
تحية عبدالوهاب
الحقيقة مبدأ.. ذكرى ميلاد الحلم: مشروع لم يكتمل
تأتى ذكرى ميلاد الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» هذا العام وللأسف بالتزامن مع تصريحات بإيقاف وتصفية «شركة الحديد والصلب» التى تأسَّست عام 1954، كانت اللبنة الأولى لتحقيق حلم الزعيم فى بناء قلعة صناعية كبرى يعقد عليها فى بناء دولتنا الجديدة؛ حيث لبنات أخرى وتحقيق ما كنا نصبو إليه، والذى تحقق من خلال تلك الشركة بالاعتماد عليها حين حاولت أمريكا وبريطانيا فرض ضغوطهما بحصارنا اقتصاديّا ورفض تمويل بناء السد العالى، ذلك بعد رفض الزعيم الحلم الرسالة التى بعثها دالاس مع وزير خارجيته فى ديسمبر 1955 حاملًا مشروعًا بعَقد صفقة توريد سلاح تربط بين تمويل السد واتفاقية للصلح مع الصهاينة، رفض «ناصر» المشروع مؤكدًا أن مصر لا تقبل بالتمويل والتسليح مقابل التنازل عن سيادتها أو الرهان على انحيازاتها، ولن تتنازل عن مَطلبين رئيسيين هما وطن للشعب الفلسطينى على أرضه طبقًا لخطوط التقسيم عام 1947، وأن تكون النقب لفلسطين مع ربط مصر بالأردن عن طريق برّى.
لم يعش «عبدالناصر» أبدًا من أجل نفسه فقط؛ بل من أجل مصر والمصريين، ولم يعمل لمصالحه فقط؛ بل لصالح المطحونين والباحثين عن الحرية للقضاء على عصور الاحتلال والطغيان فى كل مكان بالعالم، شركة الحديد والصلب كانت الداعم الأول فى بناء السد العالى، ثم بناء حائط الصواريخ، والكثير من الاحتياجات التى تلزم للجيش المصرى.. ارتبط «ناصر» بصداقات قوية مع عدد من زعماء العالم المناصرين المدافعين عن المبادئ التى آمن بها كل من «نهرو، وسوكارنو، وكاسترو»، فساهَمَ فى تحرير الكثير من البلدان المستعمرة فى إفريقيا وغيرها، وصفه «جيفارا» الزعيم الكوبى بأنه كان مَصدر شجاعة للرئيس «كاسترو»، كان النموذج الشجاع الذى تصدّى للإمبريالية وقوَى الشر والاستعباد، كان أنشودة نصر وانتصار من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا، إلى عالمنا العربى، علّمنا العزة والكرامة، لم يعش فى الأرض بقدر ما عاش فى القلوب، أصاب وأخطأ، لكن لم يخُن، هُزم وانهزم، لم يستسلم، لم يخضع لأى ابتزاز، بل استمر فى تحديه للغرب الاستعمارى.
أسهَمَ فى تأسيس حركة عدم الانحياز، قام بتأميم قناة السويس 1956، وبعد وفاته بـ50 عامًا أحلام العروبة تتلاشى والقومية العربية لم يَعُد لها وجود، نجد دولًا عربية تحرّض على أخرى شقيقة، عاد الاستعمار بشكل وقواعد جديدة واحتلوا بلداننا اقتصاديّا وعسكريّا، وقام البعض بالتطبيع المجانى مع الصهاينة المغتصبين للأرض العربية، هؤلاء الصهاينة جعلوا يوم وفات الزعيم عيدًا لكل يهودى، وقال وزير دفاعهم «موشى ديان» حينها بأن مماته جعل مستقبلهم مشرقًا وواعدًا، وهو ما تحقق الآن لهم، أُلصقت به شائعات لمحاولة تشويه صورته للبسطاء، فنعتته جماعة الإخوان الإرهابية بأنه كان مُلحدًا ومعاديًا للإسلام، وهو مَن أنشأ إذاعة القرآن الكريم لمحاربة الأفكار المتطرفة، وجعل تدريس مادة الدين إجباريّا فى المدارس، وترجم القرآن الكريم إلى جميع لغات العالم.. هذا قليل من كثير فعله «ناصر».. مشهد جنازته لم يوجد مثله فى التاريخ، كان الحلم الذى لم يمت، والرمز الذى من خلاله يمكن تحقيق المعجزة، عقود من الزمان مضت، وستأتى عقود ليظل «ناصر» فى القلوب، والأمل فى أن نكون أمّة لها القرار، والكلمة، كما كان يحلم، سلام عليه يوم وفاته ويوم ميلاده.
وتحيا مصر. .