الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
تاريخ جديد يُكتب فى مصر.. ماذا يعنى إعلان الجمهورية المصرية الثانية؟

تاريخ جديد يُكتب فى مصر.. ماذا يعنى إعلان الجمهورية المصرية الثانية؟

ندوات القوات المسلحة التثقيفية.. رسالة الشهداء إلى المجتمع ووضعه أمام حقيقة المعركة التى تخوضها مصر



 

لن ندفن رءوسنا فى الرمال.. طفلة المعادى ضحية من أباحوا «وطء» الصغيرة

 

فى منتصف الأسبوع الماضى وبين نهاية مساء الاثنين حتى ظهيرة الثلاثاء.. حضرتْ تناقضاتٌ عدّة.. حَضر التضادُّ مُجردًا يبرز كل المعانى ويُظهرها ويجعلها واضحة وضوح الشمس.. الخير والشر.. الملائكية وشياطين الإنس.. الجنة والنار.. الفخر والعار.. الأبيض والأسود معًا بلا مساحات رمادية مُربكة.

عادتى هى النوم المبكر واستقبال الصباح فى ساعات براءته الأولى.. الفَجرُ هو لحظة استنشاق هواء الحلم.. وفى فَجر الثلاثاء, وبينما كنت أتأهب لحضور ندوة القوات المسلحة التثقيفية رقم (33) بمناسبة الاحتفال بيوم الشهيد والمحارب القديم، التى شَرَّفَها بالحضور السيد رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى».. وبينما كنت أتصفح مواقع التواصُل الاجتماعى وأستمع إلى ما تيسر من أخبار أفزعنى فيديو انتهاك براءة طفلة وهتك إنسانيتنا جميعًا على يد حُثالة بشرية تعريفه الاصطلاحى «مُتحرش».

استقبلتُ الصدمةَ وذهبتُ حيث يكرم الرئيسُ أسيادَنا الشهداء ويضع الأمَّة المصرية كلها أمام المسئولية.. مسئولية الحفاظ على وطن بحجم مصر.. مسئولية الانتباه إلى الثمَن المدفوع من دماء أغلى أبناء مصر للحفاظ على تراب هذا البلد العظيم طاهرًا من كل دَنَس وكيف يشكل تاريخ هذه الأمّة الأبيّة حلقات متصلة من الفداء والتضحية، وأن هناك من قدّم حياته لكى يهبنا الحياةَ، وهنا امتدت مظلة الكبرياء المصرى إلى أبناء (الجيش الأبيض) أبطال الأطقم الطبية المصرية الذين خاضوا مَلحمة حقيقية فى مكافحة جائحة «كورونا».

كنتُ أستمع بين جنبات قاعة مؤتمرات مركز المنارة إلى أصوات لا تضلها تُعبر عن دموع صادقة عَجَزَ الرجال عن كتمانها مع كل لحظة إنسانية بين الرئيس «السيسى» وأبناء وأسَر (أسيادنا الشهداء) الذين تُركوا أمانة فى أعناق كل مصرى.

دموع الرجال غالية.. ولكنها ليست أغلى من جلال المَشهد الذى تداخلت فيه كل معانى النُّبْل الإنسانى المصرى.. هذا النُّبْل الذى شيّد (مصر) التى عَلّمَتْ العالمَ معنى الدولة وقيمة الإنسان وأن الإنسان هو مَصدر الحضارة وأن الحضارة تَعرف مستقرها وأرضها مَهما تبدّلت أحوال أهلها.. كان الاندفاع إلى (نادى البكاء الصامت) منطقيًا، ولكن كان طيف فيديو (طفلة المعادى) يمر أمامى مُذَكّرًا أن على هذه الأرض الطيبة أيضًا نبتًا خبيثًا يستدعى اجتثاثه.

وبحكمة القائد.. لم يترك الرئيس «عبدالفتاح السيسى» الروح المعنوية للشعب المصرى دون دفعها إلى أسمَى قمم الطموح مُعلنًا أن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة هذا العام بمثابة إعلان (الجمهورية الثانية).

هذا الإعلان السياسى يستحق التوقف أمامه.. وقراءته؛ ذلك لأن الرئيس «السيسى» ينتقى كلماته ومصطلحاته بعناية بالغة، ويكفيك أن تستدعى العديد من العبارات التى وصف بها الشأن المصرى من بينها (امتلاك القدرة)..(التثبيت المؤسَّسى).. (تحدِّى التحدِّى).. (معركة البناء والبقاء).. حقوق الإنسان تبدأ من (الحق فى الحياة).

