الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من الذى قتل مالكوم إكس؟!

يمتلئ التاريخ بقصص الاغتيالات الغامضة، وتمتلئ المنصات بالأفلام والمسلسلات الوثائقية التى تبحث فى ألغاز بعض تلك الاغتيالات، وتحاول الكشف عن مرتكبيها، وفى الغالب يكون البحث بلا جدوى، ويظل الغموض هو سيد الموقف ويبقى «البازل» ناقصًا دون اكتمال.



لكن – وعلى غير العادة – تأتى الحلقات الوثائقية (من الذى قتل مالكوم إكس؟) التى تعرض على منصة «نتفليكس» لتحطم القاعدة المعهودة، وتقدم نموذجًا لما يجب أن يكون عليه البحث والتدقيق والتحليل والوصول لنتيجة صحيحة، فالحلقات الست التى تصل مدتها لما يقرب من أربع ساعات تسجل جزءًا شديد الأهمية من رحلة الباحث «عبدالرحمن محمد» – أمريكى أسود، اختار منذ ثلاثين عامًا أن يخوض رحلة صعبة فى طريق وعر يملؤه الارتباك والتشوش والزيف، رحلة حاول من خلالها أن يكشف عن قتلة واحد من أهم المناضلين فى التاريخ، «مالكوم إكس» ذاك الأمريكى الأسود المسلم، الذى حاول أن يصحح مسار التاريخ بدفاعه عن حقوق السود فى أمريكا والذى اتهم بأنه يدعو ويحرض فى خطاباته على العنف، بينما ما شهده التاريخ حتى وقت قريب يؤكد أن حدة دعوات وخطابات «إكس» ليست أكثر من عود ثقاب مقارنة ببراكين العنف والقسوة التى تعرض لها السود، وكان أحدثها واقعة مقتل المواطن الأسود «جورج فلويد» والتى أدت لمظاهرات عاتية اجتاحت جميع أرجاء الولايات المتحدة لأسابيع.

فى 21 فبراير 1965، وأثناء إلقاء «مالكوم إكس» لخطاب فى قاعة «أودبون» بمدينة نيويورك، نشبت مشاجرة مفتعلة بين اثنين من الحاضرين، ثم اندفع ثلاثة مسلحين وأطلقوا عليه وابلاً من الرصاص، ما أدى لمصرعه فى الحال. تم القبض على واحد من الثلاثة الذين أطلقوا الرصاص، ونتيجة بعض التحريات «الخائبة» تم القبض على اثنين آخرين.

لماذا وصفنا التحريات بأنها «خائبة» لأن ما فعله الباحث «عبدالرحمن محمد» وسجلته حلقات (من الذى قتل مالكوم إكس؟) هو تفنيد الحقائق وتحليلها والكشف عن المزيد منها حول القتلة الحقيقيين، والأكثر أن «عبدالرحمن» حاول الوصول إليهم. وهو ما لم تفعله المباحث الفيدرالية التى يشير الفيلم إلى تورطها أو على الأقل تواطئها فى مقتل «إكس»، طبعًا بجانب الاتهام الأساسى لمنظمة الأمة الإسلامية وزعيمها «اليجا محمد» الذى كان على خلاف شديد مع «إكس» بعد أن انقلب الأخير عليه وعلى المنظمة كلها.

نتتبع مع «عبدالرحمن» خيوط المؤامرة التى دبرت لقتل «إكس» والتقصير المتعمد للتحقيقات والمحاكمة الهزلية التى جرت لرجلين اتهما بارتكاب الجريمة، ليموت أحدهما بداخل السجن ويخرج الثانى بعد عشرين عامًا تقريبًا، ليواجه ظلمًا أعنف من المجتمع خاصة من قبل أبنائه وأحفاده الذين قرروا ألا يقتربوا منه، ليعيش بقية حياته منبوذًا.. وهو أمر لا يقل أهمية عن الكشف الحقيقى الذى وصل إليه «عبدالرحمن» لمرتكب الجريمة الفعلى، صاحب الطلقات التى أنهت حياة «إكس»، وهو رجل ذو تاريخ إجرامى تواجد فى مسرح الجريمة، ولم ينتبه إليه أحد، دخل السجن بعد الاغتيال لأسباب أخرى وخرج منه ليصبح مصلحًا اجتماعيًا وأحد أعمدة مدينة نيوآرك، رجل يعتبره الناس ملهمًا وأبًا روحيًا للشباب، رغم أن أغلبهم يعرف أو يسمع منذ سنوات أنه أحد قتلة «مالكوم إكس»، ومع ذلك رفض الجميع أن يضعوا تلك الحقيقة فى عقولهم، تناسوها، وعاشوا مع البطل الوهمى الذى صنعوه، وقبل أن يصل إليه «عبدالرحمن» بخطوة، يموت الرجل وكأنه يهرب من المواجهة بأبشع فعلة ارتكبها فى حياته!

فى نهاية مشاهدة هذه الحلقات تلح على عقولنا أسئلة كثيرة حول ما حدث، ولعل أهمها هو لماذا وكيف استطاعت سلطات التحقيق والمحاكمة والناس العاديون أن يتجاهلوا الحقيقة ويعيشوا مع الأكاذيب طوال هذه السنوات؟! 