الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
قراءة متأنية فى الأسباب والحلول الغارمات السجينات

قراءة متأنية فى الأسباب والحلول الغارمات السجينات

 على مدار سنوات عملى فى العمل الأهلى رصدت مختلف أنواع الأزمات والكوارث التى قد تحل بأسرة ما فتحولها من أسرة مكتفية إلى أسرة محتاجة, وبحثت عن الأسباب التى قد تجعل الأسرة الهادئة المطمئنة أسرة منكوبة, وسعيت نحو إيجاد حلول عملية لما رصدت من مشكلات وأزمات وكوارث, نجحت أحيانًا وأخفقت أحيانًا، لكن من بين أكثر المشكلات والأزمات التى دائمًا ما كانت تشغلنى مشكلة دخول أم السجن بعد أن تستدين لسبب من الأسباب فتأخذ بجانب لقب الأم المعيلة لقبى السجينة والغارمة.



 

لعل أكثر ما يجعل من قضية السجينات الغارمات قضية مجتمعية ذات أولوية كون هذه القضية من المشاكل المزمنة التى تعكر صفو الأمن الأسرى والاجتماعى.

وفى معرض حديثنا عن قضية السجينات الغارمات وصولاً لهدفنا فى وضع منظومة حلول مرنة من شأنها القضاء ولو بشكل مرحلى على هذه القضية ليسمح لى قارئى العزيز أن نبحر باحثين عن إجابات لعدد من التساؤلات ، منها كم عدد السجينات الغارمات فى مصر؟ هل التشريعات الحالية تفاقم من مشكلة السجينات الغارمات أم تحد منها؟ ما دور المجتمع المدنى فى مواجهة الأزمة وموقع هذه المؤسسات داخل منظومة الحلول المقترحة؟ ما موقف الدين من هذه القضية وكيف عالجها؟ ما أهم الحلول المقترحة ومدى جدواها؟

وعندما نبحث عن إجابة لأول التساؤلات المطروحة وهو كم عدد السجينات الغارمات فى مصر؟ نجد أن الأرقام المعلنة متضاربة فأعداد الغارمات المسجونات على ذمة قضايا الشيكات والتوقيع على إيصالات أمانة كضامنات لآخرين من أفراد الأسرة وبحسب جمعية رعاية أطفال السجينات يصل إلى 30 ألف سجينة غارمة، وهو ما يمثل ما نسبته ما بين 20 - 25 فى المائة من السجناء فى مصر. الأرقام السابقة لا تنفى حقيقة أنه لا توجد إحصائية دقيقة بأعداد الغارمين فى مصر، فى ظل دخول غارمين جدد إلى السجن بشكل يومى، وانتشار هذه الظاهرة فى المحافظات الأكثر فقرًا، التى تشهد تحايل بعض التجار ‏على القانون، وإجبار الفقراء المدانين لهم على توقيع إيصالات أمانة «على بياض»، ليتحول الدين إلى قضية جناية، تستوجب عقوبة السجن وفقًا للقانون.‏

وما فاقم مشكلة السجينات وأعدادهن مؤخرًا انتشار فيروس كورونا ومخاطر فقد الكثير من الأسر لمصدر دخلها، وكذلك ما أشارت إليه الإحصاءات من أن أكثر من %90 من السجينات الغارمات تكون السيدة المحكوم عليها ضامنة لزوجها، ما يعنى سجنًا عائليًا للأسرة ودفع الأطفال إلى التشرد والحياة بلا عائل، ما حول الأمر إلى أزمة كبرى ‏كفيلة بتدمير الأبناء وانحرافهم.

ومن المهم هنا ونحن نتحدث عن قضية اجتماعية خطيرة مثل الغارمات السجينات أن نبحث عن المبادرات الفاعلة وعن دور المجتمع المدنى فى مواجهة الأزمة ونتساءل عن موقع هذه المؤسسات داخل منظومة الحلول المقترحة؟ ومن نافلة القول التأكيد على أهمية وحيوية وفاعلية مبادرة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى «سجون بلا غارمين» والتى استهدفت فك كرب الغارمات وسداد مديونياتهن، من خلال 42 مليون جنيه تم رصدها من أموال صندوق تحيا مصر دعمًا للمبادرة وحفاظًا على كيان الأسرة، فضلاً عن صندوق تحيا مصر شارك فى اللجنة الوطنية لرعاية الغارمات ونجح فى فك كرب أكثر من 6000 غارم وغارمة.

 وبحسب جمعية «أبناء السجينات»، فقد ساهمت الجمعية على مدار 13 سنة بين عامى 2007 و2020 فى فك كرب 1500 غارمة.

وبحسب مؤسسة مصر الخير، قامت المؤسسة بفك أسر 80 ألف غارمة خلال 11 سنة ماضية، وستركز المؤسسة هذا العام على سداد ديون 10 آلاف غارم وغارمة وستعمل على التمكين الاقتصادى للأشخاص الخارجين من السجن وإن حملة «خلاويص لسة»، التى أطلقتها المؤسسة هدفها مساعدة 2000 أم غارمة، ويشارك فيها فنانون ورياضيون وإعلاميون، وتلقى الحملة رواجًا كبيرًا، وستدعم السيدات الغارمات بعد خروجهن من السجن من أجل لم شمل الأسرة.

بيت الزكاة والصدقات المصرى، أعلن من جانبه عن الاتفاق مع النيابة العامة على الآلية التى سيتخذها للإفراج عن الغارمين والغارمات، وعددهم 200 حالة، ورصد المبالغ اللازمة للإفراج عنهم، وتقدر بـ3.5 مليون جنيه، كدفعة أولى.

