الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هؤلاء من بورسعيد "3" مسعد خضير شيخ الخطاطين المصريين

هؤلاء من بورسعيد "3" مسعد خضير شيخ الخطاطين المصريين

اللغة العربية مهملة من الجميع منذ سنوات، إهمال انعكس بدوره على الخط العربى، زمان كانت بعض مدارس وزارة التربية والتعليم تختص بتعليم الخط العربى، وتمنح شهادات متخصصة فى هذا الشأن، كان الخط أحد أبرز موضوعات مادة اللغة العربية، كما كان واحدًا من أهم معايير شطارة الطلاب، التلميذ النجيب يبان من خطه كما الجواب من عنوانه، والمسابقات تُجْرَى سنويًا بين الطلاب المَهَرَة فى مختلف أشكال الخط العربى، ولعل الأنشطة المتعلقة بوسائل الإيضاح كانت الساحة الرئيسية لاستعراض جمالياته المتفردة، كان خط اليد هو الأساس فى الكتابة، واللغة العربية هى الأساس فى التعليم، فكان الخط العربى حاضرًا بقوة، هو الآن فى خبر كان.



ظهر الخط العربى فى جنوب الجزيرة العربية فى القرن الرابع الميلادى، ثم تطور وازدهر فى القرنين الخامس والسادس الميلاديين فى وسط الجزيرة العربية، قبل أن ينتشر منها إلى شمال الجزيرة العربية عن طريق القوافل التجارية، ويُعْتَقَد أن سادة قريش بشر بن عبدالملك وصهره حرب بن أمية قد قاما بنشر وإدخال الخط العربى فى قبائل مكة قبل مجيء الإسلام، ويحتل فن الخط العربى اليوم مكانة عالمية متقدمة وسط أرقى وأجمل الفنون البصرية، وتتلخص أهم أنواع الخطوط العربية فى خط الثُلُث، الخط الفارسى، الخط الكوفى، الخط الديوانى، خط الرقعة، وخط النسخ وهو الخط المعتمد تاريخيًا فى خطوط الكتب وأبرزها القرآن الكريم.

مسعد خُضير أو خُضير البورسعيدى، هو شيخ الخطاطين المصريين، من مواليد بورسعيد فى 27 أكتوبر سنة 1942، هو الآن على مشارف الـ80 متعه الله بالعمر والصحة، ظهرت موهبته فى الخط العربى وهو طفل عنده ست سنوات على يد شقيقه الأكبر محمد خُضير، من خلال لافتات مناهضة للاستعمار الإنجليزى فى بورسعيد، لعل أشهرها كانت تحمل الصيحة الشهيرة «يسقط الاستعمار»، فاستعان به رجال المقاومة الشعبية فى كتابة الشعارات الوطنية المنددة بالاستعمار على حوائط مختلف شوارع ومبانى المدينة الباسلة، وهو ما وَلَّد داخله الحس الوطنى منذ الصغر، وساعد على نمو وثراء موهبته، وزاده اهتمامًا بتطوير أدواته، حتى استحق وقتها بجدارة لقب «الطفل الخطاط».

مَثَّل العدوان الثلاثى على مدن القناة الإسماعيلية والسويس وبورسعيد سنة 1956، منعطفًا حادًا فى حياة أبناء هذه المدن ومنهم خُضير البورسعيدى، كان عمره 14 عامًا حين اضطر بسبب العدوان لأن يغادر بورسعيد بصحبة أسرته إلى مدينة طنطا؛ حيث شرع فى توثيق معارك الفدائيين فى بورسعيد على جدران المنشآت هناك، وذاع صيته سريعًا حتى إن أصحاب المحلات فى طنطا أقبلوا عليه ليخط لافتات محلاتهم بخطوطه العربية المميزة، فعقد معهم اتفاقًا أن يكتبها مجانًا بشرط أن يشتمل اسم المحل على اسم مدينته الباسلة بورسعيد، أقام خُضير البورسعيدى فى طنطا نحو خمس سنوات، حصل خلالها على دبلوم الخط العربى من مدرسة خطوط طنطا.

بعدها عاد مع أسرته إلى بورسعيد، ليشارك شقيقه ومعلمه الأول محمد خُضير، فى افتتاح المحل الموجود حتى الآن خلف قسم العرب فى بورسعيد، وظل يعمل فيه خطاطًا حتى التحق بالجيش المصرى ليؤدى الخدمة العسكرية والتى انتهى منها عام 1966، ثم هاجر إلى القاهرة حيث حصل على دبلوم التخصص فى الخط العربى من مدرسة خليل أغا، وتعلَّم على يد الأساتذة الكبار محمد حسنى وسيد إبراهيم ومحمد عبدالقادر، وافتتح مقرًا له بحى الجمالية يعمل من خلاله حتى الآن، ويمكن أن نؤكد أن نزوح خُضير البورسعيدى إلى القاهرة، واستقراره بها فى مرحلة مبكرة من عمره، كان بمثابة نقطة التحوُّل فى حياته المهنية.

