الإسكندرانى: قصة أشهر مسجد بالإسكندرية «اقروا» الفاتحة لـ«أبو العباس»

نسرين عبد الرحيم
يعد مسجد المرسى أبوالعباس واحدًا من أشهر وأعرق المساجد بالإسكندرية إن لم يكن الأعرق على الإطلاق، ذلك المسجد الذى يقع بمنطقة بحرى بالقرب من الشاطئ ويحيط به ميدان يسمى ميدان المساجد ،حيث يوجد بالقرب منه أكثر من مسجد وعدد من الأضرحة وتوجد حديقة بجواره تابعة له بها ألعاب للأطفال وتنتشر الحناطير المخصصة للتنزه على الشاطئ، وأيضًا يوجد بالقرب منه ملاهى للأطفال وأيضًا محال تجارية فيعد الذهاب للمسجد فرصة أيضا للتنزه.
قد حظى بشهرة عالمية واسعة، حيث يعد شاهدًا وعلامة بارزة من علامات المدينة الهادئة يتوافد إليه الزائرون من جميع أنحاء العالم ومن مختلف الجنسيات واللهجات، منهم من يأتى للتبرك ومنهم من يأتى لمشاهدة المسجد.
وقد سمى المسجد وشيد تخليدًا للعارف بالله والعالم الجليل والشهير بالكرامات المرسى أبوالعباس، حيث كان المسجد ملاذًا للخائفين والعائدين زمن الأيوبيين ولاذ به الهاربون من ظلم المماليك، وحتى يومنا هذا يلجأ إلى هذا الرباط كل ملهوف أو خائف أو محب وكأن الموروث الاجتماعى للمدينة هو الذى يحرك أهلها.
حيث تقول دكتورة زينب المنسى، بقسم التاريخ بجامعة الإسكندرية عن المرسى أبوالعباس أن اسمه الحقيقى هو شهاب الدين أبوالعباس أحمد بن عمر بن على الخزرجى الأنصارى ولد فى مدينة مرسية الأندلسية سنة 616هـ/1219م لأب ميسور الحال من وجهاء مرسية، لكنه قرر الرحيل عنها ولما كان وضع المغرب ليس بأفضل من وضع الأندلس فكان القصد هو المشرق وقد فكر الأندلسيون فى المشرق لأنه أصلهم ومهد أجدادهم فرغم مشاكل الشرق ،لكنه ظل الملاذ للكثيرين إيماناً منهم بالبحث عن الجذور وقد يكون ذلك اللجوء نابعاً من اليأس فى إيجاد ملاذ فلم يبق هنا أمامهم إلا الحرم الشريف وقبر الرسول وأرجح هنا شيوع الفكرة الثانية فمعظم رحلات اللجوء الأندلسية كانت معلنة أنها رحلة حج وبذلك فإن الحج لم يكن غطاءً للخروج فقط ، ولكنه كان هدفًا فخرج الأندلسى إلى البيت العتيق متوسلاً لله أن يصلح حال بلاده التى أصبحت مرتعًا للانقلابات ومرمى وهدفًا للإسبان فسقطت فى أيديهم العديد من المدن ومنها مدينة مرسية مسقط رأس حارس الإسكندرية أبوالعباس المرسى.
وأضافت دكتورة زينب المنسى: لم يكن أمام أسرة أبى العباس مفر من مغادرة الأندلس فقد أعلنت الأسرة عزمها القيام بفريضة الحج وخرجوا من الأندلس فى أمان، لكن القدر كان له ترتيب آخر فقد غرق المركب الذى كان يحمل الأسرة بالقرب من ساحل بونة بالجزائر
ولم ينج من تلك الحادثة سوى أبوالعباس المرسى وأخيه الأكبر فتوجها إلى تونس وبتونس كان الميلاد الجديد للأخوين بدون الأب والأم وبدون أموال وكان على كل منهم أن يختار حياته كمايريد فعمل الأخ الأكبر بالتجارة ،أما أبو العباس المرسى فسلك طريقًا آخر، فقد عمل معلماً للصبيان بزاوية الشيخ محرز بن خلف وفى تلك الأثناء كانت سيرة المرابط الزاهد المجاهد أبى الحسن الشاذلى (تأسس سنة 656هـ) ملء السمع والبصر، فسعى أبو العباس إلى مقابلته وذهب إليه فى رباطه بجبل شاذلة قابله الشاذلى ورأى فيه شيئًا وشعر أبوالعباس أن هذا هو المعلم والأب فلازمه وظل معه وكأنها الخطة الإلهية فكلاهما وجد مايحتاجه فى الآخر ...الشاذلى وجد الابن والخليفة والسند وأبا العباس وجد الأب والمعلم.
قرر الشاذلى الانتقال لمصر وقرر أبو العباس مصاحبته وكان الشاذلى مختلفًا مع رجالات الموحدين ففسر البعض قرار الانتقال بأنه هروب للشيخين ولكننى أرى أن الانتقال كان لسبب أسمى فلو أراد الشاذلى وصاحبه النجاة فالصحراء كانت أمامهما، الجواب أن أبى العباس والشاذلى قررا الذهاب لمصر للمساعدة فى حماية الشرق بالجهاد والرباط فى مصر وهو تفسير آخر لهجرة الأندلسيين إلى مصر والمشرق وهو المساهمة فى الحفاظ على مابقى من دولة الإسلام بعدما رأوا ضياع الأندلس.
