ماذا أنجزت الدولة من خطة تطهير البحيرات؟

رضا خليل
فى أكثر من مناسبة وبأكثر من صيغة، تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن مشروع تطوير البحيرات المصرية باعتبارها ثروة قومية، وكان آخر مرة ذكر هذا المشروع خلال منتدى شباب العالم الذى عُقد الأسبوع الماضى بمدينة شرم الشيخ وذلك أثناء جلسة محاكاة الاتحاد من أجل المتوسط، فيما ذكره أيضًا أثناء افتتاح مدينة الأثاث بدمياط، وتعهد الرئيس فى عدة مناسبات بإعادة بحيرات مصر إلى سابق عهدها، وعدم التنازل عن حقوق الدولة فى التعديات التى جرت عليها. وذكر السيسى خلال منتدى شباب العالم، أن مصر لديها خطة ضخمة جدا للتعامل مع البحيرات المطلة على البحر المتوسط، وأن مصر لديها 5 بحيرات تريد أن تعيدها كما كانت مرة أخرى، وألمح الرئيس إلى مشروع تطوير بحيرة المنزلة التى تصل مساحتها لـ250 ألف فدان، لكى تتم إعادتها لوضعها الذى كانت عليه قبل 50 سنة.
تمتلك مصر 13 بحيرة طبيعية وصناعية، تمثل هذه البحيرات ثروة قومية على المستوى السياحى والإنتاج السمكى والتوازن البيئى، لكن هذه الثروة جرى إهمالها والتعدى عليها وعدم استغلالها خلال عقود مضت، حتى تقلصت مساحة بعض البحيرات لتصل إلى ثلث مساحتها القديمة. لكن بعد أن بدأت مؤسسات الدولة فى العودة مرة أخرى لأداء دورها فى حماية الثروات والموارد القومية بعد ثورة 30 يونيو عام 2013، شرعت أجهزة الدولة فى وضع مخطط شامل لتطوير هذه البحيرات، بدأ تنفيذ الكثير منه فى 5 بحيرات رغم التكلفة الضخمة لهذا المشروع، حيث تصل تكلفة تطوير بحيرة المنزلة لوحدها أكثر من 50 مليار جنيه.
ملامح خطة رئيس
قال اللواء حمدى بدين رئيس الشركة الوطنية للثروة السمكية التابعة لمشروعات جهاز الخدمة الوطنية، إن المشـروع القومى لتنمية البحيرات يستهدف المحافظة عليها وتنمية الثروة السمكية بها، فضلًا عن زيادة إنتاجيتها لكونها المصدر الرئيسى البديل عن اللحوم البيضاء والحمراء، إلى جانب تطوير أساليب ومعدات وأدوات الصيد والاهتمام بالأحوال الاجتماعية والمعيشية للصيادين. ويهدف المشروع أيضًا إلى التعاون والتنسيق بين الجهات العلمية والخدمية والوزارات والأجهزة المعنية لاتخاذ القرار المناسب لتنمية وتطوير البحيرات وتعظيم الاستفادة منها لزيادة إنتاجها، وحصر العوامل المؤثرة سلبيًا على الإنتاج السمكى بالبحيرات والصيادين ووضع خطة زمنية محددة بتوقيتات لتطوير وحماية البحيرات من خلال قيادة موحدة تضم عناصر متخصصة من أجهزة الدولة المعنية ذات الصلة. أكد بدين، أن فكرة تطوير البحيرات بدأت منذ عام 2014، مع تولى الرئيس السيسى منصب رئيس البلاد وأن خطة التنفيذ بدأت من بحيرة البردويل وهى إحدى أهم البحيرات الشمالية بمصر، بما لها من سمعة عالمية، وأضاف أن نقطة انطلاق خطة تنمية الثروة السمكية جاءت من سيناء، عندما بدأ إنشاء الشركة الوطنية للثروة السمكية بالتعاون مع هيئة الثروة السمكية، حيث كان الهدف من إنشاء الشركة المساهمة فى تنمية الثروة السمكية، وتنمية البحيرات المصرية بالتعاون مع الوزارات والهيئات المعنية، للمحافظة على المخزونات السمكية وتنميتها، وإيجاد آلية لمنع الصيد الجائر وصيد الذريعة وإهدار الثروة السمكية فى مصر. وتابع أن من مهام الشركة الإسراع فى تنفيذ الراحات البيلوجية للبحيرات المصرية لزيادة المخزون السمكى، فضلا عن تطوير صناعة الأسماك بالاستفادة من خبرات الدول المتقدمة فى هذا المجال والتوسع فى مجال الصيد البحرى، عن طريق عقد بروتوكولات تعاون مع الدول الإفريقية الشقيقة والصديقة.
