الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ربابة «الفجيرة» بين البهجة والشجن فى نسختها الثالثة!

ربابة «الفجيرة»  بين البهجة والشجن  فى نسختها الثالثة!
ربابة «الفجيرة» بين البهجة والشجن فى نسختها الثالثة!




التوتر فى ذلك الخيط الرفيع شديد الحساسية الذى يتأثر بشكل سريع وفعال مع كل ردة فعل يتعرض لها سواء كان وترا محسوسا أو وترا ملموسا.
هذا التأثير الحسى الذى يشبه الاهتزازة هو سر العلاقة  شديدة الشفافية بين أوتار القلب الرقيقة المحسوسة وأوتار الربابة الملموسة الأكثر شاعرية، فكلاهما مشدود إلى الآخر ويسبحان  مع نفس التيار حسب طبيعة البوصلة التى تحدد اتجاههما.
 
 
 فما يخرج من الوتر يصل إلى الوتر، فوتر الربابة الملموس عندما يهتز طربا يكون تأثيره على أوتار القلب أكثر اهتزازا سواء كان حزنا أو فرحا.
 فى دورته الثالثة قام سمو الشيخ «محمد بن حمد الشرقى» ولى عهد إمارة الفجيرة بدولة الإمارات العربية المتحدة وسمو الشيخ «راشد بن حمد الشرقى» رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام بافتتاح مهرجان الربابة الذى حضره كل من سعادة «محمد سعيد الضنحانى» نائب رئيس الهيئة وسعادة المهندس «محمد سيف الأفخم» رئيس بلدة الفجيرة ورئيس المهرجان. بمشاركة الشاعر الأردنى «سامى الباسل» منسق المهرجان و01 عازفين منهم «شاكر إسماعيل» من مصر و«على عبيد» من الإمارات و«أنور دراغ» من العراق و«داود عبداللا ييف» من «أذربيجان» و«بيان فارس» من سوريا.
ومن خلال الأوراق البحثية التى قدمت على هامش المهرجان والتى شاركت فيها ممثلا عن «مصر» و«ألبايروموفا» من «أذربيجان» و«فهد كريم» من «الأردن» و«بلقاسم  المترب» من تونس تمت مناقشة  الآلات  الموسيقية الوترية وكيف خلقت لتكون خير وسيلة للتعبير عن الحزن أكثر من الفرحة أو البهجة وليعيش أصحابها حالة من الشجن فى أغلب الأحيان. هذا نجده فى آلات «الكمان» و«العود» و«التشيلو» و«الكونتر باص»  وبالطبع آلة «الربابة» التى تعتبر سيدة الآلات الوترية الحزينة، فهى صديقة للصحراء ورفيقة الشعور بالوحدة والحزن، وهو ما يجعلها فى معزل عن بقية الآلات الموسيقية ، فرغم قدم ظهورها إلا أنها ما زالت الآلة الوحيدة البعيدة عن التكوين الموسيقى للفرق ن وإذا ما احتاج الأمر للاستعانة بها حسبما تتطلبه الضرورة تجد وجودها يكون على استحياء لتأدية الغرض ولأداء مهمتها المحددة ثم  تغادر على الفور إلى وحدتها وعالمها الخاص الذى تسعد به كثيرا بعيدا عن صخب بقية الآلات  الأخرى التى تزعجها بعد أن اعتادت لآلاف السنين على العزف وحيدة فى المساحات الشاسعة التى تمثل بيئتها الطبيعية وهى الصحراء.
حالة الشجن التى تسيطر  بقوة  على آلة الربابة دون غيرها من بقية الآلات الأخرى، ترجع إلى طبيعة الإنسان الذى يميل للحزن أكثر من ميله للفرح بسبب مصاعب الحياة التى يعيشها والتى تظلل المساحة الأكبر من حياته.
من أسباب ارتباط الربابة بالحزن والشجن المقامات الموسيقية والتى تتميز بها مثل «المسحوب» و«الهجينى» و«الصخرى» و«السامرى» وهو ما يؤكده البيت الذى يقول:
يا ربابة ع المسحوب غنى
 من قصيدى  بكى قوس الربابة
