السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحكم للجماهير

الحكم للجماهير

منذ أيام، اقتحمت جماهير نادى مانشستر يوناتيد ملعب فريقها قبل مباراته مع ليفربول، احتجاجا على ملاك النادى، ورفعوا شعارات تندد بسياستهم وموافقتهم على اشتراك النادى فى دورى السوبر الأوروبى، وهى المسابقة التى يدعمها ماليا بنك جى بى مورجان الأمريكى ويتبناها فلورنتينو بيريز رئيس نادى ريال مدريد الإسبانى، وكان يفترض أن تضم 20 فريقا منها 15 مؤسسين من أكبر الأندية فى الدوريات الأوروبية بجانب خمسة أندية متغيرة، والفرق المؤسسة بينها مانشستير يونايتد ومانشيستر سيتى وليفربول وأرسنال وتشليسى وتوتنهام من إنجلترا وريال مدريد وبرشلونة وأتليتكو مدريد من إسبانيا ويوفونتس وإنتر ميلان وميلان الإيطاليين،بينما رفضت أندية ألمانيا وفرنسا الانضمام، وعندما أعلن عن هذا الدورى منذ ثلاثة أسابيع وأنه فى طريقه للتنفيذ، ثارت جماهير الأندية الإنجليزية وأعلنت رفضها له وشاركتها الحكومة البريطانية فى الاحتجاج والتنديد بهذا الدورى،ووصفه بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا بأنه قتل لكرة القدم وهدم لروحها، كما هددت الاتحادات المحلية والاتحاد الأوروبى والاتحاد الدولى للعبة بتوقيع عقوبات قاسية على الأندية التى ستشارك فى هذه البطولة، ما اضطر ملاك الأندية للتراجع عن موافقتهم، وتم وأد الفكرة أو تأجيلها إلى حين، ورغم أن العديد من مسئولى الأندية اعتذروا للجماهير ومن بينهم نادى مانشيستر يونايتد إلا أن مشجعى الفريق رفضوا هذا الاعتذار، وأعلنوا مرة أخرى عن غضبهم واقتحموا الملعب الأسبوع الماضى حاملين لافتات تحمل عبارات تصف الملاك بالجشع والأنانية ومطالبين برحيلهم، ورغم النجاحات التى حققها النادى هذا الموسم مقارنة بالسنوات السابقة حيث ظل منافسا على بطولة الدورى حتى الأسابيع الأخيرة، وهو الأقرب إلى احتلال المركز الثانى فى ترتيب الدورى، وفى طريقه للمباراة النهائية لبطولة الدورى الأوروبى، وهو أبرز المرشحين للفوز بها، إلا أن كل ذلك لم يشفع لملاكه، ويبدو أن الجماهير أرادت توجيه رسالة واضحة تقول: النادى تملكه الجماهير والمشجعون وليس ملك من يدفع الأموال، وأنه مهما كان ما يتم ضخه من أموال لشراء لاعبين موهوبين أو التعاقد مع مدربين لامعين، فإن الكلمة الأخيرة لملح اللعبة والملاعب والمدرجات، وهم الجماهير المؤمنة بالنادى، وهؤلاء مثلما وصف المسيح فى موعظة الجبل المؤمنين به بملح الأرض لأنهم يصلحون كل شىء ويحفظونه من الفساد ويعطون الطعام مذاقا طيبا، فالمشجعون هم الذين يعطون اللعبة مذاقها الجيد ويصونون أنديتهم ويصلحونها إذا انحرفت، وهم الذين صنعوا مجد النادى وكانوا معه دائما فى السراء والضراء والفقر والغنى والانتصارات والانكسارات، وهم الذين جعلوا للنادى الاسم الكبير الذى أغرى المستثمرين بشرائه من أجل تحقيق أرباح كبيرة، وإذا كان هؤلاء الملاك يستطيعون بيعه فى أى وقت،فان الجماهير لا تتخلى عن معشوقها لأى سبب، صحيح أن فكرة الدورى السوبر تبدو جيدة لملاك الأندية لأنها ستحقق لهم أرباحا كبيرة وهو السبب الذى يصدره أصحاب الفكرة للإعلام بأنه إنقاذ للأندية من الإفلاس بعد تراجع إيراداتها فى ظل أزمة كورونا وابتعاد الجماهير إجباريا عن حضور المباريات، كما أنها تبدو فكرة براقة لعشاق كرة القدم خارج الدول تشارك فرقها فيه، لأنهم سيشاهدون مباريات كثيرة ودائمة لكبار أندية العالم ما يعد بمتعة كروية كبيرة، ولكنها فى المقابل تقضى على المسابقات المحلية وتجعلها الاستثناء وليس الأصل،كما أنها تكرس الرأسمالية المتوحشة فى رياضة شعبية مما يهدد روح كرة القدم، فهى تجعل المسابقات الكروية طبقية، مسابقة للأغنياء وأخرى للفقراء، ولا يحق للأندية الفقيرة التطلع إلى مجارة ومنافسة الفرق الثرية، وهو ما يقضى على جزء من إثارة كرة القدم ومفاجأتها، حينما تتغلب الفرق الصغيرة على الكبيرة، وهو أيضا يقلل من الطموح الكروى والعمل على التطوير ومناطحة الكبار، مثلا نادى ليستر سيتى والذى صعد من دورى الدرجة الأولى الإنجليزى إلى الدورى الممتاز من سنوات وفاز بالدورى ومازال ضمن فرق المقدمة وينافس هذا الموسم على المراكز المؤهلة للاشتراك فى الدورى الأوروبى للأندية، وكذلك فرق مثل أتلانتا الإيطالى وإشبيلية الإسبانى ولايبزيج الألمانى وغيرها من الفرق المجتهدة، كلها لن تجد لها مكانا فى السوبر، ولن تجد مسابقة كبيرة تجتهد من أجل المشاركة فيها بعد القضاء على البطولة الأوروبية للأندية، بل إن الفرق المشاركة فى المسابقة المزعومة ستستحوذ على اللاعبين المهرة الذين سيحبون المشاركة فى هذا الدورى المميز، وبسبب التنافس بينها سترتفع أسعار اللاعبين بجنون، ولن يتبقى للأندية الأخرى إلا ما يفيض عن حاجة الكبار، لكل هذا كانت رسالة مشجعى مانشيستر منذ أيام كاشفة: الجماهير تترك الحكم لأصحاب المال والنفوذ ولكنها تثور إذا شعرت أن من يحكم ويملك يتخلى عن القيم الأساسية والقواعد الثابتة والمبادئ الراسخة.