البردويل نقطة الانطلاق
بدأت ملامح هذا المشروع العملاق تظهر على أرض الواقع، عندما انطلقت إشارة البدء فى مشروع تطوير بحيرة البردويل بشمال سيناء بداية عام 2015، وهى بحيرة كبيرة، شديدة الملوحة، تغطى مساحة تتخطى 136 ألف فدان، تمتد على سواحل المحافظة بطول 130 كيلومترا تمتد من المحمدية قرب رمانة شرقًا حتى شرق بورسعيد بنحو 35 كيلو مترًا حتى قبل العريش غربًا بنحو 50 كيلومترا، وتعد البردويل بحيرة ضحلة يصل عمقها إلى ثلاثة أمتار فقط ويفصلها عن البحر المتوسط ممر رملى ضيق، وأهم ما تنتجه من الأسماك البورى والدنيس السوبر والموسى والقاروص وأنواع من القشريات. اشتملت خطة التطوير على عدة مراحل بهدف زيادة إنتاجية البحيرة والمحافظة على المخزون السمكى وذلك من خلال رفع كفاءة وتطوير 4 مراسى للصيد، وإزالة العوائق الموجودة بها بإجمالى 3.5 ألف طن عوائق ومخلفات، بجانب إنشاء قرى للصيادين. تضمنت الخطة أيضا تطهير البواغيز بالتعاون مع هيئة قناة السويس والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، الانتهاء من الدراسات الخاصة بإنشاء قرى للصيادين فى قرية إغزوان بمنطقة بئر العبد، وفى مجال التصدير تم إنشاء صالة للفرز والتصدير فى مرسى إغزوان، وتم الحصول على رخصة التصدير للاتحاد الأوروبى، أما فى مجال البحث العملى فتم إنشاء مركز للأبحاث يحتوى على معامل متخصصة لمراقبة جودة المياه والغذاء الحى للأسماك وصحة وجودة الأسماك وتركيب وجودة الأعلاف. بدأ موسم الصيد فى البحيرة فى عام 2016، بعدما تم الانتهاء من المرحلة الأولى للمشروع، والتى ارتفع خلالها إنتاج البحيرة لنحو 4700 طن فى العام بعد أن كان لا يتجاوز 3100 طن سنويا، فيما من المنتظر أن يتضاعف هذا المعدل بعد تشغيل المفرخ البحرى بقرية إغزوان، والذى تبلغ تكلفته 30 مليون جنيه.
المنزلة المشروع الأكبر
بدأ مشروع تطهير بحيرة المنزلة قبل نحو عام من الآن ومن المقرر أن يستمر هذا المشروع الذى ينتهى بحلول 2021، وذلك عقب تشكيل لجنة ضمت محافظات الدقهلية وبورسعيد ودمياط وهيئة الثروة السمكية، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وتشمل عملية تطوير البحيرة عدة محاور رئيسية، تتضمن تقسيمها إلى ثلاثة قطاعات يعمل بها ما يزيد على 100 حفار برى ومائى، لتنفيذ عدد من الأعمال، أولها الانتهاء من إزالة النباتات المائية والتعديات بإجمالى مساحة 31 مليون متر مربع. ينطوى المشروع أيضًا على تكريك وتعميق وتطهير البواغيز الواقعة على الطريق الدولى الساحلى بطول 18 كيلو مترًا، وإنشاء طريق يبدأ من حدود محافظة دمياط وربطه مع محور 30 يونيو، بطول حوالى 85 كيلو مترًا، ومن المخطط له أنه عقب أعمال التطوير التى تستمر لعامين، أن يتم زيادة المسطح المائى للبحيرة ومساحات الصيد الحر وتحسين خواص المياه وارتفاع إنتاج البحيرة من الأسماك لتزيد على 100 ألف طن سنويا، بجانب إنشاء حزام الأمن الذى سيساهم على القضاء على التعديات. نجحت خطة التطوير فى إزالة آلاف التعديات بمساحة بلغت أكثر من 26 ألف فدان حتى الآن، وذلك من إجمالى مساحة تعديات تصل إلى 125 ألف فدان من مساحة البحيرة التى تصل إلى نحو 450 ألف فدان، حددتها هيئة الرقابة الإدارية. وتقوم خطة التطهير على القضاء على المشاكل التى تتمثل فى نمو الحشائش التى ملأت البحيرة وأغلقت البواغيز التى تغذى البحيرة بالمياه المالحة المتجددة، إضافة إلى الرواسب من مخلفات المصارف، حيث يصب فى بحيرة المنزلة 5 مصارف رئيسية من ضمنها مصرف بحر البقر، وهذه المصارف تصب نحو 12مليون متر مكعب يوميا. لذلك يركز مشروع التطوير، على تكريك البحيرة من خلال إزالة الرواسب والحشائش بجانب منع مياه الصرف الصحى والزراعى التى كانت تصب فى البحيرة، عبر توجيهها للمحطات التى تقام حاليا، لتوجيه هذه المياه لشرق القناة عبر سحارة السلام، لتندمج مع المياه التى تأتى من ترعة السلام لتصل فى الشرق إلى ترعة الشيخ جابر، لاستكمال مشروع استصلاح الـ400 ألف فدان فى سيناء. وتبلغ تكلفة مشروع إقامة محطة معالجة مياه صرف بحر البقر 40 مليار جنيه لمعالجة نحو 5 ملايين متر من المياه يوميا، لتصل كميات المياه المتدفقة إلى سيناء يوميا لنحو 10 ملايين متر يوميا، فيما تصل قيمة التكريك فقط للمجرى المائى لكامل مساحة البحيرة نحو 7 مليارات جنيه.
