السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
صمت الكنيسة

صمت الكنيسة

يقال فى المأثورات: أنْ تصل متأخرًا خير من ألا تصل على الإطلاق، ولكن هذا التأخير فى بعض المواقف يكون لافتا ما دام لم تكن هناك أسباب معقولة ومقنعة له، كما أنه يثير تساؤلات كثيرة، خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا وطنية وإنسانية ودينية، أقول هذا بسبب تأخر الكنيسة المصرية فى إصدار بيان حول ما يجرى للفلسطينيين من مذابح على أيدى إسرائيل، حيث صدر البيان بعد أكثر من عشرة أيام من الاعتداءات الغاشمة التى يقوم بها الجيش الإسرائيلى ضد مدنيين مسالمين، لا أحد يشكك أبدا فى وطنية كنيستنا، ولا فى مواقف البابا تواضروس وهو مشهود له من الجميع بحكمته وحبه للوطن، ولكن هذا ما يطرح الأسئلة عن أسباب هذا التأخر، خاصة أن الدولة المصرية ومؤسساتها كان موقفها واضحا منذ بداية الأحداث فى مناصرتها للفلسطينيين ورفضها لما تقوم به إسرائيل من أعمال إجرامية، كما أن الأزهر سارع بإصدار بيان يساند فيه الضحايا الفلسطينيين ويندد بالعدوان الإسرائيلى فور وقوع المجازر، بل إن الكنيسة الإنجيلية سبقت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى إصدار بيانها حتى ولو كان بيوم واحد.



 ولعل من طرح هذه التساؤلات كان متأثرا بمواقف الكنيسة فى عهد المتنيح البابا شنودة، حيث كانت دائما سباقة فى مناصرة القضية الفلسطينية حتى أطلق على البابا شنودة لقب بابا العرب، ووصل الأمر إلى أن مجلة «فلسطين الثورة» فى عددها الصادر فى 2 مارس 1995 نشرت صورته على غلافها مع عنوان يقول «الثائر العربى القبطى متى سيدرج فى قائمة الإرهاب اليهودى الأمريكى؟»، كما أن البابا الراحل رحمه الله كان سباقا فى إصدار قرار بمنع سفر الأقباط إلى القدس بعد اتفاقية السلام قائلا إنه لن يدخلها إلا مع شيخ الأزهر وبعد حل القضية الشائكة، والأكثر أنه عاقب من خالفوا قراره وسافروا للحج فى القدس وأرغمهم على الاعتذار علانية على صفحات الصحف اليومية، أعرف أن المقارنة ظالمة لاختلاف الظروف السياسية المحلية والدولية وتغير القواعد، ولكن يظل الجميع ينتظرون موقف الكنيسة المصرية لما لها من مصداقية وما تتمتع به من رؤية ثاقبة فى القضايا الوطنية.

لكن التأخر لم يكن فى هذا الموقف فقط، فقد تساءل الكثيرون أيضا عن عدم إصدار بيان لمساندة الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، وهى نبتة من كنيستنا، ضد ما تفعله السلطات هناك من اعتداءات صارخة ضد أبناء إقليم تيجراى ذي الأغلبية الأرثوذكسية والتى طالت أيضا الكنائس، وهو ما دفع البطريرك الإثيوبى للكنيسة الأرثوذكسية الأب ماتياس الذى يقبع تحت الإقامة الجبرية غير الرسمية إلى القول فى فيديو تم تسريبه إن ما يتم هو حرب إبادة وتدمير، ومن المعروف أن كنيستنا تشارك فى ترسيم بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية منذ استقلالها عن الكنيسة المصرية فى الستينيات بعد أن ظلت تابعة لها منذ نشأتها، ولهذا كان لافتا صمت الكنيسة والبابا عما يحدث للمسيحيين الذين يشاركون كنيستنا إيمانها.

 كما أن كثيرين لم يكونوا مقتنعين بالبيان الذى أصدرته الكنيسة بعد اجتماع لجنة الأديرة، بسبب الاعتداءات الإثيوبية وبمناصرة القوات الإسرائيلية على دير السلطان بالقدس والمملوك للكنيسة المصرية، حيث يرغب الأحباش فى السيطرة عليه رغم أحكام المحاكم الإسرائيلية بملكية الكنيسة القبطية المصرية للدير، وكان الكثيرون أقباطًا ومسلمين يتمنون إثارة القضية دوليا وعالميا حتى يعرف الجميع السرقات الإثيوبية ومساندة إسرائيل لها، وهو أمر ليس بعيدا عما يحدث من بناء سد النهضة ومحاولة حرمان مصر من مياه النيل.

صمت الكنيسة يتجاوز القضايا الوطنية والدينية إلى ما يجرى داخلها، وآخرها ما أثير بعد إعدام الراهب المشلوح أشعياء المقارى بسبب قتله الشهيد المتنيح الأنبا أبيفانتوس رئيس دير أبو مقار، ومحاولة أسرته وشقيقه – وهو راهب أيضا - ومعهم عدد من المناصرين لهم والمختلفين مع البابا بإظهار أنه مظلوم وشهيد، ووصل الأمر إلى إقامة صلاة الجنازة عليه وهو يرتدى ملابس كهنوتية رغم شلحه- أى إبعاده عن الرهبنة لارتكابه أفعالا تخل بقواعدها- بل ودفنه حسب بيان أسرته فى دير أبو مقار بأسيوط، وهو دير مهجور، مما يعنى أنه أعدم وهو راهب، ولا أناقش هنا حجية الأحكام القضائية وضرورة عدم التشكيك فيها لأنه ينسحب على قضايا الإرهاب التى يشكك آخرون فى صدقها وعدالتها، ولكن أتكلم عن البلبلة التى أثارها ما جرى من مراسم دفن القاتل والدفاع عنه والتى شارك فيها أساقفة ورهبان وقساوسة، وهو ما ظهر فى عدة فيديوهات وصفوا فيه الراهب المعدوم بأنه شهيد، وكان من الضرورى عدم الاكتفاء بالبيان الذى أصدرته مطرانية البحيرة وتنفى فيه أنه جرى الاحتفاء بالراهب المشلوح خلال جنازته وأن أسرته هى من قامت بذلك، وهو البيان الذى ردت عليه أسرة الراهب وفندت بعض ما جاء فيه، وكان يجب على الكنيسة قطع الشك باليقين وإصدار بيان يوضح ملابسات القضية بالكامل وكيفية تعاملها مع من خالفوا تعليماتها سواء فى جنازة الراهب المشلوح بقرار من لجنة الرهبنة بالكنيسة، أو من وصفوه بأنه ضحية وليس قاتلا، لأن هؤلاء لا يشككون فى عدالة الأحكام القضائية فقط ولكن يلقون بظلال وشكوك حول تورط قادة الكنيسة فى الدس للراهب أو على الأقل عدم الدفاع عنه والوقوف بجانبه رغم علمهم بأنه مظلوم، وهو ما ينعكس على بسطاء الأقباط الذين قد يتأثرون بما يقوله أنصار الراهب ومن يستغلونه للكيد للبابا.

قداسة البابا الذى نحبه ونقدره ونعرف قيمته، أرجوك تكلم من أجل رعيتك، فالصمت ليس دائمًا فضيلة، بل قد يؤدى إلى كوارث كبيرة.