لماذا فشلت «رباعية» القاهرة فى إنقاذ سوريا؟
حمدي الحسيني
عندما اقترح الرئيس محمد مرسى على القمة الإسلامية بمكة المكرمة الشهر الماضى تشكيل لجنة رباعية تضم مصر والسعودية وتركيا ثم إيران لحل الأزمة السورية، كان يدرك تماماً أن للجمهورية الإسلامية دورا رئيسيا فى كل ما تشهده سوريا، وكما أنها جزء من المشكلة هى أيضاً جزء من الحل.. يوم الاثنين الماضى عقد فى النادى الدبلوماسى بالقاهرة أول اجتماع لأطراف المبادرة المصرية بمشاركة وفود من الدول الأربع.. لكن الاجتماع انتهى كما بدأ ولم يضف جديداً، رغم اتفاق الوفود على ضرورة وقف العنف والحفاظ على وحدة وسيادة الأراضى السورية ورفض التدخل الخارجى، ودعوة وزراء الخارجية لاجتماع مرتقب.
المفارقة أنه أثناء الاجتماع كانت الآلة الحربية للجيش النظامى السورى مستمرة فى حصد أرواح المواطنين الرافضين لحكم بشار الأسد.
ماذا جرى فى اجتماع القاهرة؟ ولماذا فشل فى وقف القتل العشوائى للشعب السورى؟ وما نقاط الاتفاق والاختلاف بين المشاركين؟
منذ اللحظة الأولى انقسم المجتمعون إلى فريقين الأول يشمل مصر والسعودية وتركيا، وأما الفريق الثانى فكانت تقف فيه إيران بمفردها.. الفجوة بين رؤية الفريقين حول ما تشهده سوريا واسعة جداً، لأن الفريق الأول ينظر إلى أحداث سوريا باعتبارها ثورة شعبية كاملة الأركان ضد الحكم المستبد الذى يمثله بشار الأسد وأن المبادئ والأخلاق الإنسانية تفرض عليهم مساندته والوقوف بجانبه حتى يتم له الخلاص والتحرر من هذا النظام الظالم، فى المقابل ترى إيران أن سوريا تتعرض لمؤامرة دولية تقودها الولايات المتحدة والكيان الصهيونى بهدف تدمير المصالح الإيرانية فى المنطقة والقضاء على المقاومة التى تتمثل - من وجهة نظرهم - فى نظام بشار الأسد وحزب الله ومن ثم عليهم التصدى لهذه المؤامرة والعمل على إفشالها بكل الوسائل والحفاظ على نظام بشار بل دعمه حتى يتمكن من القضاء على الإرهابيين الذين يقوضون أمن بلاده.
الوفد المصرى حاول التقريب بين الرؤيتين بكل الوسائل عن طريق 5 من الدبلوماسيين شاركوا فى الاجتماع بجانب السفير شوقى إسماعيل مساعد وزير الخارجية للشئون العربية.. لكن جهودهم تحطمت على صخرة الأفكار والمقترحات التى تبناها الوفد الإيرانى، الذى لجأ إلى حيلة ذكية للخروج من المأزق بطلب توسيع عدد الشخصيات والدول المشاركة فى المبادرة بأن تكون 6 بدلاً من 4 من خلال ضم كل من العراق باعتبارها رئيس القمة العربية الحالى ودولة فنزويلا كونها ثالث دولة تتولى قمة عدم الانحياز إلى جانب مصر وإيران، كما طالب الوفد بدعوة الأخضر الإبراهيمى مبعوث الأمم المتحدة فى سوريا والدكتور نبيل العربى الأمين العام للجامعة العربية.. الحيلة الإيرانية ربما سعت إلى تفريغ المبادرة المصرية من مضمونها، فهل بسهولة يمكنها الاستسلام لسيناريو رحيل بشار الأسد ووصول المعارضة السنة للسلطة؟
توجهت بهذا السؤال إلى حسين أمير مساعد وزير الخارجية ورئيس الوفد الإيرانى فى اجتماع الرباعية بالقاهرة.
أجاب: لن يتنحى بشار الأسد ولن نتركه يسقط بهذه الطريقة، رغم تعاطفنا مع الشعب السورى ونؤيد رغبته فى الإصلاح ونمارس الضغوط على نظامه للإسراع فى تطبيق هذه الإصلاحات السياسية لكن كلما تقدم خطوة نحو تحقيق ذلك تصاعدت حدة المعارضة وتعطلت مسيرة الإصلاح، كما أننا مقتنعون بأن سقوطه يعد هدفاً للغرب وللولايات المتحدة والكيان الصهيونى، لذلك من واجبنا أن نتحد كمسلمين للوقوف فى وجه هذا المخطط الذى يسعى إلى تفتيت العالم الإسلامى، ولا نزال نعتقد بأن النظام فى سوريا قوى وقادر على إفشال هذه المؤامرة وإنقاذ سوريا والحفاظ عليها كحامية للمقاومة الإسلامية التى تشكل تهديداً مستمراً للعدو فى كل لحظة.
