الأربعاء 7 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مكاتب تمريض «غير مرخصة».. ولا تخضع للرقابة!

أدت جائحة كورونا إلى زيادة الطلب على الخدمات الصحية بشكل عام، ومع تزايد الضغط على المستشفيات وإحجام المواطنين عن الذهاب إلى المستشفيات خوفا من نقل العدوى لجأ أهالى المرضى إلى البحث عن بدائل أكثر أمنا لهم ولذويهم، فارتفع الطلب بشدة على «مكاتب التمريض»، وهى ظاهرة ليست جديدة لكنها تزايدت بشكل ملحوظ فى الآونة الأخيرة لتصبح البديل المناسب للمستشفيات والصيدليات التى تراجعت عن دورها فى تقديم بعض الخدمات الطبية للمواطنين مثل إعطاء الحقن والتغيير على الجروح، وذلك خوفا من العدوى.  



 

المشكلة الأساسية أن بعض مكاتب التمريض لا تخضع لأى رقابة ولا تنشأ بتصريح من الجهات الرسمية ولا تعدو أن تكون «بيزنس» لا يتطلب سوى مقر أو صفحة على منصة «فيس بوك» أو مجرد رقم تليفون يتصل به طالب الخدمة ليطلب ما يريد.

لا ضمان هنا من حمل الممرضة للعدوى ولا رقابة على طبيعة الخدمة التى تقدمها ولا رقابة مالية من جانب الدولة على متحصلات هذا النشاط، وبالتالى لا توجد إمكانية للمحاسبة عن الأخطاء التى قد تحدث.

الليلة مقابل 750 جنيها فى «السيدة» 

أجرت روزاليوسف جولة للتعرف عن قرب على أجواء المكاتب المخالفة وما يحدث بها من تجاوزات وكانت البداية من شقة صغيرة فى الطابق الرابع من «مول المواردى» بحى السيدة زينب عليها لافتة مكتوب عليها «برومترك» بشكل خطأ لـ(أطباء – صيادلة – تمريض – فنيين)، و«برومترك» هى شهادة ضرورية يلزم بها المقبلون على السفر من الأطقم الطبية، وهو ما دفعنا للشك بأن الظاهر من اللافتة شىء والباطن شىء آخر.. فى الداخل وجدنا مجموعة من المكاتب على كل منها جهاز كمبيوتر وفى إحدى الغرف هناك سبورة مكتوب عليها أسماء أشخاص ومناطق سكنهم.

بحجة أنى لدى حالة بحاجة إلى ممرضة، دخلت المقر وقلت لهم إنى علمت بالمكتب عن طريق أحد الأشخاص الذين تعاملوا معهم وأريد أن أتعرف على نوع الخدمات المقدمة وأسعارها.

ردت «سعاد»، إحدى العاملات بالمكتب، قائلة: «المكتب يوفر لك ممرضة تقوم بجميع أعمال التمريض، لكن فى البداية ما طبيعة الحالة الصحية والمرض الذى تعانى منه الحالة حتى نستطيع تحديد أنواع الخدمات التى ستقدمها الممرضة وهل حضرتك محتاجة ممرضة لمدة 12 ساعة أم إقامة كاملة؟». 

قلت إنها تعانى من أمراض السكر والقلب، بالإضافة إلى الجفاف وبالتالى أوصى الطبيب بتعليق محلول ثلاث مرات يوميا، فردت قائلة: الحصول على خدمات ممرضة بنظام نصف إقامة سيكون مقابل 375 جنيها فى الليلة أما الإقامة الكاملة فأجرها 750 جنيها فى الليلة، وفى الحالتين ستدفعين أجر أسبوع مقدما ثم تختارين إما الدفع باليوم أو بالأسبوع وهذا يتم تسجيله فى عقد بينك وبين المكتب.

عندما سألتها عن الإجراءات الوقائية الخاصة بطاقم التمريض فى المكتب قالت: حضراتكم تأخذوا احتياطاتكم بتوفير «ماسكات» و«جوانتيات طبية»، إحنا دورنا فقط توفير الممرضة الأقراب إلى محل سكن الحالة، أما بالنسبة للعدوى فلو ظهرت أعراض على الممرضة ممكن حضرتك تبلغى المكتب على الفور سنقوم باستبدالها بأخرى، وتابعت: لا تقلقى نهائيا من هذه النقطة لأن كل أعضاء طاقم التمريض بالمكتب يعملون فى مستشفيات بالتالى تجرى لهم مسحات بشكل دورى. 

الساعة بـ300 جنيه فى مدينة نصر

مركز آخر فى شارع مكرم عبيد بمدينة نصر فهو عبارة شقتين إحداهما مخصصة للرعاية المركزة والأخرى مخصصة لاستقبال الراغبين فى العمل بالتمريض واستقبال مكالمات طالبى الحصول على خدمة التمريض، يعمل المركز على تقديم خدمة التمريض لمنطقة مدينة نصر فقط، كما أكد لنا «محمد جابر» مسئول المركز.

