
هناء فتحى
عكس الاتجاه.. لعبة منى زكى ومحمد ممدوح
الأبطال الذين لم يظهروا بعد، العنوان الذى لم يُفَكِك نفسه حتى الآن، الأرق الذى يسدل صُداعه على عيوننا ونحن نلهث بشغف الجَرْى وراء المسلسل مشهدًا ولقطة كى نصل معهم إلى بَرّ ولا نصل، الألق الذى يُضوّى فى عيون الممثلين جميعهم وهم يترجمون حالات درامية لم يعشها أحدهم من قبل، البراح الذى تمنحه الكادرات حتى فى أشد حالات الشخوص ضيقًا وكَربًا، الفكرة / الكتابة التى تملك براءة «اختراعها» وجِدّتها وروعتها، المباراة الاحترافية بالغة «الحرفنة التمثيلية بين «منى زكى» و«محمد ممدوح» والتى انتقلت عدواها لباقى الممثلين فردًا فردًا .
عشر حلقات من «لعبة نيوتن» كافية لتدرك أنك فى رهان بينك وبين «نيوتن» والثمرة الغامضة، وأنك أمام نسْجْ عمل فنى بديع فى مجمل محتواه، غير مُنتَقَص، كامل الأركان كالجريمة المستعصية الحل.
وماذا تعنى لعبة نيوتن؟ لا نعرف.. ونعرف أنها لعبة الدراما المشوقة.
هيا لنلعب معهم:
الملعب المفتوح/ مكان النص الذى يتبارى فيه نيوتن - بطل عنوان المسلسل - وبين الممثلين معًا فى لعبتهم الغامضة، ملعب بلا تخوم - يبدو ذلك - أرضه شديدة الاتساع، اثنتا عشرة ساعة بالطائرة وكأنها فركة كعب بين «منى زكى» و«محمد ممدوح»، المكان الذى تجرى فيه الأحداث الرحبة والشخصيات المنطلقة الرامحة كالفرس العفية على «النجيلة» الممتدة من القاهرة إلى نيويورك، بين الممثلين المصريين من مصر والممثلين المصريين فى أمريكا - لا يوجد ممثلون أجانب أمريكان إلا الشخصيات الهامشية كالشرطى والطبيب وغيرهما - اللعبة حتى الآن مصرية، ولا غريب هنا أو هناك إلا الشيطان نيوتن.
إذا كانت الشخوص مصرية فلماذا تدور الأحداث وتنقسم على مكانين: مصر وأمريكا؟ ألم تكن هناك طريقة أخرى لشرح الغربة وتفسير الوجع؟
لا، لأن المسلسل يتحدث عن مآسي وأهوال الهجرة غير الشرعية، وأمنيات سكان الكون كله إلى النزوح صوب أرض الأحلام الأبدية المسماة بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث ابتدأت المسلسل بحلم مشترك بين منى زكى ومحمد ممدوح للهروب ظنا منهما أنهما سيصلان إلى الجنة، تسافر البطلة وحدها إلى جهنم ويتعثر البطل فى اللحاق بها ليعيش جهنمه وحده داخل منحل العسل المحروق، متورطًا فى جريمة قتل غريبة الشأن، وجديدة على الفعل الدرامى المصرى، حيث يموت أحدهم قتلًا بقَرص النحل، بالتفاف مئات النحل على رأسه، على جلد وجهه وشعره ورقبته بعد أن صب «محمد ممدوح» سائل جذب النحل على القتيل، ميتة غريبة على الدراما التليفزيونية وحتى السينمائية فى مصر وتم إخراجها وتمثيلها وتصويرها ببراعة وحرفية ملحوظة.
بينما تستسلم منى زكى هناك فى أمريكا لقرص نحل له شكل الآدميين، كلاهما البطل والبطلة هنا وهناك يتجرعان مرار العسل ويصرخان من قرص نحلاته الشغالات.
أتخيل أن المسلسل يجسد حكايا الهجرة فى فترة حكم ترامب 2016/2020 وليس بايدن / كمالا، هناك فرق كبير جدًا فى شئون وواقع ومستقبل المهاجرين غير الشرعيين، كانت فترة ترامب أكثر عسفًا وعصفًا، أكثر قسوة وبطشًا، وأتخيل أن المسلسل تم تصويره قبل أن تشهد أحداثه انفراجة كبرى فى قضية الهجرة غير المشروعة إلى أمريكا، فالحدود المكسيكية الأمريكية خلال أربع سنوات ترامب والتى شهدت أبشع أحداث قتل واغتصاب وفصل بين المهاجرين غير الشرعيين وبين وأطفالهم عند الجدار الحدودى الأمريكى والمكسيك، قد تبدل حاله تمامًا وصارت هناك أفواج من آلاف المهاجرين غير الشرعيين - ليس المكسيكيين وحدهم - الذين صار يُسمح لهم بالدخول دون عراقيل، بل مهاجرين من أربعة أرجاء الدنيا يُسمح لهم بالدخول وممارسة الحياة بلا خوف وبلا فصلهم عن أطفالهم، حتى إن الجمهوريين يتهمون الديمقراطيين وعلى رأسهم نائبة الرئيس كمالا هاريس بالتواطؤ وفرض أمر واقع يجرى تنفيذه بتدفق المهاجرين، وبتغيير الهوية الأمريكية عن قصد، الأمر الذى يثقل الميزانية الأمريكية بأعباء لا يتحملها الاقتصاد الأمريكى الذى أنهكته الحروب واقتحام بلادنا وكورونا.
أتخيل أن صراع منى زكى داخل الحدود الأمريكية كمهاجرة غير شرعية تنجب وليداً - إذا أنجبت ولم يتعثر الحمل حسب ما سوف تقوله أحداث المسلسل - على الأرض الأمريكية سيحصل الطفل تلقائيًا على الجنسية، وربما تظل البطلة مُلاحَقة من البوليس حتى يتم طردها أو مساومتها فى الانزلاق لأعمال إرهابية أو منافية للآداب، أو تضطر للاختباء داخل أماكن غير إنسانية، الأحداث التى ستخضع دراميًا لحقبة ترامب، حيث ستتفاقم مأساتها التى ستكشفها لنا الأحداث فى العشرين حلقة القادمة، ربما.