عن هذه الفترة الانتقالية فى حياته يقول خُضير البورسعيدى: «نلت شهرة واسعة فى بلدى بورسعيد منذ الصغر، وكتبت أغلب لافتاتها بتشجيع جماهيرى كبير، ثم جئت إلى القاهرة سفيرًا لبورسعيد، أحلم بتحقيق الكثير من التقدم والرقى فى مجال الخط العربى، وغيَّرت اسمى من مُسعد خُضير إلى خُضير البورسعيدى اعتزازًا ببلدى، وقد وفقنى الله تعالى وقمت بتمثيلها خير قيام، وأضفت إلى مجال الخط العربى إضافات مهمة، أرجو أن تسهم فى تطوره».. عُين خُضير البورسعيدى بالتليفزيون المصرى لأول مرة وهو مجند فى القوات المسلحة، ثم بعدما أدى خدمته العسكرية عام 1967، تدرج بالمناصب الوظيفية حتى شغل موقع «مدير إدارة الخط العربى» بالتليفزيون المصرى.

سيرة ومسيرة شيخ الخطاطين المصريين مُسعد خُضير ثرية وحافلة، فعلى مستوى خدمة المهنة والعاملين بها، أسَّس أكاديمية الخط العربى، والجمعية المصرية للخط العربى، ونقابة الخطاطين، وأقام العديد من المعارض الفنية الخاصة به فى مصر فى مكتبة الإسكندرية وقاعة بيكاسو فى الزمالك، كما شارك فى العديد من المعارض الدولية منها معرض جماليات الخط العربى ضمن فعاليات بينالى الإسكندرية، ملتقى القاهرة الدولى لفن الخط العربى بقصر الفنون، وملتقى الشارقة الدولى بالإمارات العربية المتحدة، وشارك فى عضوية لجنة تحكيم العديد من المسابقات الدولية أهمها لجنة التحكيم الدولية فى اسطنبول، له إسهامات عديدة فى نشر الخط العربى، وكتب العديد من مقدمات البرامج والمسلسلات التليفزيونية.

حاز خُضير البورسعيدى العديد من الجوائز والتكريمات، فقد رُشِحَ لجائزة الدولة التشجيعية فى مصر عام 1984، وحصل على جائزة الكوفة التقديرية فى الخط العربى من العراق عام 1995، ومُنِحَ الوسام الذهبى لمهرجان كاظمة العالمى بالكويت عام 1996، وجائزة الصين فى الفن الإسلامى فى العام نفسه، كما زاره فى متحف خُضير البورسعيدى بالحسين رئيس دولة المالديف مأمون عبدالقيوم، وكرَّمه كذلك الشيخ سلطان القاسمى حاكم الشارقة عام 2014، خُضير البورسعيدى كرمته أيضًا دار الأوبرا المصرية فى مهرجان الموسيقى العربية السادس عام 1997، كما كرمته وزارة الثقافة فى مهرجان الخط العربى عام 2000، وهذا بخلاف تكريمه من عدد من المحافظات والجامعات المصرية.

خُضير البورسعيدى نسخ القرآن الكريم ست مرات، منها ما كان ليتم عرضه على شاشات التليفزيون، كما شارك فى تشكيل عمارة عدد كبير من المساجد، وكلفته المملكة العربية السعودية فى وقتٍ ما بكتابة الأدعية والآيات القرآنية التى تُزيِّن كسوة وستارة الكعبة المشرفة، وكان قد شارك فى كتابة كسوة مصرية مهداة للكعبة المشرفة ضمن فريق ضم 50 عضوًا بإحدى ورش الجمالية فى القاهرة، ومن أهم إبداعاته الفنية لوحة «البسملة» والتى كتبها فى أربع لوحات بأشكال فنية مختلفة وخطوط متنوعة، هى الخط الديوانى، الخط الثُلُث، الخط الديوانى الجلى المنقط، وأخيرًا حروف مفردة من الخط الثُلُث، ما عدا لفظ الجلالة كتبه فيها بحروفه المتصلة.

مطلع هذا العام 2021، أصدرت مكتبة الإسكندرية كتابًا توثيقيًا وموسوعة فنية تؤرخ لمسيرة خُضير البورسعيدى باعتباره فنانًا عالميًا، قام على هذا الإنجاز لمدة تزيد على ثلاث سنوات الباحث الدكتور محمد حسن؛ حيث ضم 330 صفحة ملونة عرض من خلالها أكثر من 600 تصميم ملون، من ضمن أكثر من 5000 لوحة خطية لخُضير تعجز أكبر الموسوعات عن حصرها، وفى تصديره للكتاب أكد الدكتور مصطفى الفقى على دور خُضير فى تطوير المدرسة المصرية فى الخط العربى، من خلال صياغة فنون مبتكرة، والإبداع فى تشكيل الحروف العربية والتكوينات الهندسية، ليتبوأ الفنان خُضير البورسعيدى مكانة بارزة فى مسيرة الخط العربى فى مصر والعالم أجمع.