الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

"نائب" عثمان أحمد عثمان يحكى لـ "روزاليوسف" قصة نجاح "أسطورة المقاولات" فى الوطن العربى

هناك المئات من تعريفات للنجاح.. لكن التعريف الأقرب إلى الواقع هو إدراك الغاية مَهما كانت العَقبات، وهذا معناه أن النجاح مفهومه واحد، وهو تحقيق الهدف مَهما كانت المعوقات، لكن الغاية قد تختلف من شخص لآخر فقط فى نوعها، فقد تكون عينيّة كالحصول على المال أو معنوية كنَيل الاحترام أو حتى الشعور بالسعادة والرضا.



بل ذهب البعضُ إلى تعريف النجاح بأنه مقاومة الصعاب وتجاوُز المشاكل والصبر على المكاره، وبما أن النجاحَ عملية مستمرة باستمرار الحياة؛ فإن العَقبات ستستمر، ومن هنا جاءت فكرة «باب انجح»؛ حيث أشارككم كل أسبوع قصص نجاح من جميع دول العالم أبطالها شخصيات نجحت رُغْمَ المعاناة؛ لتصبح صلبة فى مواجهة المعوقات والحرمان والألم، التى أصبحت فيما بعد ذكريات ووقودًا لمزيد من النجاح، لعلها تكون حافزًا ومثالًا حيّا لكل إنسان يظن أن النجاحَ سهل؛ لنؤكدَ لهم أن النجاح والكفاح وجهان لعُملة واحدة.

 

«طريقتى فى الإدارة.. لا تُكتب ولا تُقرأ.. بل تُمارس»، هكذا يقول المهندس الكبير عثمان أحمد عثمان فى مذكراته «صفحات من تجربتى»، الذى تميز بطريقة منفردة ومتميزة فى الإدارة فأسّس عملاق المقاولات فى الوطن العربى «المقاولون العرب»، ولكن قبل الوصول إلى قمة مجده كان وراءه مشوار طويل ملىء بالتحديات شديدة الصعوبة، تجربته تستحق الاقتراب من تفاصيلها أكثر لفهم «سر نجاحه» وطريقته فى الوصول لما حقَّقه من الإنجازات.

 

لم يكن عثمان أحمد عثمان مجرد مقاول كبير أو رجل أعمال ناجح فقط؛ إذ يُعتبر أحد أهم روّاد التطور الاقتصادى المصرى، كما تمكن من تدشين إمبراطورية ضخمة فى مجال المقاولات والأعمال باقية إلى الآن.. ويحدثنا فى هذا الحوار «سعيد عزمى» والذى تربطه صلة قرابة مع عثمان أحمد عثمان من جهة والده، وهو ابن عمه، فكان (عثمان بيه) كما كان يناديه، عمه بشكل غير مباشر، ولا يتحدث «عزمى» بصفته أحد أفراد عائلته فقط؛ إذ التحق بالعمل فى إحدى شركاته بالسعودية فور تخرجه، حتى تولى مسئولية الحسابات بمشاريع الشركة فى جدة بالسعودية.

وكان  آخر منصب تولاه نائب رئيس مجلس إدارة «المقاولون العرب». 

والد عزمى لم يكن مقتنعًا بقدرة عثمان أحمد عثمان على تحقيق ذلك الحلم الكبير: «عثمان بيه قبل وفاة والدى بسنتين ذهب إليه حيث كان يعمل رئيس بلدية زفتى، وطلب منه أن يعمل معه، فكان رد والدى أنك مقاول على باب الله وأنا عندى 6 أولاد، وما أقدرش أعتمد على دخلك، وبعدها بسنتين بالظبط توفى والدى، شعرت بعد ذلك بأهمية عثمان أحمد عثمان فى حياتنا لأنه هو اللى تولانا».

وفاة والد سعيد عزمى كانت بداية علاقته بشكل مباشر مع عثمان: «انتقلنا بعد ذلك من زفتى إلى القاهرة، وكانت أول خطوة جدعنة منه مع أخى الأكبر، حيث كان فى إعدادى هندسة، قال له: تعالى يا أحمد اشتغل معايا بعد الضهر، وكانت طريقة مهذبة منه لمساعدة أسرتنا».

