عاطف كامل يكتب : القضية الآن .. نكون أو لا نكون!

روزاليوسف الأسبوعية
قبل ثورة 25 يناير 2011 كان لدينا من يستطيع أن يمارس الحرية «من الإعلاميين»، ولكن لم تكن لدينا حرية.
واستطاع البعض أن يمارس هذه الحرية وينتزعها وهو على يقين بأنه سيدفع الضريبة سواء بالإقصاء أو حتى بالزج به فى قضايا ومحاكم.
واختلف الوضع بعد الثورة، حيث كانت «الحرية» هى أحد أهم مطالبها، والحرية كانت مطلباً عاماً للمواطن المصرى الذى كبتت آراؤه وقيدت حريته على مدار عقود كثيرة، فما بالكم بالإعلامى الذى تنطلق كل إبداعاته ومواهبه فى جو الحرية.. فهل يستطيع أحد أن ينتزع هذه الحرية مرة أخرى؟!
ولكن.. مع مرور عامين على ثورة 25 يناير.. كيف تدار اللعبة بين الأحرار ومكممى الأفواه؟!
وفى رصدنا لحال الإعلام المصرى بعد ثورة 25 يناير، دعونى هنا أركز على الإعلام المرئى، وهو الأكثر مشاهدة للمواطن.
فمنذ بداية الثورة كان هناك تخبط واضح فى إعلام الدولة «التليفزيون المصرى»، وقد تهاوى كما تهاوى النظام بأكمله خلال أيام الثورة الثمانية عشرة.
فقد جاء أنس الفقى قبل الثورة وزيراً للإعلام كى يُكمل مشروع التوريث لجمال مبارك من الناحية الإعلامية، فبدأ بصناعة بعض النجوم - من خارج المبنى وداخله - ليصنع لهم شعبية واسعة يستطيع استخدامها بعد ذلك فى توجيه الرأى العام لصالح الرئيس الجديد ابن الرئيس، فلم يستطع - وقتما فاجأه الشعب بضرورة إسقاط النظام ورفض التوريث - أن ينقل هذه الحقيقة على شاشاته بل جند بشكل أو بآخر من يحاول إيهام المشاهدين أن هؤلاء مجرد بلطجية ويتقاضون أموالاً من الخارج، إلا أن الثورة فرضت نفسها، وقال الشعب كلمته، وانكشفت هشاشة النظام وخدع الإعلام في وزيره.
أما الإعلام الخاص فقد كانت هناك بعض القنوات وبعض الإعلاميين الذين يحاولون إرضاء النظام السابق، والوقوف بحياد - خلال أيام الثورة - حتى يروا البوصلة تتجه إلى أين؟ إلى القصر الجمهورى وقمع المتظاهرين أم إلى الشارع.
وحينما حسم الشارع أمره تحولت هذه القنوات، وتحول بعض الإعلاميين إلى المواطن والثورة.
وحتى يكون التقييم موضوعياً، فيجب أن نعترف أن الفوضى سادت أرجاء البلاد، وجميع المجالات من فوضى الأخلاق إلى فوضى الأمن إلى فوضى الأحزاب، وهو ما طال الإعلام يقيناً.ولا ينبغى أن نحاسب من تحول موقفه وأصبح فى صف الناس «فمن منكم بلا خطيئة فليبدأ بالرجم».
وقد مررنا خلال العامين السابقين بما نستطيع أن نسميها «مرحلة الفرز».. فالمشاهد المصرى بحدسه وحسه القوى ووعيه السياسى الذى يتزايد يوماً بعد الآخر يستطيع أن يفرز ويغربل ويفرق بين الغث والسمين.. بين الصادق والمخادع.. فقد تدرب عقله ووعيه على هذا.
أما بصفة عامة فقد لعب الإعلاميون الشرفاء - ومازالوا - دوراً مهماً فى كشف الألاعيب السياسية، وفضح الوعود الزائفة، وترويج الآمال تحت مظلة الدين، والدين منهم برىء.
كشف الإعلام - ومازال - الارتباك السياسى، واللاإدارة اللذين يدبان فى مصر بوضوح شديد.
فمن استطاع أن يدفع ثمناً غالياً متمثلاً فى دماء أبنائنا من شهداء الثورة ليحصل على حريته، لن يتراجع ولن يخشى تهديدات أو ميليشيات أو إقصاءات.