 الهدف الأساسى الذى صنعت الربابة من أجله - أيضا - يؤكد هذا المعنى، حيث عبرت عن قصص العذاب والهجر بين المحبين ولعل أشهر النماذج قصص «عنتر وعبلة» و«قيس وليلى» و«جميل بثينة» والتى انتهت جميعا نهايات مأساوية على عكس ما يتوقع الناس، وكذلك قصص الصراعات والحروب بين القبائل ولعل أبرزها «السيرة الهلالية» التى تخطت الألف بيت، أيضا القصص المأساوية التى تعرضت لها بعض الشخصيات التى اعتبرتها الموروثات نموذجاً للعبرة والعظة فى الصبر مثل قصص «سعد اليتيم» و«أيوب».
الربابة عندما تتعامل مع كلمات الشجن تكون هى الأنسب والأفضل للتعبير عنها، خاصة إذا ما ترجم شجن الكلمات والعزف الحالة المراد توصيلها للمتلقى سواء كان ذلك من خلال الغناء الفردى أو من خلال التيترات التى تتناول مسلسلاتها موضوعات متعلقة بالبيئة الصعيدية أو البدوية التى تعتبر آلة الربابة جزءاً من موروثها الثقافى، مثال ذلك تيتر مسلسل «الرحايا» و«الضوء الشارد» و«مملكة الجبل» و«حدائق الشيطان» و«شيخ العرب همام» وقد ساهمت تيترات هذه المسلسلات فى إحياء آلة الربابة التى ظلت مهمشة لفترة طويلة، خاصة أن هذه المسلسلات بتفاصيلها ومأساويتها تتناسب مع تلك الآلة الحزينة بشجنها وعذوبتها.
أيضا تناولت الأوراق البحثية اختلاف الأحاسيس التى تنقلها آلة الربابة - فى مختلف البلدان - للمتلقى مؤكدة أن : شجن العزف على الربابة يختلف من بلد إلى بلد.. فكما يقولون فى الأمثال «كل يبكى على ليلاه» هنا نقول «كل يغنى على رباباه» وإن كان الهم  العربى كله واحداً.. لكن مناطق الشجن تختلف باختلاف البيئة وطبيعة الظرف السياسى والتاريخى وحتى الشجن العاطفى، يختلف باختلاف العادات والتقاليد.  ففى كل بلدان الدنيا الأصل فى الربابة هو «الشجن» والذى يمثل القاعدة أما الاستثناء فهو «البهجة» حيث الربابة تتكلم الحزن وتعزف على أوتار قلب الإنسان البسيط المغرم المتيم.
إذا كان جنـوب مـصر - الـذى يوصف بـ«جبلى - أى قبلى» يعنى شجن الربابة وحزنها فإن دلتا مصر - التى توصف بـ «بحرى» تعنى بهجتها، فأهل الدلتا يحبون الضحك والبهجة والفرفشة،  ولا يفضلون الكآبة ولا الشجن، ولذلك ظهرت عندهم الكثير من الأغانى المبهجة، وإن كانت هناك بعض الحالات التى خرجت من الصعيد تحمل بين نغماتها وكلماتها البهجة والسعادة مثلما قدم لنا الريس متقال «الصعيدى» أغنية «البلاص» والتى حققت له شهرة عالمية هناك أيضا الأغانى الحديثة المبهجة التى تعاملت معها آلة الربابة دون التوقف فقط عند الموروث الشعبى لتؤكد الربابة أنها تستطيع التأقلم مع تطورات المرحلة وقادرة على عزف المقطوعات الصعبة رغم إمكانياتها الفنية المتواضعة التى لا تزيد عن وترين أو ثلاثة فى بعض الحالات النادرة، فقد نجحت الربابة فى عزف معظم أغانى «أم كلثوم» خاصة المبهجة مثل «ألف ليلة وليلة» و«غنى لى شوى شوى».
كما أن الربابة بحثا عن الأغانى المبهجة راحت ولأول مرة تخترق خط الدفاع الغنائى لـ «فيروز» فى الوقت الذى ظلت فيه الربابة لوقت طويل تخشى الاقتراب من هذه المنطقة نظرا لخصوصية الألحان وصعوبة تعامل الربابة معها. التجربة بدأت بأغنية «يا مرسال المراسيل».
 يبقى أن نقول إن نوعية أوتار الربابة عليها عامل كبير جدا فى تحديد طبيعة العزف إما حزينا أو مبهجا - وإن كان العازف الماهر يستطيع أن يوظف أى وتر لما يريد عزفه -  هنا تكون الخبرة والموهبة، فالوتر الشعر - وهو أصل أوتار الربابة - مسئول عن النغمة الحزينة الشجية، أما الوتر المسئول عن النغمة المبهجة فهو الوتر المعدنى  أو السلك نظرا لأن صوته حاد أقرب للبهجة منه إلى الشجن، وهناك الوتر الحريرى الذى لا يقل عنهما كفاءة فى العزف.