التحق بعد ذلك للعمل معه: «أول ما أنا اتخرجت ذهبت له، وظللت أعمل 3 شهور، على انتظار السفر إلى السعودية، لكنّ الأمر تأخر، ومع ذلك وجّه بصرف 14 جنيهًا لى كراتب رغم أننى لم أعمل بعد، ثم سافرت السعودية قبل أن أتم 21 سنة.. أصبحت ساعتها مسئولًا عن عملية تخص الشركة، وأقمت هناك سنة ثم انتقلت إلى الكويت وفى الكويت أقمت 4 سنوات ثم انتقلت إلى بيروت التى أقمت فيها 4 سنوات، ثم العودة إلى مصر سنة، ومنها إلى ليبيا 4 سنوات أخرى، لتنتهى رحلتى وأعود إلى القاهرة».

بداية من ذلك الوقت كان سعيد عزمى قريبًا من (عثمان بيه) يحكى له على مواقف من حياته أيام شبابه، وأيضًا يُشاهد هو بنفسه طريقة عثمان أحمد فى الإدارة عن قرب، فكان أحد الشاهدين على تجربته؛ بل فى بعض الأحيان متداخلًا معه فى الكثير من المواقف.

نتتبع مع عزمى مشوار عثمان أحمد عثمان من البداية، حيث يقول:

أسرته كانت تشبه أسرتنا، وكان لازم أن يتخذوا قرارًا بعد وفاة والدهم، وساعتها كان الأخ الأكبر له هو من تولى رعايته، حتى كبر وتعلم، ووصل حيث إنه شاهد ما وصلت إليه العائلة، وما كانت تحمله والدته من مسئولية، وشاهد ذلك الصراع الذى عاشوا به فى الحياة، وكانوا يعيشون فى حارة عبدالعزيز بالإسماعيلية فى بيت من طابق واحد به حجرتان واحدة للخزين والأخرى للنوم على حصير وركن للطيور، حيث ولد عثمان أحمد عثمان فى أبريل1917لأب بقال يمتلك بقالة لبيع المواد التموينية بالجملة، وكان الابن الأصغر فى العائلة، ووقت وفاة والده كان لديه 4 سنوات فقط.

ورغم ذلك لم يقف عاجزًا أمام تلك المأساة؛ بل تعلم وتفوق فى دراسته فى الابتدائية، وأصر وأكمل الإعدادية، وأخذه الحماس ووصل إلى الثانوية، ثم التعليم العالى واجتاز المراحل الصعبة والشاقة فى حياته، ونبغ وحصل على البكالوريوس فى الهندسة.

ولا بُد أن أشير إلى أن أم عثمان كانت ست قوية تجمع أولادها فى بيت من دور واحد، قادت البيت بعد وفاة زوجها، كانت أمه تداعبه دائمًا وتقول له: «إيدك خضرة» لأنه لا يعمل بشىء إلا ويجيب منه فلوس.

 ولكن كيف استطاع أن يكمل تعليمه فى ظل تلك الظروف الصعبة لعائلته؟

- استطاع أن يوازن بين عمله ودراسته، حتى استطاع أن يحصل على شهادة البكالوريا من المدرسة السعيدية عام 1935، والتحق بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، وحصل على منحة مجانية من الجامعة بعد تقديم شهادة فقر، وكانت وسيلة مواصلاته عجلة جمعها بنفسه من الخردة.

وعمل مع خاله بالمقاولات، ومن هنا اكتسب الخبرة والمال الذى جعله يبدأ الكفاح منفردًا.. وأنشأ عثمان أحمد عثمان مكتبًا صغيرًا للمقاولات وكان هو العامل الأول فيه.

لم يترأس العمال؛ بل كان يساعدهم بيده، حتى لقب بالمعلم عثمان، وكان هذا لقبه المفضل، وبفضل العزيمة والإصرار تحول المكتب إلى شركة المقاولون العرب، ومن دراجة صغيرة اشتراها لكاتب حساباته إلى أسطول من السيارات والأوناش والأتوبيسات، وصار المكتب شركة توسعت إلى عدة أفرع، وكان أول تعامله مع المقاولات الكبرى عام 1947من خلال إسناد شركة عبود باشا لشركته مهمة إنشاء سور لمصنع الأسمنت بالسويس.