لقد أصبح هناك ميثاق شرف بين الإعلامى و«ربه».. أن يرضى الله وشعبه فقط.
لقد بدت اللعبة السياسية وكأنها «ع المكشوف»، ومن الغباء أن يعتقد طرف بأن الطرف الآخر أغبى منه ولن يفهم ألاعيبه.. بل يؤدى الغباء فى كل الأحوال إلى سقوط صاحبه.
كان الكثير من الإعلاميين - رغم اختلاف التوجهات والأفكار - يأمل أن تكون سياسة ما بعد الثورة هى الديمقراطية والعمل على تدعيمها أياً كان الفصيل أو التيار الذى يحكم!.
ولأن الإخوان المسلمين تشّعروا بشعار «الحرية والعدالة» فى اسم حزبهم، فقد كنا نأمل أن نجدهما عملاً وليس قولاً.
ولكن المشهد اختلف، وبدأت محاولات النيل من العدالة، وهو ما حدث فى شواهد كثيرة بدءاً من الإعلان الدستورى للرئيس مرسى وعدم الطعن عليه ومروراً بإقصاء النائب العام ثم استهداف المحكمة الدستورية العليا بأشخاصها، ووصولاً إلى الدستور غير التوافقى، وكلها شواهد تصيب العدالة فى مقتل.
ثم التفرغ الآن «للحرية».. فبدأت الحرب على الإعلاميين المختلفين مع سياسة إدارة البلاد.. فتجد هجوماً لا مبرر له من أعضاء الحزب أو المسئولين للإعلاميين.
وتجد تارة أخرى ميليشيات إلكترونية تهاجم كل من يختلف مع سياسة الإخوان أو الرئاسة.
أما ما يحدث داخل أروقة مبنى ماسبيرو فحدث ولا حرج، فهذه شهادة شاهد من أهلها.. فأنا أعمل مذيعا فى هذا المبنى منذ ثمانية عشر عاما، وكان لى الشرف أن أقدم برنامجا جماهيريا «لو بطلنا نحلم»، لمدة ثمانى سنوات، وكان يعد البرنامج المعارض الوحيد على شاشة القناة فى ظل النظام السابق، وأبعدت لهذا السبب.
ثم بدأت أول برنامج يذاع بعد ثورة 25 يناير، وولد من رحم الثورة، وأقسمت على ألا أقول إلا ما يرضى الله ويحقق صالح هذا الوطن.
وكنا ننتقد المجلس العسكرى بشدة وقت مسئوليته عن إدارة البلاد، رغم أن المسئول عن وزارة الإعلام وقتها هو اللواء طارق المهدى «محافظ الوادى الجديد الآن»، ولم يكن يتدخل فى أية مساحة للحرية، ولم آخذ يوما توجيها أو ملحوظة.
ثم انتقدنا أيضا الأداء الإعلامى للتليفزيون المصرى وقت مذبحة ماسبيرو، بل طالب أحد ضيوف البرنامج بإقالة وزير الإعلام «أسامة هيكل وقتها»، وهو ما دفع الوزير لمحاولة ذبح البرنامج وقتل الحرية وإلغاء البرنامج، إلا أن الحق انتصر فى النهاية، وأدرك الجميع أن الحرية التى تم اكتسابها لن يستطيع أحد قتلها أو نزعها.
إلا أننى أشهد شهادة حق- طالما نتحدث عن تقييم الإعلام خلال عامين على الثورة- فقد كان اللواء أحمد أنيس مفاجأة لى بكل المقاييس.
فقد كانت تلك هى أزهى مراحل الحرية فى التليفزيون المصرى، لأنه يعلم تماما أن الإعلام الجيد لن يقوم إلا بعناصر عديدة على رأسها.. الحرية.ورغم اختلافى مع السياسات السائدة، ورغم الهجوم والنقد اللذين كانا سمة البرامج التى أقدمها الحلم المصرى وستوديو ,27 إلا أنه أعطانى موافقة جريئة على أن أقدم بمفردى برنامجا حواريا لمدة خمسة أيام فى الأسبوع!!
- إلا أن الموقف اختلف كثيرا بعد تولى الوزير الحالى صلاح عبدالمقصود- وهو زميل صحفى- ولم تحدث معى مواجهة مباشرة أو حديث مباشر، ولكن السياسات المتبعة وملاحظات القيادات الأخرى من رؤساء قنوات إلى أعلى، تتضح عن محتوى الإناء الإعلامى والتوجهات التى يفترض أن يتبعها الإعلاميون داخل المبنى.
