الإثنين 26 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

الجامعة الأمريكية تسطو على تراث نجيب محفوظ

الجامعة الأمريكية تسطو على تراث نجيب محفوظ
الجامعة الأمريكية تسطو على تراث نجيب محفوظ


«وجدت نفسى متورطًا فى قصة انتهاك لحقوق النشر والترخيص، سلّطت الضوء على الطبيعة الاستغلالية لأحد أكثر الناشرين احترامًا فى مصر.». هكذا بدأ كريم زيدان حواره المنشور فى موقع  «Literary Hub» مع أم كلثوم ونجيب محفوظ، الذى يكشف معلومات جديدة غير معروفة، ولطالما أخفتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، عن حقوق ترجمة أعمال أديب نوبل الراحل.
من المعلومات، أن عقد محفوظ مع دار نشر الجامعة الأمريكية بنشر ترجمة أعماله انتهى تلقائيًا عام 2006، وهو عام وفاة محفوظ. وأن الجامعة لم تعد مالكة حقوق أعمال محفوظ، ولم تبرم عقدًا جديدًا مع الأسرة.

فى كل مرة تكتشف ابنة محفوظ، انتهاكًا جديدًا لدار نشر الجامعة الأمريكية، وإبرامها عقودًا لبيع حقوق أعمال محفوظ لدور نشر أجنبية وشركات إنتاج أمريكية من دون الرجوع إلى الأسرة. وأن أم كلثوم أقامت دعويين قضائيتين ضد الجامعة الأمريكية انتهتا لصالح الأسرة، بينما تنتظر حكمًا فى قضية ثالثة أقامتها أم كلثوم العام الماضي، بعدما اكتشفت إقدام الجامعة الأمريكية ببيع حقوق تحويل رواية «بداية ونهاية» إلى مسلسل أمريكى.
خلال مسيرة مهنية امتدت لأكثر من 70 عامًا، كتب نجيب محفوظ، 34 رواية و5 مسرحيات و15 مجموعة قصص قصيرة، ما بين الخيال التاريخى والواقعية حتى تيار الوعي، نوار، والوجودية. قبل أن يتم اختياره لجائزة نوبل فى الأدب فى عام 1988، كان قراؤه يقتصرون عمومًا على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبعد الجائزة، ارتفعت شعبية كتب محفوظ وتُرجمت إلى عشرات اللغات، ما وفّر للقراء فى جميع أنحاء العالم معارف مستنيرة عن الاستعمار البريطانى، والقومية المصرية، والتغيير الاجتماعي، وبدأ النقّاد الغربيّون يقارنون بين أوصاف محفوظ للقاهرة مع وصف تشارلز ديكنز للندن أوسانت بطرسبرج على النحو الذى قدّمه ثيودور دوستويفسكى.
بحلول الوقت الذى مُنح فيه محفوظ جائزة نوبل فى الأدب عام 1988 - الكاتب العربى الأول والوحيد الذى حصل على هذا الشرف - كان يبلغ من العمر 77 عامًا ومحدودًا فى قدرته على السفر. لم يحضر حفل توزيع الجوائز فى السويد، وبدلًا من ذلك أرسل ابنتيه فاطمة وأم كلثوم لتسلم الجائزة نيابة عنه. توفيت فاطمة فى عام 2016، وتركت أختها مسئولة عن تركة محفوظ وإرثه.
فى عام 1985، أى قبل ثلاث سنوات من فوزه بنوبل، وقّعت دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة (AUCP) اتفاقية نشر شاملة مع محفوظ. ومنذ ذلك الحين، أصدرت نحو 600 طبعة من كتبه بأربعين لغة. مع حلول عام 2019، تكون دار نشر الجامعة الأمريكية قد نشرت 43 مجلدًا من أعمال محفوظ،  بما فى ذلك أحدث ترجمات أعماله تحت عناوين كتاب Love in the Rain)) عام 2011 و(Heart of the Night) عام 2011. فضلا عن منح ميدالية نجيب محفوظ للأدب، التى تُمنح سنويًا فى عيد ميلاد محفوظ تقديراً للأدب المتميّز المكتوب باللغة.
تأسست دار نشر الجامعة الأمريكية عام 1960، وهى واحدة من أكبر الأسماء فى نشر الأدب العربى المترجم، والناشر الأكاديمى الرائد باللغة الإنجليزية فى الشرق الأوسط، والعملاق فى مجال نصوص تعليم اللغة العربية.
على هذا النحو، كانت دار نشر الجامعة الأمريكية بالنسبة لمحفوظ مصدرًا مهمًا بصفتها ناشر محفوظ الرئيسى للغة الإنجليزية وكوكيل عالمى لحقوق الترجمة. لكن بالنسبة لأم كلثوم، ابنة محفوظ ووريثته، كان هناك جانب آخر من احتكار الجامعة الأمريكية لإرث والدها الأدبي.