سألناه أيضا عن طرق الوقاية فقال: إن جميع الممرضات اللائى يعملن معه يزاولن مهام عملهن داخل مستشفيات وبالتأكيد تجرى المستشفيات لهن مسحات، أما المركز فهو غير مسئول عن إجراء مسحة لطاقم التمريض لأنها مكلفة، وعن تكلفة الخدمة قال إن نظام العمل يحسب بـ الزيارة التى تستغرق ساعة ويكون ذلك مقابل 300 جنيه وإذا استغرقت أكثر من ساعة يصبح المقابل 500 جنيه.

فى منطقة «دار السلام» بحى مصر القديمة استأجرت مجموعة من السيدات شقة فى أحد العقارات القديمة لتقديم الخدمات الطبية، ذهبنا إلى المكان فوجدنا على بابه ورقة معلقة مكتوب عليها «مكتب تمريض منزلى لتقديم الخدمات الآتية: ( تركيب كانيولا- تعليق محلول – تركيب رايل – تركيب قسطرة بولية – سحب عينة – قرح فراش – قدم سكرى – غيارات الجروح – سحب عينات الدم – رفع غرز) بنفس الورقة مكتوب أن الخدمات المقدمة مقابل 50 جنيها داخل مكتب، والزيارات الخارجية  مقابل 100 جنيه.

فى الحديث مع «أم عبد الله» إحدى ممرضات المكتب، بعد أن علمت أنى بحاجة إلى ممرضة لخدمة حالة تسكن بالقرب من المكتب قالت لى: جميع الممرضات بالمكتب يستطعن توفير جميع الخدمات الطبية كأن الحالة فى مستشفى بالضبط، وأضافت: جميعنا سبق لنا العمل فى مستشفيات وأقل واحدة فينا خبرتها لا تقل عن 5 سنوات، والخبرة أهم من الدراسة وإحنا فينا اللى حاصلة على شهادة الثانوية، سواء العامة أو تجارية، فيه اللى حاصلة على الإعدادية لكن عملت فى مستشفيات كعاملة حتى وصلت إلى مساعدة تمريض.

وتابعت أم عبدالله أنهن قررن فتح مكتب بعد أن امتنعت صيدليات المنطقة عن تقديم الخدمات الطبية للأهالى، بسبب الخوف من العدوى، وتابعت: بيوتنا تضررت من وقف الحال من وقت انتشار فيروس كورونا وأزواجنا يلتزمون البيوت يعملون يوما ويبقون عشرة أيام بلا عمل، وعن كيفية تجمعهن فى مكان واحد، قالت: واحدة جابت الثانية والثانية جابت الثالثة وهكذا حتى أصبح عددنا 13 ممرضة.

وأوضحت كبيرة الممرضات أن نظام الأسعار يختلف حسب نوع الخدمة المقدمة فالحقنة وقياس الضغط والسكر يكون مقابل 100 جنيه، تعليق المحلول فقط بـ 100 جنيه، تركيب رايل 500 جنيه، تركيب قسطرة البول 150 جنيها، غيارات الجروح حسب نوع الجروح تبدأ من 50 إلى 200 جنيه، أخذ عينات الدم 75 جنيها.

وعن كيفية التعامل مع حاملى فيروس كورونا، أكدت أنهن تعاملن مع حالات كثيرة من هذا النوع، بالأخص حالات كبار السن الذين يفشل أهلهم فى الحصول على سرير داخل مستشفى، وبالاتفاق مع أهل الحالة تذهب الممرضة إليهم ثلاث زيارات فى اليوم، لأن الحالة هنا تحتاج رعاية كاملة تقوم بإعطائها الأدوية الخاصة بفيروس كورونا بجانب الأدوية الخاصة بالمرض الذى تعانى منه الحالة، مع أخذ احتياطاتها بارتداء ماسك وجوانتى. 

فى مكتب «الرحمة» لخدمات التمريض المنزلى والعلاج الطبيعى والأجهزة والمستلزمات الطبية، كما هو مذكور على لافتة المكتب الذى يقع بمنطقة فيصل، وهو لا يختلف كثيرا عن المكاتب السابقة من حيث مكونات المكتب والأشخاص العاملين فيه، كانت التجربة مختلفة.

تقدمت إلى المكتب وطلبت منهم العمل كممرضة، وقلت لهم إنى أرغب فى العمل لكنى غير حاصلة على بكالوريوس ولا معهد تمريض، وإنما حاصلة على مؤهل متوسط، لكن لدى خبرة سنتين فى التمريض، حيث كنت أعمل فى أحد المستشفيات الخاصة، رد موظف اسمه « محمد حسين» قائلا : هاسجل بياناتك وهنتصل عليكى، لكن لو حد سألك فى المنازل التى تعملين بها تقولى إنك خريجة معهد تمريض لأن هناك مرضى يشترطون أن تكون ممرضة متخصصة، وعندما سألته عن المقابل قال إن المكتب سوف يحصل على نسبة 40 % من قيمة ما سأحصل عليه. 