هل لو قدمت المعارضة والرباعية ضمانات للحفاظ على مصالحكم فى سوريا يمكنك التخلى عن دعم بشار واستبداله بدعم نضال الشعب السورى؟
- لم نلمس أى توافق إقليمى يضع مصالح إيران فى الاعتبار ولم يقدم لنا أى طرف ما يشير إلى ذلك بل سمعنا العكس بأن المعارضة سوف تقيم علاقات مع الكيان الصهيونى وهذا يعنى القضاء النهائى على المقاومة الإسلامية التى تهدف فى النهاية إلى تحرير القدس الشريف من أيدى الصهاينة، لذلك دعمنا لبشار وحكومته هو دفاع عن مصالحنا التى لم يضعها أى طرف فى الحسبان، ونعتقد بأن أغلب أطراف الأزمة فى سوريا غير محايدين، رغم كل ذلك حاولنا كثيراً الحوار مع المعارضة من خلال اجتماعات ودعوات ولقاءات بحثاً عن حل سياسى وتجنب العنف حفاظاً على أمن واستقرار سوريا لكن تبين لنا أن المعارضة ذاتها تعانى من الانقسام وما تتعهد به فئة تتراجع عنه فئة أخرى، فكل ما نتمناه أن تفشل الخطط الغربية فى إخراج سوريا من محور المقاومة.
ما موقفكم فى حال نجاح الثورة وسقوط بشار؟
- هذا الاحتمال غير قابل للتحقيق لأن النظام تجاوز المرحلة الصعبة من المؤامرة التى كان توقيتها فى شهر رمضان الماضى حيث رصدنا دخول نحو 10 آلاف عنصر «إرهابى» إلى الأراضى السورية وكانوا جاهزين للسيطرة على مؤسسات الدولة بعد اغتيال الرئيس السورى، لكن لو تلاحظ أن النظام امتص الأزمة وتجاوزها وبدأ يتعافى والأوضاع فى سوريا تتحسن بشكل تدريجى بالرغم من أن العالم كله يتحالف ضده بما فى ذلك بعض الدول العربية، ودعنى أكشف لك عن أن خلافات كبيرة تدب الآن بين أطراف المؤامرة على سوريا لأن الغرب كان يتوقع حسما سريعاً للأزمة لصالح المعارضة، لكن النتيجة أن عشرات المقاتلين التابعين لتنظيم القاعدة انتقلوا من أفغانستان إلى سوريا فى الفترة الأخيرة، وهؤلاء سوف يشكلون خطراً حقيقياً على المصالح الأمريكية والكيان الصهيونى ، فضلاً عن أن خطرهم سيشمل أيضاً الدول العربية التى تشجعهم وتمدهم بالسلاح.
كثير من الشعوب العربية غاضبة من دعمكم لحاكم يقتل شعبه ويظنون أن سبب مساندتكم له كونه علويا شيعيا فما الحقيقة؟
- النظر للأزمة السورية من منظور طائفى يعد استخفافاً بوزن هذا البلد الحيوى بالنسبة للعروبة والإسلام.. أغلب أعضاء الحكومة من السنة وكذلك قائد الجيش الذى تم اغتياله كان مسيحياً أما الحالى فهو مسلم سنى، لم يخطر ببالنا ونحن ندعمهم ضد الخطر الخارجى أى هاجس طائفى بل المصلحة الإسلامية العليا هى محركنا والدليل على ذلك أننا ندعم أغلب الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس، فمن يتحدث بهذه الطريقة يسعى إلى تفتيت الأمة والتآمر على المقاومة، وتمسكنا بدعم سوريا لتجاوز محنتها لا يعنى موافقتنا على إزهاق روح أى سورى لأننا نعتقد بأن قتل أى مواطن سواء من جانب الحكومة أو المعارضة هو خسارة للعالمين العربى والإسلامى، ومن هنا جاء سعينا تجاه البحث عن حل سياسى يحفظ أرواح السوريين ويحول دون التدخل الأجنبى وأن يقرر الشعب مستقبله بنفسه.
أخيراً ما حقيقة عرضكم على مصر شراء النفط الإيرانى؟
- بالفعل نحن فى إيران مستبشرون خيراً بالثورة المصرية وبفوز الدكتور مرسى فى الانتخابات الأخيرة ، ولدينا رغبة كبيرة فى فتح أيدينا للتعاون مع مصر بصور متعددة ورأينا أن بيع البترول ربما يكون مدخلاً حيوياً يسمح لمصر بالاستفادة الاقتصادية، فلا حدود لتعاوننا مع مصر ولدينا ثقة كبيرة فى أن أى تحرك فى هذا الاتجاه سوف تعود فائدته على البلدين، لذلك رحبنا بمبادرة الدكتور مرسى لحل الأزمة السورية بل نشجع مصر لتستعيد دورها الإقليمى المؤثر فى كافة القضايا العربية والدولية الأخرى.
د. نبيل العربى
حسين أمير
الأخضر الإبراهيمى
بشار الأسد