الثلاثاء 20 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

كل نساء الرب

كل نساء الرب
كل نساء الرب


هل حقا تنتقص النصوص الدينية من حقوق المرأة ومكانتها فى المجتمع؟، هل تضعها فى مرتبة أدنى من الرجل؟، هل المرأة فى المسيحية كائن نجس؟ هل يجوز رسامتها قسًا؟، لماذا حصلت المرأة فى المجتمعات الغربية على كامل حقوقها فى المساواة، فيما بقيت فى المجتمعات الشرقية مجرد تابعة رهن سيطرة الرجل؟، تبقى هذه القائمة من الأسئلة وغيرها الكثير بلا إجابات واضحة، فأغلب رجال الدين من المنتمين للديانات الإبراهيمية يدعون أن المرأة مساوية للرجل تماما، ولكن هذا التساوى دائمًا ما يأتى ملتبسًا فى ضوء عدد من الاستثناءات!

فى الدورة الأخيرة من معرض القاهرة للكتاب حاولت دار الثقافة تقديم إجابات عن بعض تلك الأسئلة من خلال طرح كتابين: أولهما قديم أعيد طبعه ويحمل عنوان «كل نساء الكتاب المقدس»، والآخر حديث عنوانه «هل يجوز رسامة المرأة قسًا؟»، وإذا كان الكتابان يناقشان قضية قديمة تاريخيا فإنهما يحاولان تقديم رؤية مختلفة للقضية وهى موقف الدين المسيحى من المرأة.  
يقدم هربرت لوكير فى «كل نساء الكتاب المقدس» دراسة تحليلية للنساء الوارد ذكرهن فى الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد فهو لم يقف عند مجرد ذكر أسماء أولئك النساء فقط ولكنه يحلل كل شخصية من جوانبها الإيجابية والسلبية فى حياتها؛ والدور الذى لعبته والنتائج البارزة لهذا الدور.
أهمية هذا الكتاب لا ترجع فقط لكونه يتحدث عن الحياة الاجتماعية المسيحية وتأثير الثقافات الأخرى عليها وإنما فى كونه يبرز  أوجه الشبه بين نساء الكتاب المقدس والنساء فى أيامنا الحالية ويقول «بالنظر لمرأة الكتاب المقدس، فنساء اليوم بإمكانهن رؤية نظرائهن سواء فى النساء اللاتى لاتزال أسماؤهن باقية أو فى حياة أولئك اللاتى لم تذكر أسماؤهن».
ويدلل المؤلف على صحة رؤيته بذكر أمثلة حية من الكتاب المقدس فيقول «النساء غير الجذابات مثل ليئة زوجة يعقوب الأولى؛ لازلن يتمسكن ويحاولن باستماتة الاحتفاظ بالرجل الذى أحببنه، وأخريات جميلات كراحيل زوجة يعقوب الثانية لازلن يشعرن أن الحياة مدينة لهن بالرومانسية والسعادة، وليس ذلك بسبب أى عقل راجح يمتلكنه ولكن بسبب جمالهن».
يتعرض لوكير فى الفصل الأول من كتابه لحقيقة رؤية المسيحية للمرأة غير أنه يقع فى فخ التحيز عندما يرصد فقط الجانب المشرق من الصورة فهو يستند لمقولة الأب متى هنرى «إذا كان الرجل هو الرأس فالمرأة التاج، تاج لزوجها؛ تاج الخليقة المنظورة، كان الرجل ترابا نقيا ولكن المرأة أكثر نقاء؛ أكثر بعدا عن تراب الأرض.. لقد خلقت المرأة من ضلع من جنب آدم ، لم تؤخذ من رأسه لكى تتحكم فيه ولا من قدمه ليدوس عليها؛ بل من جنبه لتكون مساوية له، تحت ذراعه ليحميها، وبالقرب من قلبه ليحبها».
 وفى هذا الفصل أيضا الذى جاء تحت عنوان «حياة ونصيب نساء الكتاب المقدس» تحدث لوكير عن الزواج كعهد سامى بين الرجل والمرأة واصفا إياه بالمؤسسة التى أوجدها الله فى البداية، ويرى أن إهانة المرأة كانت تأتى من الثقافات الوثنية لأن اليهودية ومن بعدها المسيحية كانت تضع المرأة فى منزلة عالية مشيرا إلى أن أول من نقض هذا العهد فى الكتاب المقدس هو « لامك» من نسل قايين القاتل والذى جمع بين «عادة وصلة».
وأضاف أنه فى عهد موسى النبى أصبح تعدد الزوجات مقبولا كعادة سائدة إلا أنه لم يتم الاعتراف به أبدا؛ بل قدم العهد القديم افتضاحا غير مباشر لم يمكن أن يقود إليه تعدد الزوجات، وتناول أيضا لوكير فى هذا الفصل الطلاق وحقوق الأرامل وكذلك تحدث عن دور المرأة فى العائلة مشيرا إلى أن الأمهات وجدن تكريما فى الكتاب المقدس وذلك عن طريق الإشارة المستمرة لهن فى تاريخ الملوك المتعاقبين مما يدل على أهميتهن كعوامل هامة فى تحديد مصائر أبنائهن من الملوك.
وأوضح لوكير أن المرأة فى اليهودية كانت تدبر شئون المنزل بحرية وحكمة وقيادة لم تكن معروفة للشعوب الشرقية المجاورة، وكانت واجباتها المنزلية المتنوعة أكثر استقلالا وتكريما لها، ولم تكن فى مرتبة العبد أو المتاع لزوجها بأى حال من الأحوال.
