الأربعاء 21 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

الأمراض التى أعيت من يداويها!

قديمًا، قال العرب: «لكل داء دواء يستطاب به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها»، ويقول المثل الشعبى المصرى «طباخ السم بيدوقه»، ربما كانت هاتان المقولتان هما خير ما يعبر عن الطبيب النفسى الذى تصيبه الأمراض النفسية جراء مزاولة مهنته، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار أن كل مهنة لها مجموعة معينة من الأمراض تلازم ممتهنيها.



أكد لنا أغلب من سألناهم فى هذا التحقيق أن الطبيب النفسى قد يصاب بأمراض نفسية وأن هناك طبيبًا نفسيًا يجرى علاجه الآن بمستشفى الأمراض العقلية وأن الكثير من هؤلاء الأطباء يلجأون إلى بعضهم البعض للكشف عن حالتهم النفسية. فى مقابل هذا، أكد البعض أن الطبيب النفسى يستطيع أن يعالج نفسه بكفاءة والدليل على ذلك ما قاله الدكتور أحمد عكاشة العالم فى الطب النفسى أنه يلجأ لسماع أغانى الزمن الجميل وأنه يبتسم فى وجه الآخرين وأنه قد يتصل بصديق له يطالبه بالحضور للتحدث معه ليزيل أى توتر أو ضغط أصابه. وقد كشف الدكتور سعيد عبدالعظيم- أستاذ الأمراض النفسية بكلية الطب جامعة القاهرة فى دراسة له- أن الأطباء أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية أكثر من الأشخاص الآخرين، وهذا يرجع لأسباب مختلفة منها اختيارهم لمهنة الطب والبعض الآخر يكون لديه استعداد للمرض النفسى إلى جانب تعرضه للضغوط بحكم عمله بحواسه وتفكيره عكس التخصصات الأخرى. وفى دراسة حديثة قامت بها الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين كشفت عن أن أعداد حالات الانتحار بين الأطباء تصل ما بين 28 - 40 حالة فى كل 100 ألف حالة انتحار وذلك بمعدل أعلى مرتين من حالات الانتحار بين عامة الشعب التى تصل إلى 2٫3 من كل 100 ألف ويحتل الأطباء النفسيون المركز الأول فى حالات الانتحار بين الأطباء. وقالت الدراسة إنه غالبًا ما يعانى هؤلاء الأطباء من اكتئاب لم يتم علاجه أو مازال فى مرحلة العلاج أو أى أمراض عقلية أخرى تحتاج إلى التشخيص المبكر والعلاج. وأظهرت نتائج الدراسة الأمريكية أن 12% من الأطباء الذكور يصابون باكتئاب وترتفع الإصابة إلى 19٫5% لدى الأطباء الإناث بل ويصبح أكثر شيوعًا بين طلاب كلية الطب، حيث يعانى 30٫15 من الطلاب من أعراض الاكتئاب وأجابت الدراسة عن سؤال لماذا ينتحر الأطباء فقالت: يبدأ الضغط العصبى فى كلية الطب ويستمر مع التخصص الذى يتطلب احتياجات عالية والقدرة على المنافسة مع الأطباء الآخرين والمذاكرة ساعات طويلة ونقص النوم وربما يساهم ذلك فى إدمان بعض المواد الكيمائية التى تعد عامل خطر آخره الانتحار ويصبح الضغط العصبى أكثر حدة مع نقص مواد الرعاية الطبية وللأوضاع المحيطة فى فترة التخصص. وبعد تخرج طلاب الطب ودخولهم سوق العمل يواجهون ضغوطًا مختلفة. وتصبح الفتيات أكثر عرضة للانهيار بفعل ضغوط العمل، أما الوسائل التى يستخدمها الأطباء عند الانتحار فكشفت الدراسة: يعد التسمم والشنق أكثر وسائل الانتحار شيوعًا بين الأطباء ويرجع ذلك إلى معرفتهم بالمواد التى تؤدى إلى التسمم وكيفية الوصول إليها بسهولة ويحتل الأطباء النفسيون قائمة المنتحرين. ومنذ عدة أشهر شهدت مدينة دمنهور التابعة لمحافظة البحيرة انتحار طبيب أمراض نفسية وهو الدكتور «إبراهيم.ن» بإلقاء نفسه من الطابق العاشر والسبب إصابته باكتئاب وهو المرض الذى تخصص فى علاج المرض منه، وتبين من التحقيقات أن الطبيب البالغ من العمر 33 عامًا يتمتع بحب زملائه وجيرانه ومعارفه وليس له عداوات مع أحد وكان طبيعيًا للغاية فى أيامه الأخيرة وفق روايات زملائه فى المعهد الطبى بدمنهور. وأنه فور الانتهاء من عمله عاد إلى منزله وانتحر بالقفز من الطابق العاشر. د.