فضلاً عن العديد من الوعود.. و«السيسى» إذا وَعَدَ صَدَقَ وَعْده.. بداية من خطاب التنصيب فى الفترة الرئاسية الأولى عندما وعد الأمّة كلها بأننا سنرَى (عزفًا جديدًا للدولة المصرية)، وكلنا عايشنا التحديث الشامل الذى جرَى على كل بقعة فى أرض مصر.. ووعده بإنجاز قناة السويس الجديدة خلال عام واحد وقد كان.. ووعده بنجدة أجساد المصريين من فيروس (سى) وقد حدث.. ووعده بمحو معايرة المصريين بفقرهم ومواجهة أزمة العشوائيات وقد واجه.. ووعده بانتهاء قوائم انتظار المرضى وتدخّل لنجدتهم وأوقف مرار انتظار الرحمة.. ووعده بحياة كريمة وتغيير وجه الحياة فى قرى مصر المتعطشة لحضور الاهتمام بها وما أدراك عن وجع الحياة هناك، وهاهو يدشن مَلحمة (حياة كريمة) والعمل لا يتوقف على مدار الساعة لإنجاز أحد أعظم المشاريع القومية فى تاريخ مصر.. ووعده بأن مصر لكل المصريين لا فَرق فيها بين مسلم ومسيحى، وكلنا رأينا أنه ضرَبَ القدوة والمَثل بتلاحم النسيج الوطنى المصرى وإطلاقه لحرية الاعتقاد كحق إنسانى ومبدأ دستورى مصرى، ولا يوجد تجمُّع عمرانى جديد إلا ويدرك فى تخطيطه وجود كنيسة ومسجد، وفى العاصمة الإدارية كان تشييد أكبر كاتدرائية فى الشرق.. ووعده بتمكين الشباب وقد أصبح أمرًا واقعًا فى كل مناحى الحياة داخل مصر.. ووعده بتمكين المرأة المصرية وكلنا نشهد الآن أكبر تمثيل وزارى ونيابى للمرأة المصرية.. حتى فى الجدل المجتمعى المُثار حول تعديلات قانون الأحوال الشخصية بينما لم تنته مداولات البرلمان حول الرؤية النهائية للقانون.. تأتى الثقة فى وَعْدِ الرئيس بأنه لن يُوَقِّعَ على قانون غير مُنصف للنساء.. وفى ملف مياه النيل الذى يشكل تحديًا وجوديًا لمصر كلما تَعَقّد المَشهد نتذكر وعدَه للمصريين (ماضيعتكومش قبل كده علشان أضيعكم تانى).

حديث الرئيس فى الندوة التثقيفية جاء بعد أيام قليلة من زيارته التاريخية للسودان، وهى الزيارة التى دشنت مَرحلة جديدة بين القاهرة والخرطوم، ومن هناك أعلن الرئيس أننا شعب واحد وأن السودان بلده الثانى، وهى الزيارة التى تقرأ عنها فى هذا العدد مقالات من (أبناء النيل) لكُتّاب من السودان الشقيق اختصوا بها «روزاليوسف» يكتب الأستاذ «عمار فتحى شيلا» الصحفى والإعلامى الكبير ومدير مكتب الرأى العام السودانية الأسبق لدى القاهرة، وهو من أبناء جامعة القاهرة وكان جزءًا من الحركة الطلابية بداخلها يَعرف مصر وأهلها حق المعرفة، ومن المناسب الآن أن أوثق جميلاً قدّمه لى قبل عشرين عامًا عندما منحنى فرصة التدريب الصحفى فى الجريدة السودانية، وكنت حينها طالبًا جامعيًا قبل أن تفتح لى «روزاليوسف» أبوابَها، وأول مهمة عمل خارجية لى كانت فى السودان، وهناك احتفى بى الزميل النبيل وقدّمنى إلى الوسط الصحفى والسياسى السودانى.. كما يكتب الكاتب والصحفى السياسى المخضرم «المثنى الفحل»، وقد تشرفتُ بزمالة الأستاذ «مثنى» قبل عشر سنوات عندما كنت ممثلاً لمصر فى برنامج القيادة للزائر الدولى بالولايات المتحدة، وكان هو ممثلاً للسودان الحبيب، وهناك كنا نتعرّف على طبيعة العمل الإعلامى فى كبرى المؤسَّسات الإعلامية والصحف والمدارس الصحفية، وكان نداؤنا المشترك بـ (ابن النيل). 