واختتم لوكير هذا الفصل بالخدمة الدينية لنساء الكتاب المقدس مشيرا إلى مكانتهن فيه، مشيرا إلى أن صفحات العهد القديم تحمل أسماء سيدات ذكرن بسبب تكريسهن لله، وأضاف أنه على مدى تاريخ الكتاب المقدس كانت النساء أبرز وأشهر من الرجال فى التكريس الدينى.
وتحدث المؤلف فى الفصل الذى جاء بعنوان « بيان تفسيرى لنساء الكتاب المقدس وفقا للترتيب الأبجدى» عن كيف أن الطبيعة البشرية لم تتغير كثيرا على مدى العصور الماضية، مشيرا إلى أن أفضل الشخصيات النسائية واللاتى كن رائدات لحرية الفكر والعمل قد أسهمن فى حصول المرأة على المركز الممتاز الذى وصلت إليه الآن.
وأوضح أنه إلى الآن من الممكن أن نجد بين معارفنا امرأة مكرسة وراسخة الإيمان كسارة؛ ورمزا للأمومة المتلهفة كرفقة زوجة اسحق؛ وراحيل المحبوبة والتى نرى سحرها يختفى مع كبر السن لتصبح مليئة بالجسد وفظة الكلام.
أما عن امرأة فوطيفار التى حاولت إغواء يوسف الصديق فنراها « على صفحات الجرائد»  متنكرة فى العديد من الشخصيات، أما دليلة التى جلبت العار لشمشون الجبار فهى شخصية معروفة لرجال البوليس والقانون واصفا إياها بأنها الوجه النسائى ليهوذا الإسخريوطى التى تقوم بأى شىء لأجل المال.
ولم يهمل لوكير فى كتابه نساء الكتاب التى لم تذكر أسماؤهن فجاء الفصل الثالث ليتحدث عنهن وعن أعمالهن وكانت أبرزهن زوجة قايين وزوجة لوط التى تحولت لعمود ملح لمخالفتها كلام الله وبناته اللائى كن بلا خجل، وعلى النقيض تحدث عن ابنة فرعون التى قامت بتربية موسى النبى؛ والنساء المتجندات عند باب خيمة الاجتماع ليكنَّ مكرسات للخدمة فقط وغيرهن من كانت لهن أدوار إيجابية أو سلبية.
وفى الفصل الرابع تحدث لوكير عن استخدام المرأة كرمز فى الكتاب المقدس مشيرا إلى أن قدرة الجنس النسائى على السمو لمرتبة الملائكة أو الانحطاط لمركز الشياطين جعله يستخدم كرمز للرذائل أو فضائل الجنس البشري، ولذلك فقد صورت الأمة الإسرائيلية قديما كزوجة زانية وذلك فى حالة الارتداد الدينى؛ بينما الكنيسة الحقيقية أطلق عليها العروس، وهكذا ذكر لوكير كل الرموز النسائية التى ذكرت فى العهدين القديم والجديد مثل المرأة التى تنسى رضيعها، وملكة السماء والأمهات المعزيات إلى آخره من الرموز الأخرى.
وجاء الفصل الخامس ليتحدث عن المرأة المثالية بين نساء الكتاب وصفاتها ووصفها كما جاءت فى سفر الأمثال والذى كتبه سليمان الحكيم، وكان الفصل السادس والسابع والثامن بمثابة الخريطة التى وضعها الكاتب لإعداد ومساعدة القادة والمتحدثين فى الجماعات النسائية لجعل الشخصيات النسائية فى الكتاب مثالا يحتذى به نساء اليوم والتى جاءت فى بدايتها الشكر والصلاة .
ولأن هذا الموضوع دائما محل التقدير والدراسة فقد أصدرت دار الثقافة كتابا آخر عن خدمة المرأة جمعت فيه كل الآراء المؤيدة والمعارضة لرسامتها قسا، فقد قام القس عيد صلاح بجمع كل المقالات التى نشرت فى هذا الموضوع الشائك وأصدر كتاب «رسامة المرأة قسا.. بين النص والواقع» تناول فيه إشكاليات رسامتها فى المجتمع الشرقى وهل هو ضرورة أم رفاهية كما تناول الرؤية الكتابية واللاهوتية ودورها فى كتب بولس الرسول.
 الحقيقة أن الكتاب لم يحمل إجابة واضحة لهذا السؤال الملح والذى يطل على المجتمع المصرى بين الحين والآخر وإنما فقط قام بطرح آراء متعددة لعدد من القسوس والشيوخ رجالا ونساء حملت أبحاث كتابية ودستورية له إلا أنه لم يستطع أحد الوصول لكلمة قاطعة حيث أن هناك جوانب ثقافية واجتماعية تعوق أى شخص من أن يعلن رأيه صراحة فيه.
وعلى الرغم من كل الأدوار التى قامت بها نساء الكتاب المقدس فى العهد الماضى إلا أنه لا أحد يستطيع أن يحسم هل يجوز رسامتها قسا أم لا، فمن السهل جدا الإقرار بالماضى لكن من الصعب جدا التحرر فى الحاضر.
الحقيقة التى يمكن استخلاصها من هذا العرض أن هناك حالة من الصراع على النفوذ دائرة منذ الأزل بين الرجل والمرأة؛ وهو صراع ينبع فى الأساس من «حب السيطرة» فكل رجل يبحث دائما عن كيفية إخضاع المرأة له؛ والمرأة تصارع لإثبات وجودها وأحقيتها فى حياة مكافئة للرجل، وأسهل طريق فى مجتمعاتنا الشرقية لإخضاع الآخر هو الاستناد لرأى الدين وما تقوله الكتب المقدسة عن علاقة الرجل بالمرأة، لأن استخدام الكتب المقدسة تكون بمثابة العصا السحرية وأسهل طريق لإثبات حق الفرد فى فرض سيطرته على الآخر.