الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«القايمة» تدق ناقوس الخطر

«القايمة» تدق ناقوس الخطر

اختلفت الآراء حول ما فعله أحد الآباء حين كتب فى قائمة منقولات ابنته العروس «من يؤتمن على العرض لا يسأل عن المال.. اتقى الله فى ابنتنا»، البعض أشاد بما فعله وقالوا إنه حريص على إحياء قيم ترى أن المال والأجهزة والأثاث مهما كثر لن يعوض الابنة إذا تم طلاقها عن آلامها ووجعها الإنسانى، والبعض الآخر اعترض موجهًا اللوم إلى الأب وأنه أضاع حق ابنته، وتركها تواجه مصيرًا مؤلمًا إذا لا قدر الله حدث الانفصال، ومن المعروف أن المهر عاجله وآجلة كبر أو صغر -حسب اتفاق الطرفين- يثبت فى عقد الزواج، أما القائمة فتكون فى ورقة منفصلة وهى بمثابة إيصال أمانة.



اللافت للنظر أن كثيرين رأوا فى وجود القائمة أمانا للزوجة من غدر الزوج، وهو ما يشير إلى تغير كبير فى تفكير المصريين خاصة أبناء الطبقة الوسطى، وفى نفس الوقت يطرح العديد من الأسئلة مثل: ما الذى جعل المعترضين على تصرف الأب -وهم كثر- يفترضون حدوث طلاق وما يتبعه من مشاكل وقضايا ومحاكم؟ ورأيهم هذا ليس خاصًا بهذه الحالة وإنما يتحدثون عن الزواج عمومًا، وكان الأولى أن يتوقعوا دوام الحياة الزوجية والمحبة والرحمة والمودة، ولماذا وضعوا الاحتمال السيئ أولًا قبل احتمال توافق الزوجين واستمرار العلاقة الطيبة بينهما؟

ولماذا ذهب تفكيرهم إلى أن الزوج سيتعنت فى إعطاء الحقوق لزوجته إذا طلقها؛ وأنه سيتلاعب بها ويحاول إذلالها؛ وأنه لن يكون انفصال بمعروف وتسريح بإحسان، ولذلك يجب تكبيله بقائمة منقولات غالية الثمن باعتبارها مضمونة الدفع، ولأنها الوسيلة الأكثر آمنا للمرأة لكى تحصل على جزء من حقوقها المالية والشرعية، هذا التطور السلبى فى علاقات بنيت على المودة والرحمة، والأساس فيها الاستمرار، والاستثناء هو الانفصال، يجب أن ننظر إليه بعين الاهتمام ونضعه تحت الدراسة حتى نعرف ماذا حدث وما الذى أوصلنا إلى هذا الطريق؟ 

على كل الجهات والهيئات المعنية بالمجتمع المصرى البحث فى أسباب أدت إلى هدم علاقات كانت راسخة حتى وقت قريب، فأصبح استمرارها ونجاحها الاستثناء والفشل هو الغالب عليها؟ وعلينا أن نفهم لماذا أصبحت نظرة الريبة فى الرجل هى الأصل، والحذر والتوجس منه واجب لحماية الزوجات من غدره؟.

حتى سنوات غير بعيدة كانت أسر كثيرة تنظر إلى القائمة باعتبارها أمرًا شكليًا، وهناك حكايات تروى عن آباء كانوا يرونها عيبًا لأنهم اختاروا لبناتهم أزواجًا أبناء أصول سيسعدهن إذا استمروا معا ولن يهينهن إذا وصلوا إلى خلاف لا رجعة فيه، وحكايات أخرى عن آباء مزقوا ورقة القائمة بعد توقيع الزوج عليها ثقة فيه، وكان يتبع ذلك أن يتعامل الزوج بكل حب واحترام، ويعتبر أن ما فعله الأب كرمًا وتقديرًا كبيرًا يجب أن يرد فى البيت مع الزوجة ابنة الأصول.

أين ذهبت هذه العلاقات؟ ولماذا توارت وتراجعت هذه الأخلاق، وظهر بدلا منها التربص والحيطة؟ بل وصل الأمر فى حالات عديدة إلى عدم عقد القران بسبب الاختلاف بين الأسر على قيمة القائمة وما تشمله من أجهزة وأثاث، أعرف أن انتشار حالة الانفصال فى المجتمع، وكثرة المشاكل والقضايا بين الأزواج فى المحاكم أحد أسباب هذا السلوك، وهو بالفعل أمر يؤدى إلى قلق الأسر على بناتهم خاصة أن أرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تؤكد زيادة معدلات الطلاق عامًا بعد عام، فقد كانت 198 ألف حالة فى عام 2017، ارتفعت فى العام التالى إلى 201 ألف حالة، وفى عام 2019 وصلت إلى 225 ألفًا بمعدل واقعة طلاق كل دقيقتين وعشرين ثانية، و27 حالة فى الساعة، و651 فى اليوم، ولكن مع ذلك فإن القائمة وإن كانت تؤمن بعض الحقوق لكنها ليست كافية، ومهما كان قدرها المالى مرتفعًا فإنها لا تساوى الخسائر النفسية والمادية التى تتعرض لها الأسر وخاصة المرأة بسبب الطلاق، وهى أيضًا لن تمنع الرجل من التعنت، والكثير من الأزواج  سلموا لمطلقاتهم الأشياء الموجودة فى القائمة وهى مستهلكة وغير مجدية.

 أرقام الطلاق مفزعة ولا يجب تجاهلها، وتداعياتها على المجتمع خطيرة، وعلينا جميعًا الانتباه لها، ومطلوب دراسة أسباب الفشل الأسرى سريعًا للحد منه، وأتمنى أن تكون واقعة القائمة الأخيرة وما أثارته من جدل على مواقع التواصل الاجتماعى وفى وسائل الإعلام بداية لمناقشة قضية الزواج والطلاق فى مصر بشكل علمى وممنهج حتى لا نندم وقت لا ينفع الندم.