وقد نزل الشاذلى والمرسى بمدينة الإسكندرية بمنطقة عامود السوارى ثم كوم الدكة بغرب الإسكندرية واجتمع لهم بجامع العطارين بالإسكندرية الكثير من المريدين وكما كان للقدر كلمته كان للشيطان كلمته فتجسد الشيطان فى شخص وزير الموحدين الذى وسوس لصلاح الدين برسالة يحذره فيها من الشيخ وتلميذه فحبسهما صلاح الدين، ولكن سرعان ما أفرج عنهما وكانت تجربة السجن تأكيدًا للشاذلى أن أبا العباس هو نعم الولد والخليفة فزوجه من ابنته وهنا قرر الشاذلى الانطلاق لإكمال رسالته العالمية ألا وهى زرع المرابطين والحراس فى ثغور الإسلام فتوجه الشاذلى إلى الصعيد وصحراء مصر الشرقية يبحث عن الرجال ويشيد المرابط والمحارس والزوايا وكانت وفاته سنة 656هـ /1258م بمنطقة حميثرا بصحراء عيذاب بجبال البحر الأحمربعد أن ترك خليفته أبى العباس مرابطًا وحارسًا للإسكندرية.
وأوضحت دكتورة زينب، عظم قدر أبى العباس المرسى فصار يلقى الدروس فى مدارس القاهرة وجوامعها خاصة جامع عمرو بن العاص بالفسطاط ،كما صحب أبو العباس الكثير من أبناء عصره كالإمام البوصيرى وابن عطاء الله السكندرى وياقوت العرش وابن اللبان والعزبن عبدالسلام وشمس الدين الأصفهانى وشمس الدين الأيكى وغيرهم.
وظل أبوالعباس المرسى شيخ الإسكندرية ومرابطها وحارسها حتى توفى فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة 686هـ/1287م ودفن بمقبرة باب البحر وخلف من الأولاد جمال الدين محمد وأبى العباس أحمد وبهجة ونظم له ابن عطاء الله السكندرى كتاباً يحمل اسمه واسم أستاذه الحسن الشاذلى عرف باسم «لطائف المنن فى مناقب الشيخ أبى العباس المرسى وشيخه الشاذلى أبى الحسن» ولأبى العباس المرسى مؤلف يسمى رسالة فى التصوف.
وظل رباط ومسجد سيدى أبى العباس المرسى ملاذًا للخائفين والعائذين زمن الأيوبيين ولاذ به الهاربون من ظلم المماليك وحتى يومنا هذا يلجأ إلى هذا الرباط كل ملهوف أو خائف وكأن الموروث الاجتماعى للمدينة هو الذى يحرك أهلها.
وأشارت تكريماً لسيرة ومكانة أبى العباس المرسى بنى رباطه أكثر من مرة ،لكن أهم تلك المرات كانت على يد أحد تجار الإسكندرية وهو زين الدين بن القطان ،كما أدخلت عليه زيادات فى عهد والى الإسكندرية من قبل المماليك قجماس الإسحاقى الظاهرى وتم إدخال عدة تحسينات على الرباط والمسجد على مدار الفترات التاريخية المختلفة فأنفق على تجديده الشيخ المغربى أبوالحسن على بن عبدالله المغربى الأموال للعمل على إصلاحه وتوسعته وأوقف عليه أحمد بك الدخاخنى شيخ طائفة البنائين أموالاً وأوقافاً للعناية به حتى تمت توسعته بالشكل النهائى الموجود به على يد المعمارى الإيطالى ماريو روسى.
ومازال المسجد شاهدًا وعلامة بارزة من علامات مدينة الإسكندرية بالديار المصرية يتوافد إليه الكثيرون من جميع الأنحاء تبركاً وحباً فى الزيارة ومازالت بعض الأسر تحمل أيضا النسبة لذلك العارف بالله الشهير بالكرامات فى عصره مثل عائلة المرسى والعباسى.
ويضيف الشيخ جابر قاسم وكيل المشيخة الصوفية السابق، أن المرسى أبوالعباس هو الذى نشر الطريقة الشاذلية التى تنسب لأبى الحسن الشاذلى، وأشار أن للمرسى أبوالعباس مولد كبير كان يقام كل عام وتوقف بسبب انتشار فيروس كورونا لافتاً أن المولد كان يقام مع العيد القومى للإسكندرية 19/7 حتى 25\7 ويكون الاحتفال من خلال مسيرة تقام فى الليلة الكبيرة وهى يوم الخميس تنطلق من مسجد سيدى تمراز، حيث يخرج الموكب حتى أبى العباس المرسى بحضور كل الطرق ويكون الاحتفال من خلال الأناشيد والطبول ويصل حتى ميدان أبى العباس ويكون هناك السرادق حيث يقام به مؤتمر عالمى للصوفية يكون فيه الحديث عن الشيخ أو أى شىء علمى ينسب له ويكون الذكر بحضور كبار المنشدين ويأتى الوافدون من مختلف أنحاء الجمهورية.
ويضيف محمد يوسف إمام وخطيب مسجد المرسى أبو العباس، أن المسجد كان يأتى إليه الزائرون من مختلف أنحاء العالم مسلمين وغير مسلمين حيث لا توجد شروط لدخول المسجد إلا الاحتشام والالتزام بآداب الإسلام لافتاً أن تلك الزيارات السياحية اليومية توقفت بسبب فيروس كورونا، وحول وجود أنفاق تحت المسجد أشار: يوجد بالمسجد أنفاق مكان الدفن الخاص بالشيخ والتى تعتبر على مستوى سطح الإسكندرية الأصلى قبل أن ترتفع بفعل مرور الزمان لخمسة أمتار.
لافتاً أنه يوجد أيضا مخبأ تستخدمه الأوقاف الآن كمخزن ويوجد بالمسجد مقام تحت الأرض وله شاهد داخل المسجد.