الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
روزا.. نون القوة الخط الأحمر هل يكون السبيل للتخلص من التحرُّش؟

روزا.. نون القوة الخط الأحمر هل يكون السبيل للتخلص من التحرُّش؟

مؤكد أن بهاء وجمال مصر الذى لا يضاهيه مثيل على هذه الأرض والذى عايشنا تفاصيله يوم احتفالية (موكب المومياوات الملكية) هذا السمو فى كل المعانى والتفاصيل.. واستعادة القومية المصرية؛ وأن يشهد العالم أننا أحفاد هذه الحضارة وامتداد لها.. يجعلنا أكثر جرأة فى مواجهة كل قبح انتصارًا لقيم الجمال.. وفى مواجهة كل تخلف انتصارًا لقيم الحضارة.. وأن نحفظ لمجتمعنا هذا المسار من الرقى ونصد فانتازيا التخلف التى تستهويه بين الحين والآخر.



وفى كل زمان ومكان يكون للمجتمعات أمراضها.. الفارق هو مواجهة هذه الأمراض بهدف القضاء عليها.. أو تركها وتجاهلها.. إلى أن تصبح طقسًا ثم يبلغ الخطر مداه عندما تجد من يفسر ويبرر هذا المرض.. ولنكن أدق هذا الجرم لأن حديثنا عن التحرش.

والتحرش أصبح أزمة حقيقية داخل المجتمع.. له مستويات متعددة.. ووسائل متعددة أيضًا.. بداية من النظرة أو اللفظ .. وصولا إلى الاعتداء واستباحة أعراض الناس.

بالمناسبة.. لست من أنصار الفريق الذى يقول إن التحرش موجود فى مجتمعنا فقط.. التحرش موجود فى كل المجتمعات بل وأكثرها تطورًا دون مبالغة.. الفارق هو وجود تطبيق صارم للقانون.. والتطبيق الصارم للقانون لا يعنى فقط وجود النص القانونى.. لأن النصوص موجودة ويمكن تحديثها والعقوبات يمكن تغليظها.. لكن التطبيق يبدأ من الرقابة أولا ووجود الأدوات التى تثبت جريمة تستدعى تطبيق النص القانونى عليها.

لأن الدول الغربية وكل من سمحت له الظروف بالعيش فترة من عمره فى مجتمعات غربية من الوارد بقوة حدوث مثل هذه الجرائم وفى مستويات اجتماعية وثقافية متعددة فى اللحظة التى قد يشعر فيها الفرد أنه بعيد عن رقابة القانون.. ولذلك تُشاهد جرائم متعددة من تحرش بسيدات وبنات وأطفال بل ورجال أيضًا.. نعم يحدث هذا فى الغرب لا تستغرب الطبيعة البشرية إذا غاب القانون والتحضر.. لكن يظل الأصل هو التطبيق الصارم للقانون هناك وليس العكس.. وليس هناك أبعد من قوائم طويلة من نجوم هوليوود ومشاهير وحتى سياسيين غربيين شملتهم هذه الدائرة.

الأمر بالنسبة لنا مركب.. بمعنى أن هناك فكرًا وتيارًا سعى  لخراب  المجتمع.. هذا الفكر الذى سعى للسيطرة على الهوية المصرية طيلة العقود الماضية يتحدث باسم الدين كذبًا وزيفًا.. تشكل المرأة بالنسبة له عنصرًا كاشفًا لفجره .. فسعى دائمًا إلى استباحتها تحت أى مسمى، والتحقير من شأنها وخدمة فى تحقيق هذا الهدف (شلة من المدعين) وصفوا أنفسهم بالدعاة المودرن .. الشباب.. الظهير الكاجوال للفكر الظلامى.

ولكن الأمر لا يتوقف عندهم فقط، وإن كانوا يمثلون دائرة جهنمية وهى إعطاء صك دينى لجريمة إنسانية.. ناهيك عن كشف الواقع لزيف تدليسهم .. لأن هذه الجريمة لم ترحم المحجبة أو المنتقبة أو الطفل أو الطفلة، فسقط عمليًا مبررهم الوضيع بأن المرأة تتحمل المسئولية بسبب ملابسها.

هناك مسئوليات متعددة.. بداية من موجة أفلام خلال العشرين عامًا الماضية.. وضعت (التحرش) فى سياق (كوميدى) وقدمها نجوم يتخذ منهم الشباب قدوة.. وتحديدًا المراهقين.. الذين يتقمصون حالة مطرب الجيل وخفة دمه التى تستميل إعجاب بطلات أفلامه.. أو يتقمصون نمبر وان.. وبلطجته الشبيحة التى تجعل منه سوبر مان فى نظرهم يحقق الثروة والمجد وينتقم وينتصر فى أفلامه.

هذه التركيبة إضافة إلى محددات اجتماعية أخرى كان من الطبيعى أن تنعكس على الموسيقى.. فخرجت أغانى المهرجانات.. وبالمناسبة حققت انتشارًا عالميًا.. لأنها لون موسيقى جديد.. ولكن كان ولايزال اختلافنا معها فى كلماتها وليس فى اللون الموسيقى أو من يغنيها حالها كحال ألوان موسيقية كثيرة.

