الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقائق و هواجس: محنة محمد جبريل

حقائق و هواجس: محنة محمد جبريل

فى زمن سطوة التطبيقات الإلكترونية ومَواقع التواصل الاجتماعى، هوس الترافيك والتريند كفيل بأن يتصدّر المشهد خبر مغلوط لا أساس له من الصحة، أو شائعة مغرضة خالية من أى نوايا حسنة، لا شىء يهم طالما أن الإثارة موجودة، هى المعيار الأهم- ولا أقول الوحيد- نحو حصد معدلات أعلى من ردود الأفعال والمشاركات والمشاهدات، ولو على حساب قيم إنسانية ومهنية لا يلقى الحديث عنها بالًا فى أى وقت، والمؤسف أن الطرَف الثانى فى المعادلة، صار إلى القطيع المنطلق باندفاع أقرب منه إلى المتلقى المتفاعل بوعى، هو فى المعادلة رد فعل فى معظم الأحوال، لا يفكر ولو دقيقة قبل أن يقول كلمته.



 

صار العالم افتراضيّا سطحيّا إلى حد أن القضايا الواقعية الجادة لا تجد أى مساحة شاغرة من الاهتمام، منها حاليًا محنة يعيشها الأديب الكبير «محمد جبريل»، وهو لمَن لا يعرف أحد أهم الكُتّاب فى مصر فى الخمسين سنة الأخيرة، مولود فى الإسكندرية عام 1938، يقترب عمره الآن من الثالثة والثمانين، مَتّعه الله بالعمر والصحة، له ما يقرب من 100 مؤلف صال فيها وجال فى حقول الرواية والقصة القصيرة والمقال والدراسات الأدبية والنقدية، صدر عنه نحو 15 كتابًا كما تناولت إبداعه 12 رسالة جامعية ماجستير ودكتوراه، وحاز بجدارة من جوائز الدولة أرفعها، ومع ذلك تبحث على «جوجل» فلا تصادف اسمه إلا قليلًا.

 

قبل أن أتحدّث عن محنة «محمد جبريل» الأخيرة، أمُرّ بك سريعًا على روايته التسجيلية «مقصدى البوح لا الشكوَى» الصادرة عن هيئة قصور الثقافة عام 2015، وهى بعض من سيرته الذاتية؛ خصوصًا فيما يتعلق بأزمة صحية حاصرته بعد فشل عملية جراحية أجراها أسفل العمود الفقرى، وأدت إلى أوجاع مؤلمة لم يتعافَ منها الرجل بعد، ومع ذلك اكتفى وقتها بالبوح ولم يشكُ، رُغم ما تأكد من خطأ طبى وقصور فى استكمال إجراءات ما بعد العملية، ثم التقصير فى استكمال العلاج بالخارج نتيجة موافقات كانت دائمًا ما تصدر منقوصة، تعايش «محمد جبريل» مع آلامه، وتمسّك بإبداعه المتوهج سبيلًا وحيدًا لمواجهة عجزه عن الحركة.

 

لكن أبَى من يجهل قيمة «محمد جبريل» وقامته، إلا أن يعيش المبدع الكبير أيامه الأخيرة فى هدوء قبل أن يمضى فى سلام، فوجئ الرجل بالحُكم عليه بالسجن سنة وغرامة 5 آلاف جنيه، بعدما قام المسئولون فى حى النزهة برفع دعوَى قضائية عليه تفيد امتناعه عن تنكيس العمارة التى يسكن بها، بعد صدور قرار من الحى بضرورة تنكيسها، ولما حاولت الدكتورة «زينب العسال» حرم الكاتب الكبير «محمد جبريل» مقابلة رئيس الحى لتشرح أوضاع الرجل الصحية، وتوضّح أنه مجرد مالك لشقة ضمن 12 شقة يضمها العقار وليس مالكًا للعقار بالكامل، رفض رئيس الحى مقابلتها من الأصل، تصرُّف غير مسئول فى أطيب الأوصاف.

 

على استحياء ظهرت محنة الرجل على شبكة التواصل الاجتماعى الفيسبوك، التقطتها عابرة أمامى عبر صفحة الكاتب الصحفى «يسرى حسان»؛ حيث طالب بتدخُّل رئيس الجمهورية لإنقاذ «محمد جبريل» من الحبس، كما طالب بحملة تضامُن مع الرجل ضد عبث المحليات، وقد لاقت دعوة «حسان» ردود أفعال لا بأس بها، وإن كانت بعد غير مؤثرة، فكان لا بُدّ من مشاركة هى أقل ما يمكن أن نقدّمه إلى مَن هو فى مكانة «محمد جبريل»، ليس سعيًا وراء ترافيك أو تريند، ولكن أملًا فى الوصول بصوت المبدع الكبير إلى رأس الدولة، كتب «محمد جبريل» كثيرًا فى حُبّ مصر، وحقه علينا الآن أن نكتب جميعًا فى حُبّه.