السبت 25 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الفرق بين نجوم الفن ونجوم الحضارة

الفرق بين نجوم الفن ونجوم الحضارة

قليلة هى الأعمال الفنية، التى تبنى قيمًا جديدة، للعلاقات بين البشر، تكون أكثر إنسانية، وعدلًا. وبالتالى تخلق حضارة مغايرة، يمكنها إسعاد الإنسان، وتحريره، والارتقاء به. هذا بالطبع، دون أن تخل بشرط توافر المتعة، والبهجة، للجمهور.



وهذا أمر، تشترك فيه، كل بلاد العالم. مما يوضح، كم هو صعب جدًا، أن يتورط مثلًا، فيلم، فى إقناع البشر، بأن حياتهم «كاذبة»، «مزيفة»، «عنصرية»، وأن عليهم، فعل شىء ما، لتغييرها، ورغم ذلك، يستمتعون بالفيلم، على مدى ساعتين. وربما يشاهدونه، أكثر من مرة.

 «الثورة»، مع «المتعة»، هذا هو التحدى، أو السهل الممتنع، فى أى عمل فنى.

 إن «المتعة» فى العمل الفنى، متعة، تحرض على التفكير، فى آفاق جديدة، وعلى إعادة طرح الأسئلة، وعلى غربلة العواطف، والمشاعر، الإنسانية، بشكل «خفى»، «ناعم»، تمامًا مثل، أشعة الشمس، فى الخريف، التى تتسلل إلى الجلد، فى هدوء، وسلاسة، ونعومة.

وكل هذا، لا بد أن ينبع، من قيم الجمال، والاستمتاع، والسرور. وإلا أصبح العمل الفنى، غير فنى، وقبيحًا، ومنفرًا، وفاشلًا.

يُقال إن افتقاد العمل الفنى، للمتعة، والجمال، والنعومة، يجعله «مباشرًا»، مثل الخطب السياسية، والأغانى الوطنية الحماسية.

لكننى أرى، أن الخطب السياسية، والأغانى الوطنية، الحماسية، حتى تكون مؤثرة، لابد أن تكون، مثل العمل الفنى، «ممتعة»، و«جميلة»، و«هادئة»، و«سلسة»، و«غير مباشرة».

وهنا أتذكر، مقولة جبران خليل جبران، نبى الجمال:

«افعل أى شىء.. طالما تفعله بجمال».

 أتخيل لو مثلًا، منذ ثلاثينيات القرن الماضى، كنا نشاهد أفلامًا سينمائية، تقدم لنا، التحدى الأكبر، والسهل الممتنع، أى «الثورة»، مع «المتعة»، لكان لدينا تيار جماهيرى واسع، وأجيال متتالية، ورأى عام شعبى، مستنير، يقف إلى جانب الحرية، والعدالة، والجمال. وكنا خطونا، خطوات واسعة، على طريق التقدم. لكن بكل أسف، هذا لم يتحقق.

ودعونى أضرب مثلًا واحدًا، بقيمة الشرف فى مجتمعاتنا.

كل الأفلام العربية، كلها، دون استثناء، اعتبرت أن شرف الزوج، أو شرف الأب، أو شرف كبير العائلة، «الذكر»، لا يُقاس بسلوكياته، وأخلاقه، هو شخصيًا. ولكن بفقد الأنثى، لعذريتها، قبل الزواج. وهو الأمر، الذى يستوجب قتلها، سترًا «للعرض» الذى تم استباحته، واستعادة للشرف، الذى «تمرمغ» فى الطين. ويزيد على هذا المفهوم المتدنى لمعنى الشرف للإنسان، سواء كان رجلاً، أو امرأة، أن الذكر الذى استغل حب، وثقة، الفتاة، الضحية، يذهب حرًا، دون عقاب، دون أى «نبذ»، اجتماعى، أو قانونى، أو أخلاقى.

وحتى يكون الفيلم، متمردًا، على هذا المفهوم «غير الشريف» لمقياس الشرف، لا بد أن تكون كل أسرة الفيلم، الكاتب، والمخرج، والأبطال، والمنتج، يؤمنون برسالة الفن، فى التغيير، والقيادة، والريادة، وضرورة كشفه، للقيم، والعلاقات، والأخلاق، التى تكرس للظلم، والفساد، والانحلال، والذكورية، والقبح، والتفرقة.

 والحق يُقال، إن السينما المصرية، قدمت أعمالًا كثيرة، كشفت قبح، وقهر، وتسلط، وفساد، القيم «الطبقية»، حيث «الأعلى»، اجتماعيًا، هو «مالك»، الثروة. وحيث صاحب رأس المال، هو رأس المجتمع، ورأس الدولة، ورأس الأخلاق، ورأس الثقافة، ورأس الدين.

كما قدمت السينما المصرية، أفلامًا كثيرة، عن مقاومة الشعب المصرى، وتوحده، ضد الاحتلال الأجنبى. لكننا لا نجد أفلامًا، كشفت بالقدر نفسه، وبالدرجة نفسها، قبح، وقهر، وتسلط، وفساد، القيم «الذكورية».

والشىء الجدير، بالملاحظة، أن الفتاة، أو المرأة، إذا تمردت على القيم الذكورية، فإنها فى آخر الفيلم، لا بد من عقابها، بالقتل، والموت، أو يحدث لها حادث، يشلها، ويقعدها عن الحركة، طوال حياتها، أو يطولها «النبذ» الاجتماعى، والأخلاقى، لتعيش مأساة أو عدة مآسى، وحيدة، بائسة. أو يتم ترويضها، لتدخل، مرة أخرى، «الحظيرة» الذكورية، وقد ندمت أشد الندم، على تمردها، وعدم طاعتها.

لا يوجد فيلم واحد، يصور امرأة، لا تطيع الأخلاق التى تميز الرجل، وتتمرد على سلطة الأب، أو سلطة الزوج، وتكون نهايتها، حياة هادئة، سعيدة، ناجحة.

والسؤال، لماذا يكون التصدى، للتفرقة بين الفقراء، والأثرياء، «أسهل»، من التصدى، للتفرقة بين النساء، والرجال؟

لماذا تحظى «الفقيرة»، بمنْ يتعاطف، معها ضد «الفقر»، وضد سلطة «المحتل»، الأجنبى؟ ولا تحظى بأى تعاطف، حين تقف ضد سلطة «الذكر»؟

والإجابة هى، أن هناك فارقًا جوهريًا، شاسعًا، بين «نجوم» السينما، أو الفن عامة.. ونجوم «الحضارة».

هناك فارق كبير، بين «موهبة» فطرية، و«جهد واع»، لدور الموهبة، فى تغيير الحياة.

هذه هى «محنة»، و«أزمة»، و«مأساة»، الفن، فى مجتمعاتنا، وربما فى العالم كله..المواهب كثيرة، متعددة، لكنها، لا تحمل رؤية، ثورية، للتغيير، والتقدم. هى تكتفى،

بتقديم التسلية، واستهلاك الوقت.