتها من أوروبا، أنشأت «هدى شعراوى» مجلة «الإجيبسيان»، التى كانت تصدرها باللغة الفرنسية، وأسَّست جمعية رعاية الأطفال عام 1907، وبَعدها بعام واحد نجحت فى إقناع الجامعة المصرية بتخصيص قاعة للمحاضرات النسوية، وكان لنشاط زوجها السياسى الملحوظ فى ثورة 1919 أثر كبير على نشاطاتها، فتولت قيادة مظاهرات السيدات الأولى فى مصر، وأسَّست «لجنة الوفد المركزية للسيدات» وأشرفت عليها، ودعت إلى رفع السِّن الأدنى لزواج الفتيات لتصبح 16 عامًا، وكذلك للفتيان لتصبح 18 عامًا، كما سعت لوضع قيود للرجل للحيلولة دون الطلاق من طرف واحد، ونادت بتعليم المرأة وحقها فى العمل المهنى والسياسى،ودعت إلى خلع غطاء الوجه.

أسَّست هدى شعراوى «الاتحاد النسائى المصرى»  فى عام 1923، وتولت رئاسته حتى 1947، وكانت عضوًا مؤسِّسًا فى «الاتحاد النسائى العربى» وصارت رئيسته فى عام 1935، وفى العام نفسه أصبحت نائبة رئيسة اتحاد المرأة العالمى، كما حضرت عدة مؤتمرات دولية فى روما وباريس وأمستردام وبرلين واسطنبول؛ لتمثل المرأة المصرية عالميّا، ودعمت إنشاء نشرة «المرأة العربية» الناطقة باسْم الاتحاد النسائى العربى، وأنشأت مجلة «المرأة المصرية»، وكانت وراء عَقد المؤتمر النسائى العربى الأول، الذى أسفر عن عدة توصيات مهمة، منها المطالبة بالمساواة فى الحقوق السياسية مع الرجل وعلى الأخص الانتخاب، والجمع بين الجنسين فى مرحلتى الطفولة والتعليم الابتدائى.. واستطاعت الخروج بالنشاط النسوى من السّرّيّة إلى العلن رويدًا رويدًا، من خلال نشر آرائها كمقالات أو كُتُب مع غيرها من النسويّات فى الصحف والمجلات الرائدة؛ سعيًا منها لإثبات أن الأدوار الاجتماعية التى تميز الرجل عن المرأة هى من صُنع المجتمع.

وكأنه كتُب عليها النضال حتى نهاية حياتها، فمع صدور قرار تقسيم فلسطين من قِبَل الأمم المتحدة عام 1947، أرسلت «هدى شعراوى» خطابًا شديد اللهجة للاحتجاج على القرار، وتوفيت بَعدها بأيام، ليكون آخر ما تكتبه، ونهاية لمسيرتها الثائرة التى ستظل عنوانًا على شموخ وإرادة المرأة المصرية.