وسؤالنا الرابع الذى طرحناه ومفاده ما موقف الدين من هذه القضية وكيف عالجها؟ نجد أن إجابته تكمن فى أن الشرع الحكيم جفف منابع الاستدانة والغرم بتخصيص مورد من موارد الزكاة لسداد الدين، وأستشهد هنا بما قاله الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن الله تعالى يوضح مصارف ومستحقى الزكاة فى قوله «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم»، وذكر فيها الغارمين وهم كل من أحاطت الديون بأموالهم وعجزوا عن سدادها. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه فى الدنيا والآخرة ومن ستر مسلمًا ستره الله فى الدنيا والآخرة والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه»، مؤكدًا أن تفريج الكروب من أعلى القربات.

كما أوصى الدكتور عمرو الوردانى - أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بوضع استراتيجية لبحوث الكفالة والمهمشين باعتبارهم جزءًا أصيلاً من المجتمع، ما يضمن استمرار واستدامة الدعم لهم، بالإضافة إلى إدراج بعض الشرائح لعينة البحث مثل المطلقين والمختلعات، وأخيرًا الحاجة إلى تكريس التوازن بين الذاتية والموضوعية فى البعد القضائى من خلال مراعاة الظروف المخففة عند تقدير العقوبة الجنائية للغارمين.

ما سبق يوصلنا دفعًا للإجابة عن التساؤل الأخير الذى طرحناه وهو: ما أهم الحلول المقترحة ومدى جدواها؟ والباحث عن جدوى الكتابة وإثارة القضية للرأى العام يجد أنه إذا ما علمنا أنه قبل سنوات من الآن كان الجميع يعتقد أنه لا يمكن إنقاذ الغارمة من الحبس بعد صدور حكم المحكمة إلا أن تفجير القضية أحدث تغيرًا فى المشهد، وهنا لا بد أن نأخذ على محمل الجد ما أوصى به مركز البحوث الجنائية والاجتماعية التابع لوزارة التضامن الاجتماعى، بإقرار عقوبات بديلة عن السجن فى قضايا الغارمين، وكذلك تخصيص مؤسسات عقابية للغارمين بدلًا من السجون يقوم فيها الغارمون بتعلم بعض الحرف والصناعات اليدوية والعمل بها لتسديد ديونهم، إلى جانب تفعيل دور الإعلام فى التوعية بعدم الانسياق وراء الأنماط الاستهلاكية لتخفيف العبء المادى عن الأسرة، ودراسة الخصائص النفسية والاجتماعية والاقتصادية للغارمين خاصة الفئات الأكثر هشاشة مثل: المرأة فى العشوائيات وأهمية التفريق بين الإيصال التجارى والعادى واقتراح وجود شركة قابضة يشترون منها ويحاولون أن يسددوا بالتقسيط، وفى حالة العجز يحاول المجتمع المدنى التدخل لسدها.

وأضم صوتى للأصوات المطالبة بضرورة مراجعة القوانين المتعلقة بسجينات الفقر وأطفال السجينات وأهمها: تعديل المادة الخاصة بإيصال الأمانة فى القانون المصرى، وهى المادة 341 من قانون العقوبات، التى أصبحت سيفًا مسلطًا على رقاب الفقراء. وقد انتشر التعامل به فى المناطق العشوائية لدرجة أنه أصبح بديلاً عن عقد إيجار الشقق، كذلك شطب السابقة الأولى التى تسجن فيها المرأة بسبب إيصال الأمانة من صحيفتها الجنائية، حتى لا تقف عائقًا أمام بدء حياة جديدة، وإجراء تعديل على قانون الإجراءات الجنائية بحيث يتم تأجيل تنفيذ الحكم على المحكوم عليها حتى تلد ويكمل رضيعها عامين، ثم تطبق العقوبة، وذلك حماية للطفل ورحمة بالأم، كذلك تفعيل مادة فى القانون تنص على جواز تأجيل تنفيذ الحكم على أحد الأبوين، إذا كانا محكومين فى نفس القضية، فى حالة وجود أطفال قُصّر، ثم تنفيذ الحكم على الثانى بعد انتهاء الأول من العقوبة.  

ومن المهم دراسة استبدال عقوبة أخرى بعقوبة الحبس ‏للغارمات والغارمين على أن تكون عقوبة الغرم هى القيام بخدمة اجتماعية مدفوعة الأجر بشكل رمزى، يؤديها الغارم أو الغارمة لمدة محددة، بحيث ينقسم الأجر إلى جزء لسداد الدين وآخر ‏يورد لخزينة الدولة، معتبرين أن هذه العقوبة ستسهم فى محو عار السجن والحبس عن الغارمين وأسرهم، من الذين يعانون من العقوبات القانونية المعتادة التى تزيد أوضاعهم سوءًا. 

ولعلى لن أجد أهم وأقيم فى ختام مقالى هذا بحثًا عن حلول لهذه المشكلة الخطيرة من دعمى وتأييدى المطلق لما أعلنه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية فى احتفالية تكريم الأمهات المصريات قبل أيام، فقد أطلق سيادته خلال الاحتفالية مبادرة تعمل على خروج جميع الغارمات، وتم تكليف وزارة المالية بالتنفيذ، كذلك دعوة مجلس النواب لمراجعة القوانين المنظمة وإجراء حوار مجتمعى ودعوة الأزهر الشريف والمجتمع المدنى فى تغيير ثقافة المغالاة فى تجهيز الفتيات فى الريف المصرى والبساطة وعدم المغالاة فى التجهيز، ما يستدعى استدانة الأم وتحويلها لغارمة.