زيارة الرئيس «السيسى» إلى الخرطوم والتلاحم «المصرى- السودانى» فى لحظة مصيرية يمكن القول أنها غيّرت قواعد اللعبة إلى حد بعيد إزاء التعنت الإثيوبى الذى لايزال مستمرًا حتى كتابة هذه السطور.. والأيام المقبلة فى هذا الملف محورية بالنسبة لمستقبل الأمن والسلم للمنطقة كلها ومن خلفه الأمن والسلم الدولى، وهو البند الذى يسجله مجلس الأمن الدولى فى معالجة الملف، ولايزال أمام القاهرة والخرطوم الكثير من الوسائل والأدوات بإرادة مشتركة وقرار واضح بأنه لن يُفرض عليهما سياسة الأمر الواقع.

إعلان الرئيس عن (الجمهورية المصرية الثانية) يأتى فى سياقه بكل أدبيات السياسة، بمعنى.. أن الجمهورية الأولى التى تأسَّسَت مع ثورة يوليو 1952 مرّت بتقاطع تاريخى فى يناير 2011 وتمت إعادة المَسار الوطنى إلى سياقه مع ثورة 30 يونيو العظيمة.. كان ولايزال حجم التحدّى يستدعى عزفًا مختلفًا للدولة المصرية.. عزفًا يقترب مع الحالة الفرنسية بتأسيس ديجول للجمهورية الخامسة إذا جاز التعبير والتشبيه التاريخى.. بمعنى أن أركان النظام الجمهورى ممتدة بين الجمهورية الأولى والثانية.. وأن التحديث المستمر للقوات المسلحة وامتلاكها الدائم للقدرة هى أساس الاستقلال والسيادة الوطنية، وأن الدولة الوطنية الراسخة هى دولة المؤسَّسات.. كما تتشابه الجمهورية الأولى مع الجمهورية الثانية فى النظرة الشاملة لمفهوم الأمن القومى المصرى.. ولكن أدبيات العصر اختلفت، ومصر الآن تدخل عصرَها بمشروعها الوطنى الحديث المستوعب لجميع المتغيرات الاستراتيجية للإقليم.. وبالتالى تودّع مصرُ نسقَ الدولة المتفاعلة لحظيًا مع تحدياتها وتنتقل إلى مَرحلة دولة التخطيط الاستراتيجى بعيد المدَى فى جميع المجالات.. بمعنى أن كل قادم يكمل ما أنجزه مَن سبقه فى كل المواقع، وكلاهما يمضى وفْق تخطيط الدولة الذى تم إعداده.. ومن الطبيعى أن تكون بداية العمل فى العاصمة الإدارية الجديدة هى موعد إعلان دخول مصر عصر الجمهورية الثانية، وأن كل ما سبق من إنجاز كان بمثابة إعداد الدولة للانتقال إلى هذه المَرحلة.. ذلك لأن العاصمة الإدارية ليست مجرد مبانٍ حديثة وعصرية، ولكنها عنوانٌ للتحديث الشامل للدولة المصرية، فهى الأرض المحفوظ تحتها بعمق (14 مترًا) عقل الدولة المصرية الذى يضم جميع قواعد البيانات الخاصة بالدولة والخوادم الإلكترونية الخاصة بالوزارات والهيئات والخدمات التى تقدمها الحكومة.. أضف إلى كل ذلك أن الجمهورية الثانية تستند إلى عَقد اجتماعى جديد أنتجته ثورة 30 يونيو واستقر بعد تولى الرئيس «عبدالفتاح السيسى» المسئولية.. عقد اجتماعى يختلف عن أدوات العقد الاجتماعى لثورة يوليو الذى كان ينبغى تحديثه بعد نكسة يونيو 1967 فى تحديد العلاقة والمسئوليات المشتركة بين الدولة والشعب.. العقد الاجتماعى الجديد الآن يستند إلى فلسفة المشاركة بما يتسق مع تحقيق أهداف الدستور المصرى الطموحة.  