بحيرة قارون
تعد بحيرة قارون بمحافظة الفيوم، أبرز البحيرات المغلقة فى مصر وتبلغ مساحتها 55 ألف فدان، وتتمثل مشكلة البحيرة فى إنها المحطة الأساسية للصرف الزراعى والصحى والصناعى لكافة قرى المحافظة. تم افتتاح المرحلة الأولى من مشروع تطوير بحيرة قارون بمحافظة الفيوم بداية عام 2018، ويعتمد مشروع التطوير على تكريك وتطهير بحيرة قارون من التلوث عبر تنقية المياه الداخلة للبحيرة وتوصيل الصرف الصحى لـ88 قرية متاخمة لها. وتعتمد خطة تطهير البحيرة على إقامة حزام آمن حول البحيرة، حيث تم إقامة جزء من هذا الحزام بطول 5 كم خلال المرحلة الأولى، لمنع دخول جميع أنواع الملوثات والترسيبات الواردة إليها وبالتالى تصل مياه الصرف إلى البحيرة من دون ترسيبات. ويضم الحزام الآمن حوض التهدئة بالاتجاه المقابل لمصرف البطس لاستقبال الملوثات قبل دخولها البحيرة، إضافة إلى قناتين داخل البحيرة بطول 5 كم وبعرض 24 مترا وبعمق 3,5 متر مزودتين بفلاتر ميكانيكية وزلطية لحجز جميع الرواسب والملوثات العائمة وتنقية المياه المغذية للبحيرة، فيما تتخلل هذه القنوات بوابات فرعية تسمح بخروج المياه بعد تنقيتها إلى البحيرة. ويشمل مشروع تطوير البحيرة، شق قنوات لإزالة انحسار المياه بالبحيرة لربط حضانة لتفريخ الذريعة بمنطقة أبو شنب، علاوة على تطهير نهاية مصرف داير البركة لزيادة تدفق المياه المغذية للبحيرة والحد من درجة الملوحة، وإقامة جسر عند نهاية مصب هذا المصرف للاستفادة من المياه الواردة للبحيرة، وإقامة جسر آخر عند منطقة سرور والصعايدة. ويعتمد مشروع تطهير بحيرة قارون وإعادة الحياة إليها مرة أخرى بشكل أساسى، على تنفيذ مشروع عملاق لتوصيل الصرف الصحى لـ88 قرية متاخمة لبحيرة قارون، ورفع كفاءة محطات المعالجة وتوسعتها، وإحكام الرقابة على الأنشطة السياحية على ضفاف البحيرة والتزامها بالشروط الصحية والبيئية، وتنفيذ هدارات على المصارف لخلق وسط هوائى لتخفيض الأحمال العضوية. ويصل الإنتاج الحالى للبحيرة من الأسماك بحسب هيئة الثروة السمكية نحو 3 آلاف طن، من المتوقع أن يتضاعف ليصل إلى 10 آلاف طن بعدإنجاز مشروع التطهير.

