الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

روضة رمضان مع وزير الأوقاف "الحلقة الأولى": عودة صلاة التراويح لاتعني التهاون في صحة الناس

عندما تهب نسائم الشهر الكريم نستشعر جميعًا أجواءً لا نشعر بها إلا فى رمضان، ومع بداية الصوم ترقى النفوس وتهفو لسماع ما يرقق القلوب، ويرشدها إلى صحيح الدين بعيدًا عن أى مغالاة أو تشدد كى تحظى بروضة رمضانية تحمل معانى الصفاء والسمو الأخلاقى والمجتمعى.



وفى تلك الروضة تقدم «روزاليوسف» أسبوعيّا حديثًا رمضانيّا من نوع خاص من خلال لقاء أسبوعى مع وزير الأوقاف د. «محمد مختار جمعة» يتحدث خلاله عن حقائق دينية متعلقة بالصوم.. كما يطرح رؤية وسطية فى فهم الدين ومقاصده.. ويجيب خلالها على العديد من الأسئلة المتعلقة بشهر الصوم.

وفى أولى حلقاتنا مع وزير الأوقاف كان لا بُدَّ أن نتحدث سويًا عن التراويح.. والمساجد التى هى بيوت تتزين فى رمضان لاستقبال عُمَّارها.. لكن فى ظل جائحة كورونا وبعد إغلاقها فى رمضان الماضى كان لعودتها فى رمضان هذا العام شوقٌ لكثير من المُصلين، ولذلك توجهنا فى بداية حديثنا مع وزير الأوقاف عن كيفية إدارة المساجد فى ظل هذه الجائحة..

 

 فرد فى حزم قائلاً: «إن متابعة المساجد خلال شهر رمضان أمر لا بُدَّ منه وبشكل يومى، ليس معنى عودة صلاة التراويح هو التهاون فى الإجراءات الاحترازية، ولذلك شكّلنا لجنة برئاسة رئيس القطاع الدينى، وعضوية وكيل الوزارة لشئون الدعوة ووكيل الوزارة لشئون المساجد والقرآن الكريم ووكيل الوزارة للتفتيش والرقابة بالديوان العام وجميع السادة مديرى المديريات ووكلائهم بالمديريات الإقليمية ويرفع رئيس اللجنة تقريرًا يوميًّا عن سير العمل على مستوى الجمهورية.

وعندما سألنا عن هل سيكون للمرأة مكان من عودة صلاة التراويح بالمساجد؟ أجاب بأنه تم اتخاذ قرار بفتح مصليات السيدات بالمساجد الكبرى والجامعة فى صلاة العشاء والتراويح بشرط ملاءمة المكان وتحت إشراف كامل لواعظة أو مشرفة معتمدة من المديرية التابع لها المسجد، مع مراعاة جميع الضوابط الاحترازية، وعدم السماح باصطحاب الأطفال أو أى أطعمة أو مشروبات أيّا كان نوعها على الإطلاق، وعدم قيام الواعظة بإلقاء أى دروس أو خواطر، أمّا الفتح فى جميع الصلوات فلا بُدَّ من توافر الواعظات المشرفات على مدار جميع الصلوات بجدول مسبق معتمد من رئيس القطاع الدينى.

وبالطبع كان لا بُدَّ أن نحدّثه عن عقوبة المخالفة فى صلاة التراويح؛ حيث أوضح أنه عند وجود أى مخالفة سيتم سرعة غلق أى مسجد أو مُصَلى سيدات لا يلتزم بالإجراءات التى تم تحديدها، ولا يتم فتح أى مسجد يتم غلقه نهائيّا إلا بعد موافقة كتابية من رئيس القطاع الدينى. 

وخلال حديثه استوقفنى سؤال عن دعاة مصر خارجيّا فى رمضان، وقبل أن أبادره به قال لى: نحن فى هذا العام أيضًا ورُغم استمرار جائحة كورونا تم إيفاد (27) إمامًا وقارئًا جديدًا خلال شهر رمضان الجارى، وذلك إضافة إلى (121) موفدًا ومعارًا يحيون ليالى شهر رمضان فى (24) دولة، ونحو (2230) من أئمة الوزارة الذين يعملون بمختلف دول العالم كمتعاقدين للعمل بالدعوة أو التدريس، ويسهمون فى إحياء أيام وليالى الشهر الفضيل بالدول التى يعملون بها.

 اغتنام اليوم فى رمضان

ومع تلك الإجابة توقفت عن طرح الأسئلة التى لها علاقة بعمل وزير الأوقاف، وأردت الإبحار معه فى روحانيات الشهر الفضيل فبدأت بالحديث عن أفضل طريقة لقضاء اليوم فى رمضان.