فبدأ بعض الزملاء المعارضين لسياسة الإخوان أو الرئاسة يتعرضون لمضايقات عديدة، كتطاول بعض الضيوف عليهم أو تحويلهم للتحقيق أو إقصائهم من برامجهم.. «وكأنك يا أبوزيد ما غزيت».. فقد عدنا إلى النظام السابق مع اختلاف الأسماء والاتجاهات.
فإن لم تكن مع سياسة الإخوان فلا تكون ضدهم.. نوع من العبث الفكرى والإعلامى والسياسى.بل حاول الكثيرون- من له ومن ليس له فى الإعلام- تبنى وترويج ضرورة أن يكون الإعلامى محايدا، وهو حق يراد به باطل.. نعم ينبغى على مذيع النشرة الإخبارية مثلا أن يكون حياديا، ومعلق مباراة الكرة عليه أن يكون حياديا وربما فى بعض الأحوال يكون مقدم البرامج الحوارية حياديا، إذا ما كانت كل الأطراف المعنية بالأمر متمثلة وموجودة فى الحوار، إلا أنه ينبغى أن يأخذ المذيع مكان الطرف الغائب وعرض وجهات النظر- كما أن المذيع الحوارى لابد أن يحاور، فكيف يحاور دون أفكار أو آراء يعرضها، ومن حق الطرف الآخر أن يرد بالأدلة والبراهين، أليست كل ذلك جزءا من مسئوليته أن يسأل ويجيب؟!
التليفزيون المصرى الذى هو فى الأصل تليفزيون الشعب ينتهج الآن مبادئ جديدة وهى: إن كنت مؤيدا للإخوان والرئاسة والحكومة، فأنت مذيع جيد.. وإن كنت بلا رأى ولست مهموما بالوطن ولا تبالى ما يحدث.. فأنت حيادى ولا بأس من وجودك.. أما إذا كان لك رأى مخالف وتتحدث بموضوعية وتستفسر عن الحقيقة وتريد تنوير المشاهدين فأنت متحيز وغير حيادى.. هل يعقل هذا؟.. هل هذا هو إعلام ما بعد الثورة؟!
الحيادية فى هذا الوقت من عمر الوطن تعد خيانة عظمى يحاسب عليها كل إعلامى فى مصر.
ولا أعلم ما الذى يغيظ أو يضايق مسئولا ما من عرض الحقائق وتوجه الانتقادات طالما أنه يعمل فى النور، ولصالح الوطن وليس لصالح مجموعة بعينها؟!
نحن لا نطلب إلا الحقيقة والشفافية.. فعندما نعرض وعود الرئيس الانتخابية التى لم تنفذ.. فهذه مسئولية الإعلامى لتذكرة الرئيس، وتذكرة الناس.
وعندما ننتقد أداء الحكومة وعدم وجود برنامج واضح لها، فنحن نسأل عما يدور فى الشارع المصرى، وننير الرأى العام الذى تخبط كثيرا.
قد يكون البعض مشغولا بالمناصب والمكاسب والغنائم، ولكن نحن مشغولون بالمواطن البسيط وهم كثر.
ما الذى يضير الصادق من الحقائق؟!
- فى النهاية
أقول لكل زميل إعلامى..
اثبت ولا ترهبك الأصوات العالية أو التهديدات الفاشية، فلن يصح إلا الصحيح.. فقضيتنا نكون أو لا نكون.
وأقول لكل مسئول: انتهى عصر صناعة الفراعنة، وتملق المسئولين، ومحاولات طى الحقائق.. انتهت بلا رجعة، وإذا كنتم تنادون بالحوار فيجب أن تدركوا أن هناك قواعد وأصولا وآدابا للحوار حتى لو اتسم بالاختلاف، فلو كنتم تدركون هذه القواعد ولا تفعلونها، فهذه مصيبة.. أما إذا كنتم لا تدركون فتلك مصيبة أعظم.
نعم.. هى لعبة بين الحرية والقهر.. بين الإعلام والسلطة، ولم تنته بعد وكما يقولون «game not over».
كل عيد ثورة ونحن أحرار.