مؤسسات التمويل الدولية مهددة بالإفلاس!
رضا خليل
أدت المشاكل المالية والاقتصادية، التى تزامنت مع انتشار جائحة فيروس كورونا عالميا، إلى زيادة ديون الحكومات والشركات، على حد سواء، وهو ما دفع المؤسسات المالية الدولية لزيادة مخصصات الإقراض بأرقام غير مسبوقة.
وفى ظل التقارير الدولية التى تشير إلى إمكانية استمرار هذه الجائحة لعام كامل، فإنه من المنتظر أن يؤدى ذلك إلى زيادة اندفاع الدول الغنية والفقيرة؛ لمواصلة الاقتراض، وهو ما قد يؤدى فى نهاية المطاف إلى نضوب الموارد المالية لدى المؤسسات المالية الدولية، لاسيما فى ظل عدم قدرة الدول على سداد القروض قبل عودة الانتعاش للاقتصاد العالمى، وهو الأمر الذى قد يستغرق سنوات.
برامج التحفيز
أدت الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها غالبية دول العالم لمكافحة جائحة الفيروس المستجد، إلى حالة من الشلل التام فى نشاط الأعمال والأسواق المالية والسلعية، وهو ما استدعى تدخل الحكومات لضمان توفير قدر من السيولة فى الأسواق، لذلك سارعت كبرى الاقتصادات العالمية لإطلاق حزم تحفيز اقتصادية ضخمة بهدف الحفاظ على استقرار الأسواق، لكن تلك الأموال الطائلة، تنذر بكارثة أكبر، تتمثل فى زيادة حجم الديون العالمية بوتيرة غير مسبوقة، وهو ما يحد من قدرة الدول على السداد، فلم يكن برنامج التحفيز الأمريكى الذى رصد نحو 2.2 تريليون دولار، سوى مجرد زيادة فى فاتورة ديون الحكومة الأمريكية، والتى تعانى من عجز فى الميزانية أساسًا يصل إلى تريليون دولار سنويا، وهو ما يرفع ديون الحكومة الأمريكية لأكثر من 24 تريليون دولار.
بينما كان برنامج التحفيز الألمانى للاقتصاد، هو الثانى من حيث القيمة، حيث بلغ نحو ترليون و100 مليار يورو، وذلك بخلاف خطة الحفز المالى التى أطلقها المركزى الأوروبى بقيمة 750 مليار يورو والتى خصصها لشراء السندات، علاوة على خطة الإنقاذ الأوروبية التى أقرها وزراء المالية الأوروبيون، بقيمة 500 مليار يورو لمساعدة الدول الأعضاء الأكثر تضرّراً من وباء فيروس كورونا «كوفيد- 19».
وأعلنت اليابان قبل أسبوع، عن خطة تحفيز بقيمة 990 مليار دولار، بهدف تقليل الأضرار الناجمة عن الفيروس، ومن المنتظر أن تؤدى هذه الخطة لارتفاع قياسى لديون ثالث اقتصاد فى العالم .
ضخامة الديون
لم يكن تسارع الدول للاقتراض للسيطرة على الآثار الاقتصادية للفيروس المستجد، ليشكل أزمة لو أن حجم الديون العالمية كانت عند المستويات الآمنة قبل انتشار هذا الوباء، لكن ضخامة الديون العالمية المتراكمة ينذر بكارثة غير مسبوقة كما حذر كثير من الخبراء.
وأعلن صندوق النقد الدولى قبل ثلاثة أشهر، أن إجمالى الدين العالمى (العام و الخاص) وصل إلى 188 تريليون دولار فى نهاية عام 2018، بزيادة 3 تريليونات بالمقارنة مع عام 2017.
وكشف أن متوسط نسبة الدين العالمى للناتج المحلى الإجمالى (موزون بالناتج المحلى الإجمالى لكل بلد) ارتفع إلى 226 % فى عام 2018، ونوهت مدونة صندوق النقد إلى أنه على الرغم من أن تلك الزيادة كانت أصغر زيادة سنوية فى نسبة الديون العالمية منذ عام 2004، لكن إلقاء نظرة قريبة على البيانات الخاصة بكل دولة يكشف عن مواطن ضعف متزايدة، الأمر الذى يشير إلى أن عددا من البلدان قد تكون غير مهيأة للانكماش المقبل.
وكانت المفاجأة التى ذكرها التقرير أن إجمالى نسبة ديون الصين بلغ 258 % من الناتج المحلى الإجمالى وهو تقريبا نفس معدل الولايات المتحدة ويقترب من المتوسط بالنسبة للاقتصادات المتقدمة، التى كانت عند 265 %.
ومن المعروف أن الدول المتقدمة هى أكبر الدول ذات مديونية فى العالم، وأن اليابان تعتلى هذا التصنيف كونها الدولة الأكبر دينا فى العالم مقارنة بعدد سكانها، حيث يبلغ دينها 235 % من الناتج المحلى الإجمالى، فيما تأتى اليونان فى المركز الثانى بدين يصل إلى 191 % من الناتج القومى الإجمالى بتعداد سكان يبلغ 11 مليون نسمة.
وكشف تقرير أصدره البنك الدولى أكتوبر الماضى،عن إحصاءات الديون الدولية لعام 2020 أن إجمالى الديون الخارجية للبلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل قفزت بنسبة 5.3 % إلى 7.8 تريليون دولار فى عام2018، وأن صافى تدفقات الديون (إجمالى المدفوعات مطروحا منها أقساط سداد أصل القروض) من الدائنين الخارجيين هبطت 28 % إلى 529 مليار دولار.
