الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
تجربة ليست  شخصية

تجربة ليست شخصية

العام الماضى كنت قد تحدثتُ مع «عالية»، مؤكدًا عليها أن تأخذ الثانوية العامة بهدوء، لم أطلب منها فى هذا الوقت بالتزامن مع بداية العام الدراسى؛ سوى أن تبذل أقصى ما فى وسعها، وأن تحرص على ألا تفقد ثباتها تحت أى ضغط، وفى الوقت ذاته تعيش حياتها طبيعية، فلا تغلق على نفسها نوافذ تجديد الروح، ولنترك جميعنا الباقى على الله، استجابت «عالية»، فلم تبخل بمجهود، ولم تعطِ الثانوية العامة إلا بقدر ما تستحق، ولكن أبَى «كورونا» إلا أن يزعج الجميع، ومنهم طلاب الثانوية العامة، مراكز الدروس الخصوصية أغلقت أبوابها، أجزاء من المناهج تم إلغاؤها، وجرت المراجعات النهائية «أون لاين»، كانت أيامًا صعبة.



 

بعدها دخلنا دوّامات التوتر والقلق، فى ظل جدل صار وقتها محمومًا، حول إجراء امتحانات الثانوية العامة، بمجرد إثارة الموضوع صرخت «عالية» بحماس بضرورة إجراء الامتحانات فى موعدها، طمأنتنا دون أن تقصد بأنها مستعدة لمواجهة الصعاب جميعها، ولا تريد سوى هزيمة الكابوس التاريخى بضربة قاضية فى الوقت الأصلى، وكان أن تقرر إجراء الامتحانات فى موعد لاحق أسبوعين عن موعدها المقرر، حتى تستعد اللجان بإجراءات احترازية فى مواجهة الفيروس القاتل حفاظًا على صحة أبنائنا طلاب الثانوية العامة، توكلنا على الله وفوّضناه فى أمر أولادنا، وكان أن شَكَرتُ «عالية» مع أول أيام الامتحانات على مجهودها الكبير، مؤكدًا تفوقها فى تقديرى أيّا كانت النتيجة.

 

مرت أيام الامتحانات ثقيلة، صحة «عالية» كانت همّنا الأكبر، ولم تأتِ الامتحانات إلا مطمئنة لمن اجتهد وأدّى ما عليه، حفظ الله أولادنا، ومرت الامتحانات بسلام وانتظرنا النتيجة، عيد الأضحى لم يكن هذا العام كأى عيد، الـ«كورونا» من ناحية، وترقب النتيجة من ناحية أخرى، حتى أعلنها وزير التربية والتعليم فى الرابع من أغسطس، نجحت «عالية» بتفوق الحَمْدُ لله، مجموع الـ96 % كان كفيلًا بأن أضعها فوق رأسى، واطمأنت هى أن حلمها فى الالتحاق بكلية طب الأسنان بات قريبًا، «عالية» كانت مهتمة بالاطلاع على مناهج كليات الطب بشكل عام طوال المرحلة الثانوية، حتى استقرت على اختيار طب الأسنان وهى على مشارف الثانوية العامة.

 

أيام قليلة بعد إعلان نتيجة الثانوية العامة كانت كفيلة بأن تذهب بالسّكرة وتأتى بالفكرة، عدد غفير من الطلاب نجحوا بتفوق، وجمع كبير من طلاب شعبة علمى العلوم حصلوا على مجموع يفوق الـ95 %، حلم طب الأسنان عاد حلمًا بعدما صار واقعًا حيّا لعدة أيام، مؤشرات تنسيق المرحلة الأولى بالجامعات الحكومية كانت محبطة، وانحصر الأمل فى قرار المجلس الأعلى للجامعات بإقرار مجموع 90 % كحد أدنى للقبول بكليات الطب فى الجامعات الخاصة، أمل مُكلِّف جدّا فى زمن أكثر كُلفَة، ولكن قدَر الآباء أحيانًا ألا يكون هناك بديل سوى اختيار المستحيل، تقدمنا بملف «عالية» فى ثلاث جامعات خاصة من المشهود لكلياتها فى طب الأسنان.

 

المشكلة نفسها؛ الأعداد المتقدمة لطب الأسنان فى الجامعات الخاصة أكبر من طاقاتها الاستيعابية، والمجموع هو الفيصل مع النجاح فى اختبارات القبول، اجتازت «عالية» اختبارات القبول فى الجامعات الثلاثة ولم نعد جميعًا سوى أسرَى للانتظار، «عالية» تعيش على هامش الحياة ولا تتحدث إلا غاضبة مستنكرة مندهشة، فعلتْ كل ما عليها وأكثر ولا تستطيع الالتحاق بكلية توافق قدراتها وتمثل لها طموحًا، أسئلة مصيرية وإجابات رمادية، إلى أن أراد الله وكتب لعالية ما أرادت، معاناة عاشها كل بيت مصرى سنوات طويلة مع نظام تعليم فقد صلاحيته، ولا نتمنى الثانوية العامة فى نظامها الجديد هذا العام، إلا نقطة تحوُّل نحو معاناة أقل ومستقبل أفضل.