مكاتب تمريض أون لاين

لا يتوقف بيزنس التمريض على المقرات الخفية فقط، فبعض أصحابه اتخذ من منصة التواصل الاجتماعى «فيس بوك» نقطة انطلاق له، فحقق إعلانه الذى يرفع شعار «تمريض منزلى فى زمن كورونا» انتشارا واسعا وهذه الصفحات لا تقتصر فى خدماتها على القاهرة وحدها بل تعمل على توفير ممرضات فى محافظات ومناطق مختلفة حسب الطلبات التى تصل إليها.

بالاتصال بأحد الأرقام المنشورة على إحدى الصفحات التى تقدم خدمة التمريض رد شخص يدعى «أحمد أبو العزم» الذى كشف لنا أنه مسئول التمريض بالرعاية المركزة بمستشفى المعلمين فى كوبرى القبة، ومؤسس مكتب «هوم كير للخدمات التمريض»

وأوضح أبو العزم أن المكتب يوفر ممرضات فى محافظات ومناطق الجمهورية ماعدا محافظات الصعيد فقط، تبدأ الخطوة إرسال فريق من التمريض لـ تقييم الحالة بهدف تحديد نوع الخدمة التى تحتاجها وفى الغالب تتولى هذه المهمة مساعد تمريض حاصلة على معهد تمريض، أما الحالات الحرجة التى تحتاج تركيب رايل وكانيولا وقسطرة بول تجمع بين ممرضة طوارئ وممرضة العناية المركزة الحاصلة على بكالوريوس تمريض.

الأسعار تختلف حسب إذا كانت الخدمة تقدم لمدة 12 أم 24 ساعة، وبحسب ما إذا كانت الممرضة خريجة كلية أو معهد تمريض، فى الأول 12 ساعة بـ600 جنيه أما 24 ساعة فـ1000 جنيه فى مقابل الأخير 400 و24 ساعة 800 جنيه.

وعن مخاوف نقل العدوى قال إن هناك طاقم تمريض متخصصا فى العمل مع حالات كورونا، وهذا الطاقم يعمل أيضا فى مستشفيات الحكومة، ويعملون معنا خلال فترة الإجازة التى يحصلون عليها بعد انتهاء فترة العزل داخل المستشفى وفى حالة إصابة الممرض أو الممرضة بفيروس يتحمل المكتب تكلفة العلاج.

وأكد أبو العزم أن أهل الحالة يأخذون كل احتياطات الأمان من خلال الحصول على صورة من البطاقة الشخصية وكارينه المكتب، مؤكدا أيضا أن المكتب غير مرخص وزارة الصحة ولا من أى جهة موضحا أن جميع مكاتب التمريض بمصر تعمل دون ترخيص، لكن تستطيع توفير خدمة التمريض متكاملة لأنهم يعملون داخل مستشفيات حكومية وخاصة.

الصحة آخر من يعلم 

من جانبها،  أكدت دكتورة كوثر محمود نقيب التمريض ورئيس الإدارة المركزية للتمريض بوزارة الصحة أنها لا تعلم شيئا عن مكاتب خدمات التمريض، وأضافت أن إدارة الرقابة والترخيص بوزارة الصحة ونقابة التمريض لم تتلق أى بلاغات بخصوص هذه المكاتب، وتابعت: بالطبع هذه المكاتب تعمل تحت بير السلم ونحن سوف نتصدى لهذه الظاهرة، كما حدث مع مكاتب تدريب التمريض.

وطالبت «نقيب الممرضين» كل من يعلم شيئا عن هذا المكاتب بالتقدم ببلاغ على الفور، سواء إلى الإدارة المركزية للتمريض بوزارة الصحة أو نقابة التمريض، وبدورها ستحيل البلاغ إلى النائب العام لإغلاق هذا المكتب لأنها تمثل خطورة على أرواح المرضى داخل المنازل، بالإضافة لهذا فإن مزاولة التمريض المنزلى يخضع لتصريح اسمه «تصريح مزاولة التمريض المنزلى»، ويخرج التصريح عن طريق المستشفى الذى تعمل به الممرضة،  لأنه الجهة التى ترسل الممرضة وليس مكاتب «غير معترف بها».

الدكتورة إيناس عبدالحليم عضو لجنة الصحة بمجلس النواب طالبت وزارة الصحة بالتدخل إما بالتصدى لهذه المكاتب أو تقنين أوضاعها لأنها أصبحت ظاهرة منتشرة، فمرتب الممرض المنزلى يصل إلى 10 آلاف جنيه فى الشهر، وتابعت: الوصول لتلك المكاتب والتصدى لها ليس صعبا، لأن إعلاناتها منتشرة على صفحات التواصل الاجتماعى ومقراتها ليست تحت الأرض.

وأشارت النائبة إلى ضرورة تقنين مزاولة أمهنة التمريض، بالأخص فى المستشفيات والعيادات الخاصة التى تعتمد أحيانا على  ممرضات غير حاصلات على مؤهل تمريض، لافتة إلى أن ارتفاع مرتبات الممرضات الحاصلات على كلية ومعهد التمريض هو السبب وراء لجوء المستشفيات الخاصة إلى فتيات حاصلات على مؤهلات متوسطة ويتم تدريبهن.