الأساطير الشعبية لأصحاب المقامات المزيفة

هند خليفة
رُغْمَ الثورة العلمية والتكنولوجية التى بات العالمُ يعيش تفاصيلها مؤخرًا؛ فإن بعض المصريين؛ خصوصًا فى المناطق الشعبية والعشوائية، لايزالون يتناقلون الأساطير والخرافات حول كرامات وبركات أولياء الله الصالحين، ولأنها تجارة رائجة لم تكتفِ هذه الشريحة من الناس بأصحاب المقامات الحقيقية، بل راحوا يتباركون بأشخاص وهْميين.
فى محيط كل ضريح شهير ومعروف كـ«الإمام الحسين والسيدة نفيسة والسيدة زينب» تجد عشرات من الأضرحة لأشخاص مجهولين يتم تناقل أساطير حولهم دون أى سَنَد؛ ليأتى لها المريدون من كل حدب وصوب للتبرُّك آملين فى قضاء حوائجهم.
ووفقًا لإحصائيات غير رسمية يصل عدد الأضرحة والمقامات المنسوبة لشخصيات غير معروفة إلى ما يقرب من 4 آلاف مقام، تنتشر جميعها فى ربوع مصر، وتمارَس فيها عادات مختلفة.
من جانبها تجولت «روزاليوسف» بين بعض الأضرحة والمقامات المنسوبة لأشخاص مجهولين؛ للتقصى حول الأساطير التى يتم الترويج لها حولهم.
صاحبة مَلهى ليلى تتحول إلى «العارفة بالله»!
«العارفة بالله»!!
ما بين الحوارى والعطفات المحيطة بمسجد السيدة نفيسة، ينتشر عددٌ من المقامات والأضرحة المجهولة، التى يتناقل عنها الناس بعض الأساطير.. البداية كانت يافطة كبيرة مكتوبة عن طريق الحَفر بالرخام، يبدو أنها قديمة من مئات السنين كونها ملصقة على واجهة منزل قديم مدوّن عليها «هنا اتجاه قبر العارفة بالله الهاشمية القرشية الشيخة نبيلة فؤاد» إلى جانب تلك العبارة سهم يشير إلى اتجاه السير للوصول إلى المكان.
سألت أحدَ الباعة عن مكان «ضريح سيدة تُسمى نبيلة» رد علىّ بحماس شديد أن اسمها «الشيخة نبيلة رضى الله عنها»، موضحًا أنها سيدة لها كرامات، ووجّهنى إلى طريق المكان الموجود فى شارع الأشراف، وأطلب منها ما أتمنّى لتحققه لى ببركاتها، وبالفعل توجهت وفقًا لوصفته لأجد مَبنى زجاجيّا يحيطه الحديد المزخرف والمُذَهّب، وبداخل هذا الزجاج صندوق خشبى يكسوه قماش حريرى لونه أخضر.
ما أن تطأ قدماك المكان تشعر أنك بمقام أحد أولياء الله الصالحين بالفعل، كما يعتبره بعض المُريدين الذين اعتادوا المجىء إليه والتبرُّك بصاحبته، بقراءة الفاتحة لها والدعاء بأن تشفع لهم عند الله.
مَظهر طراز المكان الحديث، يثير لدَى أى شخص يمر به الكثير من التساؤلات، ما دفعنى لسؤال بعض الأهالى عن هوية الشيخة نبيلة المدفونة فيه، فبعض سكان المنطقة يؤكدون أنها مواطنة عادية نافين الحديث عن أى كرامات لها، على عكس البعض الذين يؤكدون بحسب ما سمعوا من أساطير أنها من نَسْل النبى- صلى الله عليه وسلم- وصاحبة كرامات وبركات.
يكشف الحاج إبراهيم، صاحب أحد المقاهى المواجهة للمدفن، وهو رجل فى العقد الخامس من عمره، أن زوج تلك السيدة مليونير يُدعى «عبدالعزيزالنجار»، وهو رجل أعمال شهير وابنته عضوة مجلس الشعب السابقة «شاهيناز النجار»، حينما توفت الزوجة التى كانت تملك فندقًا شهيرًا بالقاهرة ومعروف بأنه ملحق به مَلهى ليلى وتمارَس فيه أنشطة غير مشروعة، اهتمّا بالمدفن الخاص بها وأن يتم بناؤه بصورة مبالغ فيها.
ويتابع باستنكار شديد: «صاحبة فندق ومَلهى ليلى جوزها بالفلوس خلاها العارفة بالله وولى من أولياء الله!»، ويروى حكاية هذا المقام المزعوم الذى بُنى فى السنوات الأولى من عام 2000م، أن هذا الرجل الثرى كان يملك ذلك المدفن المرفق له استراحة؛ حيث كانوا دائمًا ما يأتون لزيارته، وبَعد أن توفت زوجته أراد أن يجعل المكان فخمًا ومختلفًا.
لم يكتفِ بذلك فقط؛ حيث أطلق عليها العارفة بالله والقارئة للقرآن الكريم وأنها من سلالة النبى، إضافة إلى وضْع جدارية كبيرة بطول البناء مدون عليها بالخط العربى الإسلامى أعمالها الخيرية التى من بينها إضافة مُصلى للسيدات لأحد المساجد وتجديد آخر، والمساهمة فى المعهد القومى للأورام، وبعض الأعمال الخيرية الأخرى.