انتهت الندوة التثقيفية بكل ما حملته من معانٍ وطنية وإنسانية وأمل فى غد يليق باسم مصر، وقد حققت هدفَها بإعادة ضبط البوصلة المجتمعية نحو الأهداف الوطنية الثابتة بعيدًا عن تشويش مستمر يقوم به خصوم هذا البلد العظيم تجاه عقول المصريين.. وكانت أبعاد فيديو (طفلة المعادى) بدأت فى التعاقب بأنباء متوالية ومعها ظهرت اتجاهات الرأى العام وجميعها لها سياقها ومنطقها.. البعض ذهب إلى الشق الجنائى والعقابى وأهمية تغليظ عقوبة مثل هذه الجرائم البشعة.. البعض الآخر ضمّها إلى كارثة (التحرّش) بكل أشكاله وتبارَى فى الرد على مَن يبررها بحجج وضيعة تعكس انحطاط أصحابها.. وهناك من ذهب إلى الأبعاد النفسية فى مثل تلك الجرائم.. ومع تفحُّص صفحة (المتحرّش) على مواقع التواصُل الاجتماعى وبزوغ هوية دينية زائفة هناك مَن تعامل مع المسألة من زاوية الرياء الاجتماعى.. ثم تمادَى الفحص فظهر ما كان يدونه (المتحرّش) من كتابات مؤيدة لجماعة الإخوان الإرهابية، وبالتالى اتجه نحو البُعد الأخلاقى الوضيع للجماعة الإرهابية.

كل هذه الاعتبارات لا تنفصل.. ولكن بالنسبة لى كان الأمْرُ فى مُلخصه أن المسألة أبعد.. عند فحص تكوين عقل هذا الشخص كما عكسته صفحته الشخصية ستجده من هؤلاء المتبعين لأبواق التطرف والجهل بالدين والذين ينعتون كذبًا باسم مشايخ.. وعندما تنظر إلى المفاهيم التى يَعتقد بها هؤلاء ستعرف أن (طفلة المعادى) كانت ضحية هذا الفكر الملوث وما يتضمنه من بشاعة.. الفكر الذى يبيح وطء الصغيرة والمداعبة الجنسية للرضيعة والاستمتاع بها، ومثل هذه الأفعال حق لهم.. ويستندون فى جُرمهم إلى تخاريف يسمونها تراثًا ويدّعون نسبَها إلى الدين الحنيف الذى أعز الإنسانية، بينما إجرامُهم يباشر فى حق البشر بلا رحمة باسم الدين.. وهنا تذكرتُ مساعى جماعة الإخوان الإرهابية فى عام حُكمهم الأسود لمصر بتمرير تشريعات تبيح هذا الإجرام.

واستدعيتُ جرأة وشجاعة الرئيس «السيسى» عندما واجه الأمّة الإسلامية كلها بالحقيقة قائلاً: «إننا بحاجة إلى ثورة دينية تُخَلص الإسلام من التطرف»، وأن هناك مَن يقدس أفكارًا تعادى الإنسانية وتعادى الدنيا كلها.. وهى الدعوة التى يتعمد البعض مقاومتها وممانعتها بحجة الحفاظ على الدين!.. ويستخفون من عقولنا وأرواحنا ومستقبل شعبنا ويقولون مالكم ومال الدين.. اتركوا الدين لأهل الدين!

وكأن الدين شأنهم وحدهم.. حادث (طفلة المعادى) يجعلنا نقولها بأعلى صوت.. لتكن ثورة دينية من أجل أطفالنا من أجل مجتمعنا.. ولن ندفن رءوسنا فى الرمال.

.. غضب المجتمع.. تحركت وزارة الداخلية وألقت قوات الأمن القبض على المجرم فى غضون 24 ساعة.. ثم وجهت النيابة العامة له تهمتى الخطف وهتك العرض.. وبذلك تكون دولة القانون أنهت مهمتها بعرض المتهم على القضاء وصدور الحكم المنتظر ليكتب كلمة النهاية لهذه الحادثة.. ولكن يبقى لنا فكرًا خبيثًا لا يجد له موقعا بين البشر إلا فى عقول المتطرفين الذين يحسبون الجهل دينا وهذا الخطر علينا مواجته.

سنمضى إلى الجمهورية الثانية ونحن أحرار مرفوعى الرأس بمجتمع مستنير لا عودة فيه إلى أفكار همجية يحسبها الجهلاءُ تراثًا.. وإن دفعنا حياتنا ثمنًا فى مواجهة الظلام.. لن يكون أغلى من دماء أجمل وأعظم أبناء مصر لكى يهبوا الحياة لأهلها.. دم الشهداء دَيْنٌ فى رقبتنا بالحفاظ على هذا الوطن.. ووصيّتهم نقشت على جبين كل مصرى فى كل المواقع.. سلام على الأرض والشهداء.. و(للحديث بقية).