 ما نقطة التحوُّل الكبيرة بالنسبة له فى مجال المقاولات.. وكيف أصبحت شركته الصغيرة بهذا الحجم الآن؟

- البداية الحقيقية ونقطة التحول الكبيرة كانت فى بداية الخمسينيات من السعودية، ولم يكن يمتلك أى مال وقتها، حيث ذهب إلى جدة لمقابلة الأمير مشعل الذى كان وزيرًا للدفاع فى هذا التوقيت، وبدأ المشوار بمبنى الكلية الحربية، وساعتها اكتشف الأمير الفرق الكبير فى السعر بين شغل عثمان والمقاولين الآخرين من الإنجليز، وتعاقد معه، وكان ذلك التعاقد هو أول طريق الخير بالنسبة لعثمان.

وعند ذهابه لاستلام الدفعة المقدمة، كان المأزق؛ حيث قالوا له تحتاج لعربيتى نقل لأن المال ريالات فضة فى أجولة، ونقل الأموال إلى البنك فوجده مغلق، وكان مدير البنك يجلس فى دور ملحق به فذهب له، وفتح البنك «مخصوص» لعثمان أحمد عثمان ليضع أول أموال يحصل عليها، والطريف أن المدير استدعى الموظفين وجلسوا لليوم الثانى حتى انتهوا من عد الريالات التى أحضرها، وهذه كانت بداية حياته.

 كيف استطاع صاحب شركة مقاولات صغيرة مقابلة أمير فى ذلك الوقت؟

-هو كان شخصًا طموحًا جدًا ومن يجلس معه يحبه، فبالتالى كانت المقابلة مع الأمير مشعل عن طريق الصدفة، لكنه أخذ انطباعًا جيدًا وأحبه، وبدأ فى إنشاء الشركة السعودية، وبعد ذلك عاد إلى مصر لإنشاء الشركة الهندسية، وكان مقرها 4 شارع الشريفين بجور الإذاعة المصرية.

 حققت الشركة فى ذلك الوقت نجاحًا كبيرًا فى المنطقة العربية كلها.. فكيف تعامل بعد ذلك مع قرار التأميم؟

- بحلول عام 1961م تم تأميم شركته تأميمًا نصفيًا وأصبح هو رئيسًا لمجلس إدارتها، ثم ما لبث أن أصبح التأميم كليًا فى عام 1964م، كما تم تغيير اسمها من «الشركة الهندسية للصناعات والمقاولات العمومية» إلى «المقاولون العرب» عثمان أحمد عثمان وشركاه، وتمكن عثمان من أن يحتفظ بمنصبه فيها أيضًا كرئيس مجلس الإدارة، وتم تجديد رئاسته لمجلس الإدارة مرة أخرى فى يوليو 1968م.

وأصر على إكمال عمل الشركة من مصر، رغم أن رأى أغلب المساهمين فى الشركة وقتها كان فتح مكاتب بالخارج لإدارة أعمال الشركة بالدول العربية، لكنه قرر بشكل واضح ألا يتخلى عن الـ 5000 موظف بالشركة، واستمرت الشركة إلى الآن هكذا كانت رؤيته إلى الآن.. كان دايمًا يقول: «خلى اللى يشتغل معاك يخاف عليك مش منك».

 إن نقطة التحول الكبيرة كانت من السعودية.. كيف تعامل «عثمان» مع مشروعاته فى المملكة أثناء الخلاف بين الرئيس ناصر والملك سعود فى الستينيات؟

- عندما كان الخلاف على أشُده بين الرئيس جمال عبدالناصر والملك سعود، طلب منه الملك أن يجلب عمالة غير مصرية، ولكنه رفض وفى خطبة شهيرة له يقول فيها: «أنا اللى علمنى كل حاجة هو العامل المصرى اللى أنا بعتمد عليه». وبسبب ذلك الموقف توقف العمل فى السعودية خلال تلك الفترة.

ورغم كل الصعوبات التى واجهها، لكنه كان دائمًا يقول لنا: «اشتغلوا وما تخافوش من الغلط.. المهم عندى صفاء النية وأن تكون الغلطة غير مقصودة»، وده كان سبب أن يشعر كل العاملين أنهم شركاء فى الشركة.

 المقاولون العرب كانت كبرى شركات المقاولات الحاضرة بقوة فى بناء السد العالى.. هل حكى لك تفاصيل عن تلك الفترة؟

- ما أعرفه أن بناء السد رسى على الشركة بقيادة عثمان أحمد عثمان، لكن بالنسبة للتفاصيل أتذكر أنه كتب فى مذكراته عن تلك المرحلة: «لقد واجهت أكثر من خصم وخضت أكثر من معركة على أكثر من جبهة فى وقتً واحد، فوقف جميع مقاولى مصر ضدى ووقفت فى مواجهتهم شركتى وحدها وكسبت العطاء».

