الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حق الرد عن الشيخ محمد الغزالى: خالف الإخوان.. وتبرأ من أفكارهم.. وعكف على فضح نواياهم

حق الرد عن الشيخ محمد الغزالى: خالف الإخوان.. وتبرأ من أفكارهم.. وعكف على فضح نواياهم

تابعتُ على مدار الأسابيع الماضية حلقات الأستاذ وائل لطفى، التى ينشرها بمجلة «روزاليوسف» من خلال قراءات لعدد من كتبه، والتى منها كتابه المتميز (دعاة عصر السادات)، إلا أنه استوقفنى مقاله الأخير الأسبوع الماضى الذى يتحدث فيه عن الشيخ محمد الغزالى واضعًا عنوانًا لافتًا وهو «الغزالى راعى الإخوان»؛ حيث إن الشيخ كما كان منتميًا للإخوان، إلّا أنه أصبح أيضًا مختلفًا معهم.. وبالحديث مع الأستاذ أحمد الطاهرى رئيس تحرير المجلة طلب منّى كتابة مقال أوضّح  فيه وجهة نظرى وأرصد من خلاله حقائق عن الشيخ محمد الغزالى وعلاقته بالإخوان.



 

بدايةً لا يمكن أن يُعَد الاختلافُ الفكرى الذى قاده الشيخ محمد الغزالى لصالح ما تبنّاه من قناعات دينية فى بعض القضايا دليلاً على انغلاق فكرى للشيخ الغزالى على فكر الإسلاميين أو الإخوان الذى انتمى إليهم «الغزالى» فى فترة من فترات حياته؛ حيث تنوعت أفكارُه وتغيرت بين مرحلتيْن فى حياته.

ومن الإنصاف القول بأن جميع الآراء التى تقال قابلة للنقد والاجتهاد والمناقشة.. وهذا يُعَد من حُرية الرأى التى يجب أن يؤمن بها الجميعُ، فلا يمكن أن نَعتبر رأيًا هو الصحيح لمجرد أنه خرج من عالم دين، كذلك لا يمكن أن نَعتبر رأيًا آخر هو الصحيح لأنه خرج من مثقف أو مَن يحمل كلامه شعارَ التنوير والتحرُّر.

إن النقد أمْرٌ مقبول ولا يمكن أن يرفضه إنسانٌ مُنصفٌ، فضلاً عن كونه معتدلاً وغير متعصب.. لكن لا بُدّ عند النقد أن نشير إلى الإيجابيات كما نشير إلى السلبيات فى حياة أى إنسان، ناهيك عمّا إذا كان هذا الإنسان عالمَ دين أو مفكرًا أو قائدَ رأى.

وعليه؛ كان لا بُدّ فى تلك السطور أن نوضّح عددًا من الحقائق حوْل الشيخ محمد الغزالى الذى يُعد واحدًا من علماء الأزهر الذين احتفت بهم أروقة الأزهر، كى تكتمل الصورة بشكل صحيح.

وفى البداية؛ أودّ توضيح أن الشيخ محمد الغزالى اعتبر فى زمنه من علماء الأزهر الكبار؛ بل تم النظر إليه على أنه أحد دعاة الفكر الإسلامى فى العصر الحديث، وكان من «المناهضين للتشدُّد والغلو فى الدين»، لمَا أظهرَه من حقائق حول فكر الإخوان وخطورته. ولقد كانت نشأة الإمام «الغزالى» نشأة بسيطة؛ حيث نشأ فى إيتاى البارود بمحافظة البحيرة، فى 3 من ذى الحجة 1335هـ، 22 سبتمبر 1917م، واسمه محمد الغزالى أحمد السقا، وتلقّب بـ«الغزالى»؛ لأن والده رأى فى منامه الإمام «أبوحامد الغزالى» وقال له إنه سينجب وَلدًا ونصحه أن يسميه على اسمه «الغزالى» فما كان من الأب إلا أن عمل بما رآه فى منامه.. وهذه القصة تدل على بساطة الأسْرَة التى خرج منها الشيخ «الغزالى»، التى تُعَبّر عن حب فطرى للأسَر المصرية للدين وعلمائه، فجاءت تسمية الشيخ محمد الغزالى، الذى عمل إمامًا وخطيبًا فى مسجد العتبة الخضراء ثم تدرّج فى الوظائف حتى صار مفتشًا فى المساجد، ثم واعظًا بالأزهر ثم وكيلاً لقسم المساجد، ثم مديرًا للمساجد، ثم مديرًا للتدريب فمديرًا للدعوة والإرشاد.

ونتيجة لنجاح الشيخ محمد الغزالى العلمى، وشهرته بالعالم الإسلامى حرص «الإخوان» فى البداية على ترديد انتماء الشيخ لفكرهم.. والآن يحاولون ترسيخ أنه ظل من مشايخهم.. وساعدهم فى ذلك الهجوم المتواصل على «الغزالى» إطلاق البعض عليه بأنه «راعى الإخوان»، رُغْمَ أنه أعلن براءته منهم، بما يعطى الفرصة لتلك الجماعة الادعاء كذبًا بأن «الغزالى» أحد مشايخهم.

