وحوش رائعة.. تغتال هارى بوتر

فى 2018م أعلنت الروائية البريطانية وصاحبة أكثر سلاسل الفانتازيا مبيعًا فى التاريخ «جى.كيه. رولينج» أنها أعطت الضوء الأخضر لإنتاج الجزء الثالث من سلسلة أفلام «وحوش رائعة»ـ وهى السلسلة التى تُعتبر تتمة Sequel لسلسلة أفلام (هارى بوتر) الأصلية. لم يُشكل هذا الإعلان مفاجأة خاصة لجمهور (هارى بوتر)؛ ذلك أن «رولينج» كانت قد أفصحت فى 2016م وتزامنًا مع طرح الجزء الأول من السلسلة بعنوان (وحوش مذهلة وأين تجدها)، أن السلسلة الجديدة ستتكون من خمسة أفلام، وأن شركة «وارنر برازرس» ستبدأ التحضير للجزء الثالث فى العام الجارى على أن تطرحه فى دور العرض بحلول 20نوفمبر 2020م، وهو ما لم يحدث لأن «وارنر» تعكف فى الوقت الراهن على إنتاج فيلم ضخم مقتبس عن سلسلة روايات (الكثبان) الشهيرة التى كتبها «فرانك هربرت» عام 1965م.
وبالفعل أعلنت «وارنر» الأسبوع الماضى، أن الجزء الثالث من (وحوش رائعة) سيطرح للجمهور فى نوفمبر عام 2022م، لكنها فاجأت الجمهور بأن أعلنت أن السيناريست البريطانى «ستيف كلوفس» سيشارك «رولينج» فى كتابة الجزء الجديد، علمًا بأن الأول كان له الفضل فى تحويل روايات (هارى بوتر) إلى أفلام، فقد شارك فى تأليف جميع أفلام (هارى بوتر) منذ 2001م حتى آخر جزء فى السلسلة الرئيسية عام 2011م. تحدثت بعض التقارير عن أن انضمام «كلوفس» فى الفيلم الجديد جاء بعدما أقنعت «وارنر» «رولينج» بتلك الخطوة، وذلك بعد الانتقادات العارمة التى واجهتها بسبب الجزئين الأوليين من السلسلة الجديدة، والتى أسفرت عن خسائر مالية فادحة للجزء الثانى (جرائم جريندلوالد) وصفها البعض بـ«الكارثة»، بَيْدَ أنَّ ميزانيته كلفت 200 مليون دولار، ومع ذلك حقق إيرادات محلية بقيمة 160 مليون دولار، وعالمية بقيمة 500 مليون دولار، ناهيك عن أنه صُنف كأحد أسوأ أفلام الفانتازيا فى الألفية الجديدة؛ ليعزو الجمهور بمرور الوقت سبب فشل الجزء الثانى بالتحديد لـ«رولينج» نفسها. إن «رولينج» تواجه غضبًا عالميًا شديدًا حتى قبل انتهاء سلسلة أفلام (هارى بوتر) عام 2011م، فلما كانت تمتلك العلامة التجارية لـ(هارى بوتر) فإنها- وليس «وارنر»- تُعتبر صاحبة القرار الأول والأخير فيما يخص الجانب الأدبى من هذا العالم أى الأفلام والقصص القصيرة والمسرحيات، ورُغم النجاح الشديد الذى حققته تلك السلسلة سواء على الجانب التجارى وأرباح شباك التذاكر، أو على الجانب الأدبى وإيرادات الروايات؛ فإنها تحولت بمرور الوقت من روائية إلى نجمة ومليونيرة وناشطة سياسية واجتماعية، اتخذت من حسابها على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» منبرًا لتصريحاتها الغريبة التى لا تزال تستفز بها جمهورها ليس لأنها تدلى بآراء شخصية، وإنما؛ لأنها لا تتوانى كل فترة عن إعلان تغيير غريب فى شخصيات عالمها الذى عشقه الجمهور منذ التسعينيات. بدأ الأمر فى 2007م، حينما أنهت «رولينج» الجزء الأخيرة من سلسلة رواياتها؛ حيث صرحت بأن الساحر «دمبلدور» مِثلى الجنس وكان على علاقة غرامية بساحر آخر يُدعى «جيلرت جريندلوالد»، وهو الشرير الرئيسى فى سلسلة (وحوش رائعة)، الذى يجسده «جونى ديب»، وسرعان ما انهالت عليها وسائل الإعلام بالهجوم اللاذع متهمين إياها بأنها تداهن المَِثليين على حساب قصتها الأصلية، ذلك أنها لم تذكر مطلقًا هذا الأمر فى الروايات أو حتى الأجزاء الأخيرة من السلسلة التى أعقبت هذا الإعلان. وفى 2013م، تصدرت «رولينج» عناوين الصحف العالمية، بعدما أعلنت أنها بصدد تأليف مسرحية بعنوان (هارى بوتر والطفل الملعون)، معلنة بذلك أن قصة (هارى بوتر) لم تنته بعد وأن قصة المسرحية ستسلط الضوء على «هارى بوتر» الطفل اليتيم قبل دخوله مدرسة السحر، وهو ما جعلها تواجه اتهامات شديدة بأنها تستغل نجاح الأفلام والروايات الشديد للتربح من ورائهما، الأمْرُ الذى جعلها تتراجع عن هذا الإعلان فى يونيو 