وعن بناء السد قال: «كان السد العالى ملحمة طويلة وعريضة لطول وعرض وعمق الجبال والجرانيت التى هدمها المصريون وأقاموا السد العالى الذى قدر الخبراء أن حجم العمل الذى استوعبه يشابه الهرم الأكبر».

هكذا استطاع المعلم عثمان بخبرته وكفاءته ورجاله رغم كل الصعاب التى وضعها الروس أن يبنى السد العالى فى عشر سنوات.

 لم يكن ذلك أمرًا سهلاً على أكثر من مستوى سواء صراعات المقاولين الآخرين أو طبيعة العمل نفسه.. فكيف استطاع أن يقود تلك المهمة الصعبة والمؤثرة فى تاريخ مصر؟

- فى رأيى أن الأساس فى نجاح عثمان أنه استطاع التعامل بذكاء وحب مع كل العاملين معه، حتى يخرجوا أكبر كم من طاقاتهم فى العمل، فكان همه الأول الناس فى كل شىء، فكانت علاقة العاملين بالشركة ليست العمل فقط، ولكن جعلها مركزًا متكاملًا لكل شىء يخص الناس، حتى إنه أنشأ المركز الطبى لـ«المقاولون العرب»، غير الجمعيات التعاونية للأكل، حتى إنه أنشأ أتوبيسات خاصة بالشركة وإسكانًا خاصًا بالعاملين.

كان سخيًا بطريقة لا توصف، لم يكن أحد يذهب إليه المكتب إلا يخرج بظرف ملىء بالمال، وفى كل مناسبة كان يدخل مكتبًا مكتبًا ويعيّد علينا، بقامته الكبيرة، فكان شخصًا فريدًا من نوعه.

 انتقالًا من السد العالى.. ماذا عن دور «المقاولون العرب» فى إنشاء قاعدة صواريخ بعد نكسة 67 ؟

- كان لشركة «المقاولون العرب» دور كبير فى إنشاء قاعدة للصواريخ بعد النكسة وبداية حرب الاستنزاف، واستشهد خمسمائة عامل منها أثناء البناء، كما تم بناء القاعدة أكثر من خمس مرات، بعد هدم الطيران الإسرائيلى لها بعد بنائها، وبالإصرار تم الانتهاء من العمل والتصدى للطائرات الإسرائيلية.

وفى حرب أكتوبر تم تصنيع المعدية التى حملت الطلمبات والمضخات والتى استخدمت فى فتح الثغرات فى خط بارليف لعبوره فى ورش «المقاولون العرب».

 هل تغير عثمان أحمد عثمان عندما أصبح قريبًا من السلطة فى عهد الرئيس السادات؟

- إطلاقًا.. لأن قربه من السلطة كان بهدف حماية ومصلحة العاملين ليس لأهداف شخصية، فهو كان شخصًا متحققًا فى مصر والوطن العربى بأكمله، ولم يكن الاقتراب من السلطة بالنسبة له محل انبهار أو شيئًا جديدًا عليه. وأذكر أن أولاده بعد الانفتاح أشاروا عليه أن ينشئ شركة مقاولات خاصة بهم، بدلًا من «المقاولون العرب» التى كانت مؤممة، فرفض بشدة، رغم أنه كان قريبًا من السلطة وقتها، وقال: ممنوع تنافسوا «المقاولون العرب».. وأشار عليهم أن يدشنوا مشاريع تخدم عمل «المقاولون العرب»، لتخدم مشاريع الشركة، وبالفعل تم إنشاء مصنع المواد العازلة، وكسارة «المقاولون العرب».. ومصنع  للجبس، وغيرها من الأنشطة، وقال لأولاده أن يتولوا مسئولية تلك الشركات و«المقاولون العرب» ستشترى منكم، وبهذه الطريقة استفاد جميع الأطراف.

 بالنظر إلى ذلك المشوار الطويل والملىء بالمحطات المهمة والطويلة.. ما روشتة نجاح (عثمان بيه)؟

- تعلمنا منه السعى وراء الهدف مهما واجهنا من تحديات وتجاوزها، هكذا كان منهجه ومنهج كل من حوله بالشركة.. وأهم شىء: لا تنس بداياتك.

عثمان بيه كان قادرًا على تجاوز أصعب التحديات بذكاء شديد ومرونة.. مع العلم أن المواقف الصعبة كانت كثيرة وقتها.