الحقيقة؛ أن الشيخ محمد الغزالى انضم فى شبابه إلى جماعة الإخوان؛ حيث جَمعته صداقة بمرشدها الأول حسن البنا الذى بدأ بالعمل الدعوى بصورة كانت لافتة للعلماء فى ذلك الوقت، ومن بينهم الشيخ «الغزالى»، لكن الشيخ «الغزالى» سرعان ما اكتشف حقيقة تلك الجماعة، وهو ما تؤكده الأحداث، ففى عام 1952 نشب خلاف بينه وبين حسن الهضيبى، مرشد جماعة الإخوان المسلمين وقتها، خرج على إثره «الغزالى» من الجماعة.. ولم ينكر «الغزالى» أنه انضم لتلك الجماعة، لكنه بدأ فى كشف زيفها وحقيقتها البعيدة عن صحيح الدين.. الأمْرُ الذى جعل الإخوان يُكَفّرونه فيما بعد، وهو ما يؤكده د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء بقوله: «سمعناهم بآذاننا وهم يُكفّرون الشيخ الغزالى».

ولا يزال كلامُ الشيخ محمد الغزالى عن الإخوان من بين الشهادات التى تكشف فضائح فكر تلك الجماعة، هى شهادة الشيخ محمد الغزالى؛ حيث كان محمد الغزالى عضوًا فى الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان، وعضوًا فى مكتب إرشاد الجماعة خلال عهد المرشد الثانى حسن الهضيبى، قبل أن يستوثق من زيف دعاوى التنظيم، فيُقرّر الانشقاقَ والخروجَ عليه؛ بل كتب أكثرَ من مَرّة مُحذّرًا من الإخوان ومنهجهم.

ولقد وضح موقف «الغزالى» من الإخوان فى كتابه (من معالم الحق فى كفاحنا الإسلامى الحديث)، الذى كشف فيه الكثير من أسرار جماعة الإخوان، مُتهمًا أكبرَ قادة الإخوان وأبرزهم المرشد الثانى للجماعة حسن الهضيبى بأنهم من الماسونيين، وأن المستقبل ربما يكشف هذه الأسرار.

وقال «الغزالى» فى كتابه مُعَلقًا على تولى المستشار حسن الهضيبى لمنصب المرشد: «لقد سمعنا كلامًا كثيرًا عن انتساب عدد من الماسون بينهم حسن الهضيبى المرشد الثانى لجماعة الإخوان نفسه».

وكان الشيخ محمد الغزالى أهم مَن كشف تبنّى تلك الجماعة فكرَ الخوارج؛ حيث قال فى كتابه: «عزّ علىّ أن تتجدّد سياسة الخوارج مَرّةً أخرى، وأن يُلعب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة، فيُلعَن أهل الإيمان ويُترَك أهل الطغيان. وبِمَ؟ باسم أن القائد وبطانته لهم حق السمع والطاعة، بَيْدَ أنّ تعليم هذا الجنون كان أسلوب تربية وتجميع عند بعض الناس! أىُّ إسلامٌ هذا؟ ومَنْ مِنْ علماء الأولين والآخرين أفتى بهذا اللغو؟ وكيف تُلبسون الدينَ هذا الزىّ المنكر؟ وهيهات.. فقد تغلغل هذا الضلال فى نفوس الناشئة؛ حتى سأل بعضهم: هل يظن المسلم نفسه مُسلمًا بعدما خرج من صفوف الجماعة؟!».

وأضاف: «يؤسفنى أن أقول إننى كنت إذا صارحتُ بأن للإخوان أخطاءً، وجدتُ العيون تحمرّ، والوجوه تثبت، وكأنى كفرتُ، إنها عصبية عمياء». وأوضح: «إنه قد تستطيع عصابة من الناس أن تخطف حكمًا بالاغتيال والنسف، أو بالاحتيال والعسف، بَيْدَ أنّ نسبة هذا الحُكم لله حمقٌ كبير».

كما كشفت بعض شهادات كبار العلماء ابتعاد الشيخ محمد الغزالى عن تلك الجماعة المنحرفة، ومن تلك الشهادات يقول الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء: «إن الشيخ محمد الغزالى اعترض على سرية تنظيم الإخوان المسلمين، فقدّم استقالته من الجماعة هو ومَنْ معه، وكان يذهب للمعتقلات ليعظهم ويوضح لهم أخطاءهم».

وأضاف «جمعة»، فى إحدى حلقات برنامج «الله وأعلم»: «إن اعتراض الشيخ الغزالى على سرّية التنظيم جعلت هناك كراهية بين أعضاء الإخوان والشيخ، حتى إنى تقابلت مع قيادى إخوانى بأمريكا وقال لى «الشيخ الغزالى ده أنا أكرهه، فكان يأتينا فى طابور الصباح فى السجون ليقول لنا أننا على ضلال».. مُعَلقًا على «الإخوان» بأنهم أشخاص سمعوا الحق، ولكن لم يفتح الله قلوبهم له، إن بعضهم أسوأ من بعض، وإن كل ما يأتى جيل يلعن الجيل الذى قبله، ويأخذ بالجماعة لمزيد من الانحراف.

فتلك هى الحقيقة التى لا بُدّ أن تكتمل معرفتها لكل مَن يقرأ عن الشيخ محمد الغزالى، ليس دفاعًا عنه فحسب؛ وإنما إظهارٌ للصورة كاملة أمام عين القارئ، حتى لا تتكون صورة ذهنية مخالفة للحقيقة.