فى عام 2003، وفقًا لأم كلثوم، كتب محفوظ  خطابًا إلى دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة يُطالب فيه بإرسال جميع الحقوق إلى الحسابات البنكية لابنتيه، ما يجعلهما المستفيدتين الوحيدتين. بعد وفاة محفوظ بفترة وجيزة، اكتشفت أم كلثوم وفاطمة أن الجامعة دفعت بعض عائدات الحقوق لأحد أبناء عمومتهم الذكور. «لقد اضطررنا للذهاب إلى المحكمة وكسبنا القضية»: أوضحت أم كلثوم.
حكم القاضى لصالح أسرة محفوظ فى عام 2013. ولكن كانت هناك مشكلة أخرى أيضًا: وفقًا لأم كلثوم، فقد تم إنهاء اتفاقية الترخيص التى أبرمتها دار نشر الجامعة الأمريكية مع محفوظ تلقائيًا بعد وفاة المصدر فى عام 2006. تشرح أم كلثوم بأنها وأختها تلقّتا هذه الرسالة، بأن مدير دار النشر الحالى وسلفه، أقرّا بأن اتفاقية الوكالة المذكورة لم تعد فعالة وأنهما يرفضان التوقيع على اتفاقية وكالة جديدة تخضع لشروط وأحكام جديدة معها هى وأختها.
تقول أم كلثوم أيضًا أن الجامعة الأمريكية فى بيروت رفضت إعطاء البنات نسخًا من العقود التى أبرمتها دار النشر مع ناشرين أجانب، ما دفع عائلة محفوظ إلى المحاكم للمرة الثانية. تم رفع الدعوى فى عام 2014، وأقرت المحكمة مرة أخرى لصالح أسرة محفوظ فى العام التالى مباشرة.
بموجب حكم المحكمة، كانت دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة ملزمة بتسليم العقود التى كشفت أجزاء منها أن AUCP قد منحت الحقوق الإلكترونية لدار نشر بينجوين Penguin Random House من أجل نشر جميع نصوص محفوظ المترجمة دون موافقة الأسرة. وعقب حكم المحكمة، تعاقدت Random House منذ ذلك الحين مباشرة مع عائلة محفوظ للحصول على حقوق النشر، أى أن ذلك تم منذ عام 2015.
لم يكن هذا كافيًا، ففى عام 2007، أقدمت دار نشر الجامعة الأمريكية على شراء حقوق تحويل «ليالى ألف ليلة» 1979، التى ترجمت إلى عنوان «ليالى وأيام عربية»، إلى دارما لشركة إنتاج أمريكية، بما يتعارض أيضًا مع إنهاء عقدهم مع عائلة محفوظ فى عام 2006.
فى عام 2018، لاحظت أم كلثوم أن AUCP قد حوّلت أموالاً إلى حسابها الشخصي، وتابعت معهم السؤال عن السبب. لتكتشف ادّعاء دار نشر الجامعة الأمريكية بيع حقوق تحويل «بداية ونهاية» إلى مسلسل من إنتاج شركة إنتاج أمريكية. وقد حاولت أم كلثوم تسوية هذا الأمر وديّا من خلال الاتصال بمدير دار النشر، لكن بلا جدوى. رفعت أم كلثوم الدعوى الثالثة ضد دار نشر الجامعة الأمريكية فى عام 2018، ولا تزال تنتظر المحاكمة النهائية فى المحاكم المصرية.
من المعروف أنه حتى قبل 1954، لم يكن هناك تشريع فى مصر يحمى الملكية الأدبية. تغيّر هذا عندما أدخلت مصر القانون رقم 354 لعام 1954 بشأن حماية حق المؤلف، الذى ينص على مدة حماية تمتد إلى 50 عامًا بعد وفاة المؤلف. ظل هذا القانون ساريًا لمدة نصف قرن تقريبًا قبل إلغائه بموجب قانون شامل للملكية الفكرية فى عام 2002. ومع ذلك، فإن قانون الملكية الفكرية لعام 2002 لم يغيّر حماية حق المؤلف الذى تقرّر منذ عام 1954. ومع ذلك، ورغم هذه القوانين القديمة، تشهد الدعاوى المستمرة لأسرة محفوظ فى المحاكم، كأحد الأمثلة التى لا حصر لها على الاتجاه السائد لانتهاك حقوق النشر فى دوائر النشر المصرية.
نجيب محفوظ لم يكن الوحيد. ألغى علاء الأسواني، مؤلف كتاب «عمارة يعقوبيان» الحائز على عدّة جوائز، عقده مع AUCP فى عام 2013 بسبب ما وصفه بأنه «أعمال دون المستوى المطلوب» فى تعامله مع روايته «نادى السيارات»، وشمل ذلك ترجمة إنجليزية ضعيفة لروايته حاولوا نشرها دون موافقته. بينما كشف الكاتب المصرى المشهور بهاء طاهر عن مشاكله الخاصة مع تعامل AUCP مع ممتلكاته الأدبية فى عام 2010، وزُعم أن هناك أخطاء فى الترجمة فى إحدى رواياته، ومنحت حقوق النشر دون إذنه.
«أنا وحدى فى كل هذا» تقول أم كلثوم. رغم إحباطها ومشاق الدعاوى القضائية التى لا نهاية لها حتى اليوم، فإن آخر أبناء محفوظ الباقين، لا تنوى الاستسلام، ومساعيها فى ذلك، تعدّ سبيلا فاصلا فى قضية إرث والدها المسروق. 