2015م وتؤكد أن المسرحية ستكون تتمة للسلسلة الرئيسية وستقع أحداثها بعد الجزء الأخير بـ16 عامًا، أى مباشرة بعد مشهد نهاية آخر فيلم (هارى بوتر ومقدسات الموت)، وتركز على «ألبس» ابن «هارى بوتر» ومحاولته للرجوع إلى الماضى لإنقاذ صديق والده «سيدرك جودرى»، الذى مات فى الجزء الخامس. وفى يوليو 2016م، عُرضت المسرحية فى بريطانيا لأول مرّة، وتفاجأ الجمهور بأن «رولينج» لم تكتبها بنفسها بل عينت فريق سيناريو مكونًا من شخصين هما «جاك ثورن» و«جون تيفانى»، إلّا أن المفاجأة الكبرى هى أن شخصية «هارمونى» جسدتها ممثلة سمراء البشرة هى البريطانية «نوما دومزوينى»، وهو ما لايزال يثير جدلًا شديدًا حتى الآن؛ حيث إن «رولينج» وصفت شخصية «هارومونى» فى أول كتاب فى السلسلة بأنها بيضاء البشرة، لذلك فقد اعتبر الجمهور أن هذا الأمر مداهنة شديدة وفجة للأقليات السُمْر فى بريطانيا والولايات المتحدة، ناهيك عن أن قصة المسرحية كانت مفككة وضعيفة للغاية وخالية من أى منطق درامى. ورُغم فشل المسرحية الفنى الشديد؛ فإنها نجحت تجاريًا وحققت أرباحًا خيالية جعتلها لاتزال تُعرض حتى الآن فى مسارح الولايات المتحدة وبريطانيا، وهذا النجاح هو الذى جعل «رولينج» ترنو إلى استثمار تراث (هارى بوتر) الشعبى بشكل أقوى وتصنع خماسية «وحوش رائعة» واستعانت فى ذلك بمخرج آخر جزئين من (هارى بوتر) وهو البريطانى «ديفيد ياتس»، فتبدأ الأحداث قبل أحداث القصة الرئيسية بـ54 عامًا، وبدلًا من لندن تدور أحداثه بين ضفاف العالم السحرى المخفى لمدينة نيويورك الأمريكية؛ حيث نرى بطلها «نيوتسكامندر» الذى يجسده البريطانى «إيدى ريدمان» وهو يقع فى متاعب شتى بسبب حقيبته التى تحوى أعدادًا كبيرة من الوحوش المتنوعة، بينما تجرى فى الخلفية قصة ثانية تتمحور حول وجود اضطرابات سحرية لمخلوق أو شىء كريه لا يعرف كنهه بعد ويدعى «أوبسكوروس» ويسبب فوضى عارمة فى نيويورك، يحاول الشرير الرئيسى للفيلم ويدعى «جريفز» وجَسَّدَه «كولين فاريل» استغلاله؛ لنكتشف فيما بعد أن «جريفر» ما هو إلا «جريندلوالد» العدو اللدود لـ«دمبلدور» الذى يُجسِّدَه «جود لو». لقد حقق الجزء الأول إيرادات خيالية بعد أسبوع واحد من عرضه وصلت إلى 800 مليون دولار مقابل ميزانية بلغت 200 مليون دولار، إلّا أنه كان هناك إجماع على أن «رولينج» كتابة سيناريو فاشلة؛ بَيْدَ أنَّ شخصية «نوت» لا تتمتع بجاذبية «هارى بوتر» وأن قصته فى الخط الدرامى للأحداث كانت مقحمة بعنوة؛ بحيث لم تتعارض دراميًا بشكلٍ كافٍ أو مُقنع مع القصة الرئيسية وهى خطة «جريندلوالد»، ومع ذلك فقد أولى الفيلم اهتمامًا غريبًا بـ«نوت» ومغامراته على حساب القصة الأخرى، كما جاءت نهاية الفيلم مخيبة للآمال، ذلك أنها اعتمدت على تكنيك الـ«مدد غيبى» أو Deus ex machina، وهو تكنيك أدبى شهير تنتهى فيه القصة بقوة قاهرة وليس بفضل أحد شخوصها، فهزيمة «جريندلوالد» كانت سهلة للغاية لساحر من المفترض أن يكون أقوى ساحر جاء على وجه الأرض قبل «فولدمورت»، لكن «نيوت» يأتى ويهزمه بأن يطلق سراح أحد الكائنات السحرية ليسبب أمطارًا تحتوى على قطرات وصفة سحرية تزيل ذكريات العامة؛ لأن تعرض المجتمع السحرى للكشف أمام العامة يُعتبر أحد المحرمات فى عالم السحر. هذا فضلًا عن الانتقادات العارمة التى وجهت لأداء «جونى ديب» الباهت والمفتعل، الذى ساهم فى تحويل «جريندلوالد» إلى «شرير كارتونى» مقارنة بـ«لورد فولدمورت» غريم «هارى بوتر» الذى أحبه ملايين الناس حول العالم، وذلك بفضل أداء العظيم «راف فينيس». ورُغم ذلك؛ أعطى الجمهور لـ«رولنج» فرصة تزامنًا مع طرح (جرائم جريندلوالد) فى نوفمبر الماضى، لكن ظهرت وبوضوح هذه المرَّة موهبة «رولينج» الضئيلة فى معالجة قصتها سينمائيًا، فمنذ أول مشهد فى الفيلم لاح للمشاهدين مدى تفكك الحوار وابتذال الحبكة وعدم وجود أى هدف أو مَبغى من المَشاهد التى تُعرض أمامهم.>