الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه.. عنوانها: سعدى والوطن الأخير

عكس الاتجاه.. عنوانها: سعدى والوطن الأخير

لا يحتاج الشاعر العراقى الكبير سعدى يوسف مناسبةً للكتابة عنه كما لا تحتاج فلسطين سببًا كىّ نرسمها كـ«سيدة الخرائط والبلاد».



وبين سعدى وبين فلسطين المُحرّرة ملامح كوكب أرضىّ مخاتل لا يسكنه الأوغاد ، كوكب جَمَع أرضه رملًا وترابًا من البلاد الجريحة،التى لجأ وفرّ إليها واحدة إثر واحدة وعاصمة وراء عاصمة وهو الذى يكره المطارات والملابس الموَحدة.

وهو الذى ضاقت به سجون البلاد وضاق هو مِنْ سجانيها فلا عاصمة إلا احتضنته وقتلته: فلسطين والعراق وسوريا والجزائر واليمن وليبيا فكان أن لملم شوارع وطنه الآخر ومنحه هويةً وعَلَمًا، وسوّره تخومًا من عناوين قصائده وقال: هذى بلادى الواحدة بلادى الموحَّدة، وخبأها فى مجازاته وأسكنها فلسطين.

بين سعدى وبين فلسطين والعراق شتاتٌ وشعر، وهو الذى جمع غربة أقدامه والخُطى كلها فى خطوة واحدة وكتبها دواوين رائعة، وهو المرتحل فى مكانه وهو المغترب المستقر وهو الذى حاك حواف الطرق المقطوعة والمنثورة والمتباعدة ببعضها فى خيط واحد وثوب واحد وبلد واحد، ولوّن علمه بالأخضر والأسود والأبيض مجروحا بالأحمر الدامى، هنا قلعةً وهنا منارة، وهؤلاء حراس البلاد، ورتّب الخريطة وقال: تلك فلسطينى، فلسطينكم، فاستعيدوها

(أيها الطارق بابا دون دارْ 

أيها الطارق فى الليل على باب النهار

ما الذى تحمله للساهرين

حول قمصان الدم اليابس والغصن السجين

ما الذى جئت به دون انتظار؟).

هل كانت العلة التى أصابت سعدى أخيرًا وهو فى منفاه بلندن - مرضه الأخير - نذيرا أو نبوءة بعلة فلسطين؟ بانتفاضتها الأخيرة؟ ولماذا تتشابه أمراضه بإسرائيل؟ 

(كرهتِ سيفى وذراعى على أسوار عكة،

و كرهت الجميع

غمست حتى مقلتى فى النجيع

أحرقتُ أسمائى. وها أننى

ادعى صلاح الدين، ادعى الجميع).

لم يفقد سعدى يوسف طوال سنوات عمره -وُلِدَ فى البصرة عام 1934 - حلمه وإيمانه وقصائده وأسماء العواصم التى شتتته والبلاد التى جمعها فى خطاويه، لم يفقد ثقته بالشعوب ولا بالنضال والحق ولا بالعودة وفلسطين:

(للقادم من تل الزعتر منخوبًا بالزخات

للمتلسّم فى الليل العربى.. ضماد الأموات

للقادم من نهر البارد

والقادم من أيلول العام السادس والسبعين

للمتقدم قائمة القتلى

للناشر ألبسة الأطفال المذبوحين

للباحث عن عذراء فلسطين

الصوت الصارخ فى البرية

للمُطعٍم غدَّارته لحم ذراعيه

نقدم بلدانًا عاريةً إلا من بدلات جاهزةٍ

و نشيدًا للمنتصرين على أطفال الله).

لم يمنع المرض العضال الأخير الذى اخترق بكل خسة جسد الشاعر الكبير وسقط عليه كقذيفة هاون، لم يمنعه من قول الشعر، ولا عن قول الحق، فكتب فى ليلة 14أبريل الماضى آخر قذائفه البديعة الملهمة والتى فجرها فى وجه الجميع بعنوان: هدية صباحية.

(لصبّاغى جزمةِ جورج بوش، وَلِــىِّ النجفِ الذِّمِّـىّ

و لأحفادِ لصوصِ الحربِ

وأبناءِ الإقطاعيينَ العربِ الأغرابِ؛

لِـمافيـا التهريبِ

و زهرةِ لورداتِ الحربِ

وأبناءِ الإقطاعيينَ الكُـرْدِ الأغرابِ؛

لرجالِ الدين الـمُـخْتَـرَمين،

و لخريجى كليات الجاسوسية فى واشنطن

أو لندن أو بودابست

لأحزاب تشرب نفطًا أخضر

للكتاب المأجورين بدولار للصفحة

لزبانية التزوير ونجارى كرسى النائب

للنسوة ممن أدمنّ معاشرة النسوة أو ظباط المارينز

لمساجد قطع الرأس

لكن).