ولكن سلم المسئوليات لا يقف عند هذا الحد.. دعنا نواجه أنفسنا.. حتى لو كانت المواجهة قاسية.. حتى سنوات قليلة.. كان التحرش جريمة مشينة للضحية وليس للجانى.. تخاف الحديث عنها خوفًا من اتهامها بالفجور .. تخاف من إبلاغ الشرطة.. بل إن هناك من كانت تخشى إبلاغ الشرطة خوفًا من مضايقات قد تتعرض لها.

أضف إلى ذلك تغيرات سمات مجتمع بفعل متغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية جعلت أول من يوجه أصابع الاتهام للمرأة.. واحدة من بنى جنسها امرأة أيضًا ولكن يفصل بينهما فوارق نفسية عززتها هذه المتغيرات.. فتجد من تقول تستاهل وتستحق!!.. وتحت اسم امتلاك الحقيقة والفضيلة ترتكب الكثير من مثل هذه الجرائم.

مؤكد أن هذا المجتمع يختلف عن المجتمع الذى اهتز لواقعة اغتصاب فتاة العتبة مطلع التسعينيات.. زمن السوشيال ميديا وحجم ضخ المعلومات اليومية عليه خلق ذاكرة مجتمعية فوارة تصعد وتنتهى مع التريند.. وقت حادث فتاة العتبة كنت صغيرًا .. ولكنى كنت أطالع بشغف تحقيقات جريدة الأهرام والوفد حول الحادث بعد انتهاء والدى رحمة الله من قراءتها.. فهذه سلطة أبوية أصيلة ربما لا يُدركها جيل لا يستقبل كل صباح بوجود الصحف على عتبة منازلهم.  

أما البعد الآخر وهو لوجستى أمنى.. إذا جاز التعبير.. فإنه لم يتم فرض استخدام الكاميرات فى الشوارع وأمام المحال واستخدامها حتى فى العمارات إلا مؤخرًا.. وكان قرارًا سليمًا للغاية ودعمًا فى فك طلاسم العديد من الجرائم الجنائية فى ظل عبء مهول يقع على عاتق أبطال وزارة الداخلية لحفظ أمن وسلامة الوطن.

مؤخرًا كانت كاميرا منزلية.. كاشفة لجريمة تحرش بشعة بطفلة.. والجانى عكست صفحته الشخصية تبنيه لأفكار كارثية تُحرك الشهوة تجاه الأطفال تحت مسمى إباحة (وطء الصغيرة) وهو ما كتبنا عنه حينها.

فى المقابل.. سمحت السوشيال ميديا بالاغتيال المعنوى تحت مسمى (التحرش) بأن يتم اتهام مشاهير بحكايات مشينة دون تقديم أدلة مع حبكة درامية مستخدمين حروفًا تعكس أسماء المقصودين وسياقًا مشجعًا للتشهير، وهو جرم آخر ولكنه جعل القضية المجتمعية نفسها تتوه فى الزحام .

وفى ظل هذا الزحام التحرش موجود يوميًا فى الشوارع والمواصلات؛ بل وبعض أماكن العمل ولا يقتصر على طبقة اجتماعية دون أخرى أو مجال دون الآخر.. وكأنه طقس اجتماعى!.

تجد أطفالًا دون العاشرة فى الطرقات يلقون بأبشع الألفاظ إذا مرت بجوارهم سيدة.. وتجد مسنًا لا يقل وقاحة.

لن أدخل فى تفسيرات علم النفس ولا الأبعاد الدينية ولا المكون الأخلاقى.. دعنا نتحدث بعملية شديدة للغاية.. وهى تطبيق القانون بشكل صارم،  وإذا سألت أى فتاة فى مصر أو سيدة عن التحرش ستقول: إنه يحتاج إلى (خط أحمر) رادع.. مثل الخطوط الحمراء السياسية التى وضعها الرئيس عبدالفتاح السيسى، التي أوقفت الطامعين والمخرفين عند حدودهم .

السؤال هل نستطيع تحقيق ذلك؟

الإجابة بكل بساطة ووضوح.. نعم.. دون تردد.. لأن هناك نسقًا سياسيًا واضحًا لهذا العصر، جزء مركزى من فلسفته يكمن فى احترام المرأة.. وهذا النسق تحول إلى منهج عمل وإرادة سياسية، نتج عنها حضور غير مسبوق للمرأة فى المشهد السياسى سواء من ناحية التمثيل الوزارى أو النيابى .. أضف إلى ذلك جرأة البرلمان فى تناو ل تشريعات تجريم الختان وزواج القصّر.. فضلا عما تناولته السيدة انتصار السيسى قرينة السيد الرئيس فى حديثها عن استراتيجية تمكين المرأة المصرية، وهو ما يعكس حجم الطموح المصرى، ولهذا القول بـ «إننا نعيش العصر الذهبى للمرأة» هو قول حقيقى.

ولكن هذه الإرادة يجب أن ندعمها بمحاربة كل العناصر التى أدت إلى تفشى هذه الظاهرة.. كل فى موقعه.. لا تكن سلبيًا.. ومؤكد لا تكونى سلبية.. ويجب أن تساعد الدراما فى بناء ثقافة جديدة، لأن هذا الأمر جزء من مهمتها الآن وهو عبء ثقيل.

ويجب أن نتصدى لكل من يبرر مثل هذه الأفعال تحت أى مسمى.. ودائمًا وأبدًا يظل مربط الفرس.. لضبط هذه الظاهرة.. تطبيق القانون.