السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
جريمة فى عابدين

جريمة فى عابدين

فى نفس المكان – أو بالقرب منه – الذى وقف فيه الزعيم أحمد عرابى بزيه العسكرى مواجها الخديوى توفيق قائلا له: «لقد خلقنا الله أحرارا ولن نورث بعد اليوم»، تقام الآن محلات لبيع الأطعمة والسلع، بعد أن أحاطت محافظة القاهرة الحديقة المواجهة لقصر عابدين بسور وأنشأت داخلها أكشاكا أجرتها لمن يشاء من التجار، وهو أمر غريب أن تكون فى مواجهة القصر التاريخى الذى ظل سنوات طويلة مقر الحكم فى مصر، وفى حديقة على بعد أمتار منه محلات لبيع الأطعمة والسلع المختلفة، ولا نستبعد أن تكون هناك مستقبلا أكشاك تحت مسمى أحمد عرابى للسندويتشات، والخديوى إسماعيل للمشروبات، وقصر عابدين للمخلالات والطرشى، الأكثر غرابة أن يأتى هذا الاتجاه من المحافظة بعد مرور أيام قليلة على الاحتفاء بنجاح موكب المومياوات أثناء نقلها من المتحف المصرى بالتحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط وما واكبه من الدعوة إلى الاهتمام بتراثنا وحضارتنا المتعاقبة وضرورة الحفاظ على آثارنا، كما أنه يأتى فى الوقت الذى يتم فيه تطوير القاهرة الخديوية التى يقع القصر فى قلبها.



 تاريخ القصر شاهد على أهميته، فقد كان مقرًا للحكم منذ إنشائه عام 1863 وحتى قيام ثورة يوليو 1952، وشهدت أروقته 6 حكام، بداية من الخديوى إسماعيل، مرورا بالخديوى توفيق، وعباس حلمى الثانى،  والملك فؤاد والملك فاروق، أما الرئيس عبد الناصر فقد ألقى العديد من خطبه من شرفته قبل أن ينقل مقر الحكم إلى قصر القبة عام 1958، ولكن الرئيس السادات أعاد قصر عابدين مقرا للرئاسة مرة أخرى، كما استقبل به الرئيس السابق مبارك العديد من رؤساء الدول مثل الرئيس الروسى بوتين عام 2005، كما قام الرئيس السيسى باستقبال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فيه، وكذلك الرئيس الصينى شى جين بين الذى حضر حفلا فنيا داخله. 

وسجل موقع رئاسة الجمهورية الإليكترونى على صفحته عددا من الأحداث التاريخية التى شهدها قصر وميدان عابدين ومن بينها، مظاهرة 9 سبتمبر عام 1881 عندما وقف الزعيم أحمد عرابى،  أمام القصر لعرض مطالب الجيش والأمة المصرية فى عهد الخديوى توفيق، كما أقيمت به مراسم زفاف ولى عهد إيران والأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق عام 1939، وكان شاهدا على أحداث 4 فبراير 1942 عندما حاصرت المدرعات البريطانية القصر لإجبار الملك فاروق على إسناد الوزارة إلى مصطفى النحاس، كما طوقت قوات الجيش من الضباط الأحرار القصر مع الساعات الأولى من قيام ثورة يوليو 1952.

 قصر عابدين تم بناؤه على أطلال منزل قديم كان يملكه «عابدين بك» أحد أمراء الأتراك، وكان يشغل وظيفة أمير اللواء السلطانى،  ومن أجل بناء القصر تم ردم عدة برك كانت موجودة، كما تم شراء عدة مبانٍ ملاصقة وإزالتها، كما اشترى الخديوى «إسماعيل» الأملاك المجاورة حتى وصلت مساحة الأرض إلى ٢٥ فدانًا، وصمم القصر على الطراز النيوكلاسيكى الفرنسى بواسطة عدة مهندسين تحت إشراف المهندس الفرنسى «ليون روسو»، وشاركه عدد كبير من المعماريين والفنانين والمهندسين من مصر وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا وتركيا، وسجَّلت وزارة الآثار قصر عابدين ضمن القصور الملكية، حيث يضم القصر بداخله خمسة متاحف تتبع رئاسة الجمهورية، وهى متحف الأسلحة، ومتحف الأوسمة والنياشين، ومتحف الفضيات، ومتحف هدايا رئاسة الجمهورية، ومتحف الوثائق التاريخية.

ومن أجل هذا التاريخ العريق اعترض عدد غير قليل من المهتمين بالقاهرة التاريخية والمبانى الأثرية والمتاحف على خطوة محافظة القاهرة واعتبروها تشويها للقصر ومنهم الكاتب الصحفى سليمان جودة الذى كتب منبها إلى ما حدث والشاعر جمال الشاعر والدكتورة سهير حواس، أستاذ العمارة والتصميم العمرانى بكلية الهندسة جامعة القاهرة وعضو مجلس إدارة جهاز التنسيق الحضارى التابع لوزارة الثقافة المصرية، التى وصفت الأكشاك فى تصريحات صحفية منشورة بأنها «كابوس يشوه الفراغ العام»، وأنه «لتعظيم أى مبنى له سيادة، لا بد من ترك مسافة فارغة، لتعظيم المشهد البصرى للمبنى وسط المكان»، وكشفت أن «حديقة ميدان عابدين مسجلة كتراث طبقًا لقانون 119 لعام 2008، وأى تطوير فيها لو كان بزرع شجرة أو إزالتها لا بد أن يخضع لاشتراطات جهاز التنسيق الحضارى»، وأضافت: «للأسف لم يعرض علينا أى شيء بشأن عملية التطوير الأخيرة لحديقة ميدان عابدين»، ورغم هذه الانتقادات إلا أن محافظة القاهرة ووزارتى الآثار والثقافة مازالوا صامتين، ولم تشرح المحافظة لماذا وافقت على هذا التشويه؟ وما الدافع إلى إنشاء هذه الأكشاك خاصة أنه يمكنها الاستفادة من الحديقة فى عمل مشروعات ثقافية عديدة تحقق منها دخلا ماليا وتحافظ على قيمة الحديقة والقصر فى نفس الوقت؟ وإذا لم تكن هناك أسباب مقنعة لهذا المشروع التجارى فإنها جريمة تشويه لآثارنا وتاريخنا، ولماذا لم يؤخذ رأى جهاز التنسيق الحضارى فى تطوير الحديقة؟ وهل هناك أشياء مماثلة أمام القصور الملكية فى الدول الأوروبية؟ وما رأى وزارة الآثار فيما حدث؟ ولماذا لم تتحدث وزارة الثقافة؟ وهل وزارة السياحة موافقة على هذه الأكشاك؟ وهل البرلمان يكون له دور فى مناقشة هذه القضية المهمة؟ وأخيرًا هل نسمع إجابات على هذه الأسئلة أم يستمر الصمت الغريب؟