البرلس ومريوط
عانت بحيرة البرلس بمحافظة كفر الشيخ، على مدار عقود من عدة مشاكل، على رأسها كثرة التعديات على البحيرة وعدم تجدد المياه بها نتيجة انغلاق البوغاز، بجانب إلقاء المخلفات ونمو الهيش وورد النيل بها، وأدت هذه المشاكل فى النهاية إلى تآكل مساحة البحيرة بنسبة 50 % لتصل مساحتها الحالية إلى حوالى 108 آلاف فدان فقط. وتكتسب بحيرة البرلس أهمية كبيرة كونها تعد محطة لاستقبال الطيور المهاجرة، لذلك اعتبرت كمحمية طبيعية فى عام 1998، لكن هذا القرار لم يحول دون تلوث البحيرة من مياه الصرف الصحى الذى يلقى فيها من كافة مراكز وقرى المحافظة. ويشمل مشروع تطوير بحيرة البرلس، تطهير البوغاز والقنوات الشعاعية للبحيرة وهو المشروع الذى بدأ فى عام 2017، بإجمالى تكلفة تصل إلى حوالى 500 مليون جنيه. تم الانتهاء من تنفيذ 3 قنوات شعاعية وتكاسى وتطهير وتعميق بوغاز البرلس وإزالة جزيرة مواجهة للبوغاز، كما تم الانتهاء من تكريك وتطهير المرحلة الأولى على مساحة 1808 أفدنة والثانية على مساحة 1500 فدان وإنشاء كورنيش حماية للبحيرة وإنشاء جسر واق وبحر فاصل من بوغاز البرلس إلى البركة الغربية بطول 107 كم شاملًا المنحنيات، بتكلفة إجمالية 455 مليون جنيه، وجارٍ تنمية وتطوير قطاعات كبيرة من بحيرة البرلس ابتداءً من تطوير وتعميق وتكسية بوغاز البرلس الذى يعتبر الشريان الرئيسى للبحيرة، مما أدى إلى دخول المياه المالحة للبحيرة محملة بأنواع كثيرة من الأسماك والزريعة. أما بحيرة مريوط بالإسكندرية، فكانت آخر البحيرات التى التى انطلق بها مشروع التطوير، حيث انطلق فى سبتمبر الماضى، وتتركز مشكلة البحيرة فى انتشار ونمو النباتات الخضرية كالبوص وورد النيل والهيش بالمجرى المائى للبحيرة، بجانب إلقاء مخلفات الصرف الصحى والزراعى والصناعى بهذه البحيرة التى تبلغ مساحتها الآن نحو 17 ألف فدان بعد أن كانت 50 ألف فدان فى السابق. ويتكون مشروع تطوير هذه البحيرة التى تنفذها القوات المسلحة وعدة جهات من شقين، الأول يتضمن تطهير البحيرة وإزالة كافة المخلفات منها، والثانى تكريك الحوض المائى لتعميق البحيرة وإزالة الرواسب منها.
مزرعة التماسيح
لم تكن بحيرة ناصر لتخرج من مثل هذا المشروع على الرغم من أنها لا تواجه نفس المشاكل التى تواجهها باقى البحيرات الشمالية، سواء على مستوى التلوث أو التعديات أو الصيد الجائر للأسماك، بل كانت كبرى المشاكل التى تواجهها هى عمليات الصيد الجائر للتماسيح، حيث تضم نحو 32 ألف تمساح. لذلك قامت وزارتا الزراعة والبيئة بوضع مخطط لتطوير البحيرة، للمحافظة على التوازن البيئى بها، من خلال إنشاء أول مزرعة لتربية التماسيح على مساحة 160 فدانًا طبقا لاتفاقية سايتس. قال المهندس محمود سالم رئيس إدارة الإنتاج والتشغيل بالهيئة العامة للثروة السمكية، إن بحيرة ناصر لها طبيعة خاصة بالنسبة للبحيرات فى مصر كونها تمثل خزان مصر من المياه العذبة. وتابع أنه بسبب هذه الطبيعة، فإن أقصى ما يمكن القيام به من جانب الهيئة فى هذه البحيرة هو تنمية المخزونات السمكية من خلال إلقاء الزريعة، مشيرا إلى أن أقصى إنتاج يمكن تحقيقه من هذه البحيرة العملاقة 40 ألف طن أسماك سنويا، لأن الغذاء الطبيعى فى هذه المياه لا يعطى أى زيادة.
كيان موحد
من أجل تحقيق هذا المشروع العملاق لحماية بحيرات مصر، وافق مجلس الوزراء فى 29 مايو الماضى، على مشروع قانون لإنشاء جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية. ويأتى هذا المشروع لإقامة كيان مؤسسى يكون مسئولًا عن إدارة البحيرات فى مصر، ومتابعة أعمال تطويرها والمحافظة عليها، والتأكد من الاستفادة المُثلى من هذه الثروة القومية المهمة، سواء على مستوى الإنتاج السمكيّ؛ بحيث يضمن إنتاج كميات كبيرة من الأسماك العالية الجودة أو على المستوى السياحى.