فكان الرد أنه علينا اغتنام شهر رمضان فى الذِّكْر وقراءة القرآن والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم.  فللصلاة والسلام على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فضائل عظيمة ومِنَح جليلة، كما ينبغى اغتنام وقت هذا الشهر الفضيل لما فيه من الفضائل العظيمة، فإن من فاتته الفضائل فى هذا الشهر العظيم فاته خير كثير، وكان على خطر عظيم، فقد صعد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المنبر يومًا فوضع قدمه على الدرجة الأولى فقال: آمين، ثم وضع قدمه على الدرجة الثانية فقال: آمين، ثم وضع قدمه على الدرجة الثالثة فقال: آمين، فلمّا انتهى، سأله الصحابة (رضى الله عنهم) عن ذلك، فقال (صلى الله عليه وسلم) : « أتانى جبريل فقال: يا محمد بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يُغفَر له فأبعده الله، قل آمين، فقلت: آمين، ثم وضعت قدمى على الدرجة الثانية فجاء أخى جبريل فقال: بَعُدَ من أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار، قل آمين، فقلت: آمين، ثم وضعت قدمى على الدرجة الثالثة فجاء أخى جبريل فقال: بَعُدَ مَن ذُكرت عنده فلم يُصلِّ عليك، قل آمين، فقلت آمين، وقال (صلى الله عليه وسلم ) : «الْبخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَلَم يُصَلِّ علَىَّ»»

واستفاض وزير الأوقاف فى حديثه عن فضل الصلاة على النبى فقال: «هناك فضائل عديدة من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، منها رفع الدرجات وحَط الخطايا والسيئات؛ حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَن صلى علىَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه عَشْرَ صلوات وحطت عنه عَشْر خطيئات ورُفعت له عَشْر درجات».. ومنها نَيْلُ رحمة الله (عز وجل) وعميم فضله بكثرةِ الصَّلاة والسَّلام على نبيّنا (صلى الله عليه وسلم).

واستطرد: «إن من فضائل الصلاة على النبى كفاية الهموم ومغفرة الذنوب: فعن أُبَىّ بن كعب (رضى الله عنه) أنه قال: يا رسولَ اللهِ إِنَّى أُكْثِرُ الصلاةَ عليْكَ فكم أجعَلُ لكَ من صلاتِى؟ فقال: «ما شِئْتَ»، قال: قلتُ الربعَ؟ قال: «ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ»، قلتُ: النصفَ؟ قال: «ما شئتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ»، قال: قلْتُ فالثلثينِ؟ قال: «ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ»، قلتُ: أجعلُ لكَ صلاتى كلَّها؟ قـال: «إذًا تُكْفَى همَّكَ ويغفرْ لكَ ذنبُكَ».

 مراتب الصوم

انتقلت بعد ذلك فى الحديث عن مراتب الصوم التى كثيرًا ما يسمع البعض بها ولا يعرفها، فأجاب أن مراتب الصيام ليست على درجة واحدة، فأولها صوم العوام وهو الإمساك عن الطعام والشراب وشهوة الفرج من أذان الفجر إلى أذان المغرب، ومن أدى ذلك فقد أدى الفريضة التى عليه.. أمّا المرتبة الثانية فهى مرتبة الخواص وهى إمساك الجوارح عن المعاصى: إمساك العين عن النظر إلى ما حرم الله، وإمساك الأذن عن سماع ما يغضب الله، وإمساك اللسان عن الغيبة والنميمة، وهكذا فى سائر الجوارح، ذلك أنَّ امرأتينِ صامتَا على عهْدِ رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، فجلسَتْ إحداهما إلى الأُخرى، فجعَلَتا تأْكُلانِ لُحومَ النَّاسِ، فجاء رجُلٌ إلى رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هاهنا امرأتينِ صامَتَا، وقد كادَتا أنْ تموتَا مِن العطشِ، فأعرَضَ عنه رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) -أو سكَتَ-، ثمَّ جاءه بعدَ ذلك -أحسَبُه قال: فى الظَّهيرةِ- فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّهما واللهِ لقد ماتَتا، أو كادَتا أنْ تموتَا، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ائتُونى بهما، فجاءتا، فدعا بعُسٍّ، أو قدَحٍ، فقال لإحداهما: قِى، فقاءت مِن قَيحٍ ودَمٍ وصديدٍ، حتَّى قاءت نِصفَ القدَحِ، وقال للأُخرى : قِى، فقاءت مِن قَيحٍ ودَمٍ وصَديدٍ، حتَّى ملأتِ القدَحَ. ثمَّ قال رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ): «إنَّ هاتينِ صامتَا عمَّا أحَلَّ اللهُ لهما، وأفطَرَتا على ما حرَّمَ اللهُ عليهما؛ جلسَتْ إحداهما إلى الأُخرى، فجعَلَتا تأكُلانِ لُحومَ النَّاسِ».

