الخميس 22 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

ميلانخوليا.. الكوكب الأحمر والكهف السرى

«الأرض شريرة، ليس علينا أن نحزن عليها، لن يفتقدها أحد».. هذا ما تُصرّح به «جستين» لأختها «كلير» المنزعجة من احتمال فناء كوكب الأرض بكوكب أحمر يقترب وشيكًا من الأرض. 



 

يتماهَى «لارس فون ترير» فى هذا الفيلم مع بطلته ويضع على لسانها ما يريد قوله فى فيلمه (سوداوى ميلانخوليا) الذى قدّم فيه رؤية مختلفة تمامًا عن نوعيات أفلام نهاية العالم المليئة بالتفاصيل والشروح العلمية، عبْر بصيرة المرأة الذكية «جستين» وحسابات علمية لرجل لديه قدرة على القياس وطفل موهوب ومكتشف بالفطرة، وحصان اسمه «إبراهام».

 

 

ما من حياة سوى على الأرض ولن تدوم طويلًا.. هكذا تُقرّر «جستين»، ويقول «جون» إنه عند التعامل مع العلم والحسابات يجب توقُّع نسبة من الخطأ. قاصدًا مسار النجم الذى يقترب من الأرض وتراه «جستين» بعينيها المجردتين، والطفل يحسب اقترابه باختراعه السلكى و«جون» الأب يحسب بالتليسكوب، بينما «كلير» الأم فى حالة إنكار شديد وقلق على مستقبل طفلها «ليو». والآخرون لاهون فى مشاغلهم وحساب مكاسبهم وخسائرهم غير مهتمين بمصير كوكبهم، ويبدو أنه لن يفتقده أحد كما صرّحت «جستين». 

 

مَشهد ما قبل العناوين يبدو رمزيّا يجمع «جستين» وأختها «كلير» وابنها الطفل الذكى الذى اخترع سلكًا بسيطا يقيس به مدى اقتراب الكوكب الأحمر من الأرض.

 

يُقسّم «فون ترير» فيلمه إلى قسمين؛ الأول معنون باسم «جستين» ويكون الحدث به عن زفافها الذى رتبته أختها «كلير» بشكل برجوازى كبير، وهناك الأم الغاضبة والكارهة لفكرة الزواج فتحرّض «جستين» على الهرب، ووالدها المنفصل عن أمها، الذى يتصرف بحماقة، وسيمضى الحفل إلى كارثة بتصرُّف «جستين» مع موظف طلب منه صاحب الشركة ملاحقتها ليحصل على شعار للشركة  قبل انشغالها بشهر العسل، يمنحها ترقية لاحتياجه إلى ابتكارها، ولكن «جستين» تتمرد على كل ما يطلب منها، أن تتصرف بكياسة فى الحفل، أن تقدم لصاحب الشركة الشعار الذى يريده، وأن تمنح نفسَها للعريس الغافل «مايكل»، تتركه وتهرب إلى الحديقة وتغتصب الموظف الذى يعتقد أنه بذلك سيبقى فى وظيفته ولكن يتم رفده لعدم حصوله على التصميم. يجمع العريس حقيبته ويترك قصر الزفاف، تصر «كلير» على استضافة أختها فى بيتها الريفى خشية أن تنتحر، وفى البيت الفخيم يدرك الزوج اقتراب الكوكب، يُخزّن طعامًا كثيرًا، يتأكد من حساباته عن نهاية العالم فينتحر بأقراص كانت «كلير» قد أعدتها لليوم المشهود. وفى تصرُّف برجوازى تغطى جثته فى الاسطبل بالقش وتسرع إلى القرية مذعورة وهى تحمل ابنها  فى محاولة للنجاة، ولكن الأعاصير تزداد والأجواء ضبابية فتعود فاقدة الحيلة لتجد «جستين» ثابتة بعد أن تدفأت بأشعة كوكب «ميلانخوليا»، وينتهى الثلاثة «جستين» وأختها «كلير» وابنها «ليو» فى الكهف السحرى. 

 

صَوَّرَ المخرج المؤلف «جستين» كتعبير عن فص المخ الأيسر للإنسان المسئول عن عواطفه وخياله وشطحاته، و«كلير» كفص المخ الأيمن المسئول عن الحسابات الدقيقة وكل ما يخضع للمنطق، ومعهما المُخيخ المتمثل فى «ليو» الصغير. فى أكثر من موضع بالفيلم يسأل خالته متى ستلعب معه لعبة الكهف السحرى؟  وفى نهاية الفيلم فقط سنفهم المقصود بالكهف السحرى حين تجمع معه بعض الحطب وتقيم خيمة من الأغصان تطلب منه الجلوس وتنادى أمّه ليجلسوا معًا والطفل مغمض العينين محاولًا إبعاد الخوف، يحدث الصدام وينصهر كوكب الأرض كلية بمَن عليه. نهاية تبدو نوعًا من التشفى من شخص غاضب ومكتئب.

 

الفيلم وترجمة عنوانه بالعربية (سوداوى) يمثل الجزء الثانى من ثلاثية الاكتئاب الصادمة للمشاهدين، وقد تغير الإعجاب بصاحبها من الاحتفاء بأسلوبه «دوجما 95» وتوجهه اليسارى إلى معاملته كمريض نفسى ليس فقط لمحتوى أفلامه ولكن لتصريحاته النارية والصادمة التى أخرجته من جنة مهرجان «كان».

 

(ميلانخوليا) فيلم مختلف تمامًا عن أفلام الخيال العلمى وأفلام نهاية العالم المستقبلية الأمريكية، يمثل إنجازًا فريدًا لسينمائى من الدنمارك يعبر بشكل فلسفى نفسى، وإنسانى وجمالى عن احتمالية انتهاء العالم الشرير الذى نحياه. قاصدًا بالأرض البشر وعقولهم المتباينة وليس الكوكب بحجارته وعناصره الطبيعية.>