الدول النامية
على عكس الدول المتقدمة التى تلجأ لبنوكها المركزية ومصارفها الخاصة للاستدانة، تلجأ الدول الفقيرة فى الغالب للاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية، كصندوق النقد والبنك الدوليين، لتمويل مشاريعها وسد عجز موازنتها.
وفى ظل الآثار السلبية لهذا الفيروس، الذى أثر بشكل كبير على معدلات الطلب على السلع الأولية والمواد الخام، بدأت معظم الدول الفقيرة فى البحث عن تمويل من تلك المؤسسات، لمواجهة هذه الجائحة، لاسيما فى ظل تواضع الإمكانيات الصحية لتك الدول. وأعلنت مديرة صندوق النقد الدولى كريستالينا غيورغييفا، عن استعداد الصندوق لاستخدام تريليون دولار من أرصدته لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، ويشكل هذا الملبغ كامل المخصصات المالية المخصصة لدى الصندوق لبرامج الإقراض.
وأكدت غيورغييفا، أن الصندوق بدأ بتقديم المساعدات للبلدان التى تحتاج إليها، وقالت إن «هذه هى أسوأ فترة سوداء للبشرية رأيتها بحياتى، وخطر كبير على العالم أجمع، وهذا يتطلب منا الوقوف فى وجهه، والوحدة وحماية المواطنين الأكثر عرضة للخطر».
وأشارت إلى أن البنوك المركزية ووزارات المالية فى مختلف الدول قد اتخذت إجراءات غير مسبوقة لمواجهة تأثير فيروس كورونا، لكن هناك حاجة للمزيد من العمل لضمان السيولة، وخاصة فى الأسواق الناشئة.
وذكرت أن الصندوق سينظر قريبا فى وضع خط ائتمانى جديد لدعم السيولة على المدى القصير لتوفير الأموال للدول التى تواجه مشاكل.
ودعت غيورغييفا البنوك المركزية، وخاصة الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى لمواصلة دعم الاقتصادات الناشئة، مشيرة إلى هروب الاستثمارات من هذه الأسواق بحجم 90 مليار دولار.
وجددت التأكيد على أن الاقتصاد العالمى قد دخل مرحلة الركود، مشيرة إلى أن الأزمة الحالية أسوأ بكثير من الأزمة الاقتصادية العالمية التى كانت فى 2008 – 2009.
وطلبت أكثر من 90 دولة من الدول الـ 189 الأعضاء فى صندوق النقد الدولى تمويلا عاجلا لمواجهة فيروس كورونا.
وكانت تونس أولى الدول التى حصلت على مساعدة من صندوق النقد الدولى لمواجهة فيروس كورونا، حيث حصلت على نحو 750 مليون دولار من الصندوق قبل أيام، فيما تجرى محادثات مع الصندوق لعقد اتفاق تمويل جديد لضمان قرض من إحدى البلدان السبع الكبرى منتصف العام الجارى.
كما منح الصندوق غانا مليار دولار كحزمة مساعدات لمواجهة فيروس كورونا، وذلك من خلال تسهيل الائتمان السريع وسط تعثر نموها الاقتصادى وتزايد احياجات حكومتها للتمويل.
وخصص صندوق النقد نحو 50 مليار دولار كتمويل للطوارئ للبلدان الفقيرة والناشئة، وذلك من خلال أداة التمويل السريع، والتى يمكن الحصول عليها دون الارتباط ببرنامج كامل مع الصندوق.
مجموعة البنك الدولى
بنفس الطريقة أعلنت مجموعة البنك الدولى، عن إتاحة حزمة تمويل أولية فورا تصل قيمتها إلى 12 مليار دولار لمساعدة البلدان على التغلُّب على الآثار الصحية والاقتصادية لتفشِّى فيروس كورونا (COVID-19)، ويهدف هذا التمويل إلى مساعدة البلدان الأعضاء على اتخاذ إجراءات فاعلة للتصدى للآثار المأساوية التى أحدثها تفشى فيروس كورونا، والتقليل منها كلما أمكن ذلك.
ومن خلال هذه الحزمة الجديدة السريعة، ستساعد مجموعة البنك الدولى البلدان النامية على تقوية الأنظمة الصحية، بما فى ذلك تحسين سبل الحصول على الخدمات الصحية لحماية السكان من هذا الوباء، وتدعيم مراقبة الأمراض، ودعم تدخلات الصحة العامة، والعمل مع القطاع الخاص على تقليل تأثير ذلك على الاقتصادات.
لكن مع انتشار الفيروس على نطاق واسع، رفع البنك الدولى من حجم البرامج الدعم، ليقر خطة مساعدات طارئة قدرها 160 مليار دولار على مدى 15 شهرا، لدعم جهود الدول فى التصدى لتداعيات فيروس كورونا.
وأعلن البنك عن أول حزمة تمويل عاجلة للأزمة بتخصيص 1.9 مليار دولار لتمويل مشاريع فى 25 بلدا إضافة إلى عمليات جارية فى 40 بلدا.
وتعمل فرق عمل البنك الدولى أيضا مع البلدان المتعاملة معه للمساعدة على توجيه 1.7 مليار دولار أخرى إلى الجهود العاجلة للتصدى للجائحة والتعافى منها. وهذا يشمل إعادة هيكلة واستخدام مكونات الطوارئ للمشروعات بالإضافة إلى أدوات التمويل الطارئة المصممة لمواجهة الكوارث.
وقال رئيس البنك الدولى، ديفيد مالباس، إنه من المتوقع أن يؤدى انتشار فيروس كورونا إلى «ركود عالمى ضخم» ومن المرجح أن يلحق أكبر ضرر بالدول الفقيرة والضعيفة النمو.