وأمّا المرتبة الثالثة فهو صوم خواص الخواص، وهى التى تقوم على كف الجوارح والقلب والاجتهاد فى الطاعة، كما عَبّر عنها الإمام أبو حامد الغزالى فى إحيائه حين قال: هى كف القلب عن الهمم الدنية والشواغل الدنيوية والإقبال على الله (عز وجل) بالكلية، فهى تقوم على إخلاص النية وحُسن القصد والاجتهاد فى الطاعة، وهى التى تسمو بصاحبها إلى درجة تحقق التقوى التى هى الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، وأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

ومع الحديث عن مراتب الصوم ورد سؤال فى ذهنى عن قيام البعض بالاحتفال بأيام رمضان بطرُق مختلفة قد يراها البعض مرفوضة، فتوجهت بسؤالى: هل لكل مسلم أن يختار كيفية الاحتفال بالشهر الكريم؟ فأجاب وزير الأوقاف قائلاً: «لطالما انتظرنا وانتظر الناس قدوم هذا الشهر العظيم شهر رمضان المبارك، مؤملين فيه الرحمة والمغفرة، مبتهجين بقدومه معبرين عن ابتهاجهم بطرائق مختلفة، فى أجواء ومظاهر بعضها دينى، وبعضها تراثى، وبعضها شعبى، وللناس فيما يعشقون مذاهب، وقد قالوا: أنت حرٌّ ما لم تضر، أى أن كل إنسان حرٌّ فى تصرفاته ما لم تضر هذه التصرفات بالآخرين.

 شهر الجود والقرآن

عقب ذلك انتقلت مع وزير الأوقاف إلى صفات الشهر الكريم والتى يأتى فى مقدمتها الجود والكرم، فكثير منا يسمع منذ نعومة أظفاره بأن رمضان شهر الخير، فبادرت بسؤاله: كيف نجعل شهر رمضان بيننا شهر خير وسعادة للجميع؟.. وهنا قال د. محمد مختار جمعة: رمضان مثل الضيف الكريم الذى لا يحب البخل ولا البخلاء، فأخص صفات شهر رمضان أنه شهر الجود والكرم والسخاء والتكافل، ولنا فى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة، يقول سيدنا عبدالله بن عباس (رضى الله عنهما): «كانَ رَسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ فى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقَاهُ فى كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» وإذا كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) قد حَثنا على إطعام الطعام فى كل حال فقال (صلى الله عليه وسلم): «ياأَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا بالليل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُواالجَنَّةَ بِسَلامٍ»، فإن إطعام الطعام فى هذا الشهر ألزم وأعلى أجرًا، فمَن فطّر صائمًا غنيًّا أو فقيرًا قريبًا أو صديقًا أو غير قريب ولا صديق فله مثل أجره».

وقبل أن أطرح سؤالاً آخر قال لى وزير الأوقاف: «رمضان كما هو شهر الجود فهو شهر القرآن، فقد جمع الحق (سبحانه وتعالى) فى آية واحدة بين شهر رمضان ونزول القرآن، وكونه هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فقال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ».

واستكمل حديثه قائلاً: «لقد جمع النبى (صلى الله عليه وسلم) بين الصيام والقرآن فى شفاعتهما للعبد يوم القيامة يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ للْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ ربِّ، مَنَعْتُهُ ُالطَّعَامَ وَالشَّهَوَات ِبِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِى فِيهِ، وَيَقُول الْقُرْآنُ: مَنَعْتُه النَّوْم باللَّيْلِ فَشَفِّعْنِى فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ».. وكان جبريل (عليه السلام) يدارس القرآن للنبى (صلى الله عليه وسلم) فى رمضان.

 شهر الأمل

وفى سؤالى الأخير تحدثت مع وزير الأوقاف عن سمة الشهر الفضيل فى كونه شهر الأمل، فأجابنى قائلاً: شهر رمضان شهر عظيم مفعم بالأمل، فيه الحسنات مضاعفة، وفيه تُفتح أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النيران، فحق لباغى الخير أن يقبل، ويشمر عن ساعد الجد والعمل، وحق لباغى الشر أن يقصر. هذا وقد أمّن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على دعاء جبريل (عليه السلام ) إذ قال: «مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَمَاتَ، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ الله، قُلْ: آمِينَ، فقال: آمِينَ».

وهنا أكد وزير الأوقاف أن الإسلام غرس الأمل فى نفوس الناس، من خلال قصص القرآن الكريم، فإبراهيم (عليه السلام) جاءته الملائكة فبشرته بالولد، بعد أن بلغ من الكبر عتيّا، وسيدنا زكريا (عليه السلام) تقدمت به السّن، وضعفت قواه، ووهن عظمه، وكانت امرأته عاقرًا، فلم ييأس ودعا ربه فأجابه.. فإذا كان الإنسان فى ضيق أو فاقة، فليعلم أن خزائن الله ملأى لا تنفد أبدًا، وأن الأيام دول بين عسر ويسر، فغنى اليوم قد يكون فقير الغد، وفقير اليوم قد يكون غنى الغد.

ومع انتهاء حديث د. «محمد مختار جمعة» وزير الأوقاف عن صفات الشهر الكريم نتوقف لنستكمل معًا فى الحلقة المقبلة الحديث عن الشهر الفضيل وفضل الدعاء فيه.. وأهمية العمل للصائم.. ومدى تأثيره على الطاعة.. وحكم من يقصر فى عمله بسبب الصوم.. وكيف يمكن أن نجعل من رمضان فرصة لمراجعة النفس.. وغير ذلك من الأمور التى نبحر من خلالها فى روضة رمضان.