جمال فرويز استشارى الطب النفسى بالأكاديمية الطبية العسكرية قال لنا: أنا مع الدراسة الأمريكية لأن الطبيب النفسى والأطباء عمومًا مضغوطين فخلال عدد أشهر توفى 18 طبيبًا شابًا فى مصر نتيجة الضغط. والطبيب النفسى مثل أى مواطن عادى يصاب باكتئاب وهلاوس، فكل هذه الأمراض فى جيناتنا وأنا شخصيًا فى بعض الأحيان أجد نفسى مضغوطًا فأذهب لأحد زملائى وعندما دخلت العمل فى الأكاديمية الطبية العسكرية جلس مستشار الطب النفسى بالأكاديمية وأخضعنى لجلسة نفسية حتى يتأكد أننى أصلح لهذا التخصص. وهذا ما يجب أن يتم مع أى طبيب يريد التخصص فى الطب النفسى سواء فى المستشفيات الحكومية أو الجامعة ولعل هذا هو السبب الذى نراه الآن ارتفاع نسبة الاكتئاب بين الأطباء النفسيين الشبان. وأكد الدكتور فرويز: للأسف إن كثيرين من الأطباء النفسيين خاصة الشباب يرفضون الذهاب لطبيب نفسى عنده شعوره بالاكتئاب ولهذا نجد غالبًا ما يأتى أهل وأقارب الطبيب المصاب به إلينا. وطالب الدكتور فرويز كل طبيب نفسى بالذهاب لأحد زملائه كل 6 أشهر لأخذ جلسات دعم نفسى، لأن استمرار تعامل الطبيب النفسى مع مرضاه وهو يعانى من الاكتئاب سيكون له تأثيره السلبى على المرضى وعليه شخصيا. د.بسمة سليم أخصائى الصحة النفسية قالت لنا: المرض النفسى ليس بعيدا عن أى شخص حتى ولو كان طبيب أمراض نفسية أو معالجًا نفسيًا، خاصة مرضى الاكتئاب والوساوس. فأنا شخصيا عندما أشعر بأننى فى حالة اكتئاب أقوم بزيارة طبيب نفسى لأننى مثل أى إنسان أشعر بالضغوط الحياتية. هذا بالإضافة إلى أننى عندما أذهب لزميل لى هذا يعنى أننى فى صحة نفسية جيدة واستطعت أن أشخص حالتى. وسألنا الدكتورة بسمة: هل مشاكل المرضى تؤثر على الطبيب النفسى نفسيا قالت لنا معظم الحالات التى تحكى لى كل يوم بأنساها نهائيا ولكن قد يتسرب شيء فى اللا وعى عندما تؤثر فى نفسيتى. ولهذا أنا مع أن الطبيب النفسى لا بد أن يعرض نفسه كل 6 أشهر على زميل له كمتابعة دورية وللتخلص من أى مشكلة داخلية ولكن أرى أنه فى أحيان كثيرة يرفض الطبيب النفسى إجراء هذا الكشف، وأكدت الدكتورة بسمة أنه لم يأت أى طبيب نفسى يطلب العلاج، ولكن رأت كثيرا أخصائيين نفسيين فى المدارس والشركات يأتون مصابين بأمراض نفسية أهمها الاكتئاب والوساوس وتابعت: لهذا أنا مع فكرة لا بد من إجراء اختبارات قياس نفسى لأى طبيب يريد تخصص أمراض نفسية لأن هذا التخصص تحتاج إلى أشخاص لديهم القدرة على العمل تحت ضغط نفسى أحيانا. د.أيمن فتحى عبدالرحمن استشارى العلاج النفسى قال لنا: لابد أن نعترف أن الأمراض النفسية تصيب النفس البشرية سواء كان صاحبها غفيرا أو وزيرا أو صاحب أى مهنة وأنا أعرف طبيبًا نفسيًا يعالج حاليا فى مستشفى الأمراض العقلية. ولكن هذا استثناء، فالطبيب النفسى يستطيع أن يتعامل مع أى ضغوط أو مشاكل تواجهه فهو دائما يقوم بعمل مراجعات لنفسه. وإنما بأعترف بأن مهنة الطب النفسى المفروض ألا يدخلها أى شخص عصبى أو انطوائى أو خجول أو صاحب شخصية هشة. وبعض المرضى يستطيعون أن يكتشفوا إذا كان الطبيب النفسى مريضًا نفسيًا أم لا خاصة مرضى الفصام ومرضى جنون العظمة هؤلاء أصحاب ذكاء عالٍ جدًا ويحتاجون إلى طبيب نفسى لديه لياقة نفسية عالية. وعلق الدكتور أيمن على الدراسة الأمريكية بقوله: أنا مع هذه الدراسة التى تؤكد على أن 40% من الأطباء مصابون بأمراض نفسية وعلى رأسهم الأطباء النفسيون ولكن ليس بصورة مرضية ولكن يحتاجون فقط إلى التحدث مع طبيب آخر كنوع من الفضفضة للتخفيف من الضغوط النفسية التى يشعرون بها.