وأضاف صاحب المَقهى: إن بعض الجهلاء يأتون للمكان من الأقاليم والمحافظات المختلفة للتبرُّك به بلمس الحديد والتمسح به، إضافة إلى أن البعض يحاولون ترك نذور. مشيرًا إلى أن الأهالى يحاولون توعية هؤلاء وتأكيد أنها شخصية عادية مدفونة بالمكان ويطلبون منهم ترك المكان.
سيدى الحناوى طار من الصعيد ملفوفًا بكفنه
يقودك السَّيْرُ فى الحارة المجاورة لمسجد السيدة نفيسة إلى ممر طويل فى آخره مقام شهير باسم «مقام الحناوى»، والمنسوب إلى شخص يُدعى «أحمد الحناوى»، الذى تقصده عادة النساء والفتيات الراغبات بالزواج أو الإنجاب.
يقع المقام أمام بوابة أحد المدافن التابعة لمقابر السيدة نفيسة، فهوعبارةعن قبة تعلو مبنى صغير من الطوب المرصع بالسيراميك، مساحته وارتفاعه تقريبًا نصف متر، وتكسو تلك القبة الحناء التى تضعها عليه كل من تتمنى أمنية وتحقق، لتأتى غيرُها تأخذ منها وتضعها على يدها وتشعل شمعة، لتنذر نذرًا بأن تعود مَرّة أخرى حينما تحقق أمنيتها لتضع الحناء على المقام.
وبحسب رواية قالتها لنا الحاجة فاطمة- بائعة ورد وبخور لمريدى السيدة نفيسة- إن المقام منسوب إلى «أحمد الحناوى» وهو كان خادمًا لمسجد الإمام الحسين، وحينما توفى تم دفنه ببلده فى الصعيد بمحافظة أسيوط، لكن جسمانه حضر «طائرًا» إلى هذا المكان فوجدوه ملفوفًا بكفنه ومدون عليه اسمُه؛ ليتم دفنه بمكانه ويقام له مقام فيه.
وتؤكد الحاجة فاطمة، وهى فى العقد الثامن من عمرها، أنها رأت بعينيها ذلك، حينما كانت صغيرة. مشددة على أن الحناوى «ولى من أولياء الله»، لتنصحنى بأن أتوجّه له وأدعى الله بالنية التى أرغبها وأنذر نذرًا عند تحقيقها لأعود وأهديه به.
«أم الغلام» مقصد العجائز
لم يمنع إغلاق ضريح «أم الغلام» الذى يقع على بُعد أمتار من مسجد الحسين بالقاهرة، بسبب إجراءات مواجهة فيروس «كورونا»، الزوجين «سيد ونورا» من المجىء للتضرُّع والمناجاة من أمام بوابة المقام الموجود تحت الأرض، وطلب تحقيق رغبتهما بالإنجاب، فيقول الزوجان إنهما جاءا من محافظة الشرقية لزيارة أولياء الله فى أكثر من مكان، بعد أن عانيا من تأخر الإنجاب.
يقع الضريح فى أحد الشوارع العتيقة الذى يضم مبانى قديمة تعود لمئات السنين، فأغلبها آيل للسقوط بعد تأثره بزلزال عام 92 الشهير، فلهذا السبب أغلق منذ سنوات المسجد الموجود به المقام الذى يطلق عليه «جامع أم الغلام».
يقول الحاج محمود، صاحب محل بقالة ملاصق للمقام، إنه وُلد بهذا المكان وكبر وهو يرى «ناس أشكال وألوان» يأتون للمقام للتبرُّك به، وأن هناك روايات كثيرة ومختلفة حول صاحبته. مشيرًا إلى أن البعض يروون عن أم الغلام أنها سيدة أخذت رأس الإمام الحسين ووضعت بدلًا منها رأس ابنها بعد أن ذبحته لتأتى برأس الحسين إلى مصر ودفنه فيها.
لكنه لم يرجّح الرواية السابقة، ليرجح رواية أخرى بأنها زوجة الإمام الحسين، مستشهدًا بلوح مُعلق على أحد جدران الضريح فإنها زوجة الإمام الحسين الفارسية «شهربانو جهان شاه بنت يزدجرد» إحدى بنات كسرى مَلك الفرس، التى زوجها الإمام على- رضى الله عنه- لابنه الحسين فى حضور عمر بن الخطاب، والتى غيّرت اسمَها بعد دخولها الإسلام إلى فاطمة وأنجبت الإمام على بن زين العابدين، الملقب بـ«على الأصغر».
ويضيف الحاج محمود ذو العقد الخامس من عمره: «من صغرى بشوف ناس بتيجى تتبارك بالمكان.. وناس تانية بتيجى علشان فك السحر والأعمال ودول أهل المنطقة بيطردوهم».
مشيرًا إلى أنه قصَدَ هذا المقام مرّتين فقط طوال حياته رُغم وجوده بالمكان نفسع، وأن مشاكله بالمرّتين تم حلها.
وتابع بأن هناك كثيرين يأتون للمقام يتباركون به ويعودون مرّة أخرى بعد حل مشكلاتهم. لافتًا إلى أن أغلبهم من راغبى الزواج والإنجاب، متذكرًا أحد المواقف بأن فتاة كانت تطلب الزواج بعض المريدين طلبوا منها إحضار فستان زفاف ووضعه بالضريح حتى يتسنّى لها الزواج.
ويستكمل بأن المقام يشهد إقبالًا كبيرًا من المريدين فى ذكرى مولد الإمام الحسين؛ حيث يَرجون التقرب من آل بيت النبى، ويأتى ذلك فى ظل عدم وجود رواية موثقة حول حقيقة الروايات والأساطير المنتشرة حول صاحبة الضريح.